من بدوى إلى رئيس.. قراءة في سيرة كاكا (4)

فيما أرى

عادل الباز

1
لا زلنا نواصل الإبحار في صفحات كتاب الرئيس كاكا الذي يفيض بالأكاذيب، وكنا قد استعرضنا في الحلقة الأولى من سلسلة المقالات موقف الرئيس كاكا من الفساد الذي ينخر عظام نظامه، ثم عرضنا في الحلقة الثانية لموقفه من والده والحرس القديم، وفي الحلقة الثالثة رأينا حالة الإنكار الذي تلبسته حين أنكر أي صلة له بتمرد حميدتي ونفى دعمه له رغم أن كل الشواهد الماثلة والتي أثبتتها تقارير الأمم المتحدة وتقارير صحافة العالم، السيد كاكا هو وحده الذي لا يرى.. ليس لأنه أعمى ولكن لأن غيوم الرشاوى الإماراتية قد عصبت عينيه.
2
في هذه الحلقة عبر الرئيس كاكا محطة الإنكار إلى اتهام السودان بأنه هو من أسس الاعتداء على تشاد طوال تاريخه قائلاً (إذا كانت هناك شكوى يجب أن تكون من تشاد لارتباط السودان بدعم المتمردين التشاديين منذ العام 1966، حين نشأت حركة (فرولينا) المتمردة في نيالا وثم أضاف ( تشاد كانت على العكس، ولم تستضف قط تمردا ضد السودان، وأن الحكومة التشادية كانت ترفض توفير ملجأ لمثل هذه التحركات على الأراضي التشادية).
يبدو أن هذا الشاب الغر جاهلاً حتى بتاريخ بلاده وإلا كيف يمكن أن يكون موقف السودان الداعم لحركة فرولينا فعلاً مداناً من رئيس تشاد بدلاً من أن يشكره لموقفه التاريخي في دعم حركة تحرر مثل جبهة فرولينا؟!!. ما هي جبهة فرولينا.
3
تأسست جبهة فرولينا في مؤتمر نيالا في السودان بين 19 و22 يونيو 1966 بعد أن اتحدت جبهة التحرير الوطني مع الاتحاد الوطني التشادي بزعامة إبراهيم أباتشا وهي التي ساعدت الشماليين للوصول إلى السلطة، وبها تحصلوا على حقوقهم، بعد أن سلبت منهم من قبل الاحتلال الفرنسي وعملائه، “وكان الفرنسيون قد نفذوا استفتاءً مزيفاً مكّن عملاءه من السلطة في تشاد وانطلقت المقاومة عندما أصدر الرئيس التشادي تمبلباي في العام 1962م قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية معلناً قيام الجمهورية الرئاسية ونظام الحزب الواحد الحاكم، أدى هذا الأمر إلى بداية انطلاق الثورة ضده في المنطقة الشرقية المتاخمة لحدود السودان الغربية”. وبعدها انطلقت مقاومة التشاديين للوكلاء الفرنسيين، تمبلباي وغيره من الأقليات المسيحية التي ظلت تحمي المصالح الفرنسية.
(من المحراب ننطلق.. بغير الله لا نثق..
أسود حين نستبق.. الى الهيجا بميدان..
سنرغم من يقاتلنا.. معاقلنا..
تُشاد لنا.. تِشاد لنا.. تشاد لنا.. تمبلباي خاسر جاني.)
4
السودان لم يدعم تمرداً على نظام وطني، إنما دعم حركة تحرر وطني ضد المستعمرين. وكان هذا ديدن السودان مع كل حركات التحرر الأفريقي
فلقد “دعم السودان الحركة الوطنية في الكونغو قبل وبعد إعلان استقلال الكونغو في عام 1960م حيث كان الزعيم باتريس لومومبا على إتصال مستمر بسفارة السودان بباريس والتي استخدمها ذات مرة كمخبأ له وهو في طريقه لنيويورك لمخاطبة الأمم المتحدة”.
وفي “غرب أفريقيا كان السودان أقوى المساندين لحركة تحرير غينيا بيساو والداعمين لها إتساقاً مع اهتمامه ووقوفه إلى جانب حركات التحرر في المستعمرات البرتغالية في أفريقيا خاصة بعد ما اغتالت قوى الاستعمار المناضل الثائر أملكار كابرال رئيس حزب الاستقلال لغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر في كوناكري عام 1973م حيث أصدرت وزارة الخارجية بياناً أدانت فيه تلك الجريمة وأشادت فيه بمآثر الفقيد كما شارك السودان في تشييع جنازته”.
باختصار دعم السودان كل حركات التحرر الإفريقية من الجزائر عبوراً بغرب أفريقيا حتى جنوب أفريقيا حيث دعم حزب المؤتمر الوطني بقيادة مانديلا ودعم حركات الكفاح المسلح فى إريتريا وأثيوبيا وغيرها.
5
السودان لم يدعم تمرداً ضد دولة إنما كان دائماً يدعم مناضلين ضد الاستعمار وعملائه ووكلائه، فبدلاً من أن يشيد هذا الغر (الرئيس كاكا) بالدعم التاريخي الذي قدمه السودانيون لجبهة فرولينا التي مكنت التشاديين في النهاية من نيل استقلالهم الحقيقي من الفرنسيين، يتخذ موقفهم الداعم للمجاهدين التشاديين سبباً لإدانتهم!!.
ويبدو أن الرئيس كاكا وهو في سعيه الحثيث لإعادة الفرنسيين لاستعمار بلاده مدعومين بالإماراتيين لا يتورع في دلق اتهاماته الساذجة على السودان محاولاً أن ينجو بنفسه من الجرائم التي يرتكبها الآن الجنجويد في السودان، مدعياً أن السودان هو من ظل يدعم المتمردين في تشاد. سنرى في الحلقة القادمة كيف شاركت ودعمت تشاد كل حركات التمرد ضد السودان انطلاقاً من حدودها الغربية منذ السبعينيات إلى 2005.
نواصل

Exit mobile version