من الفجيرة إلى بنغازي فدارفور: الموانئ الإماراتية في قلب شبكات تهريب السلاح إلى السودان

مقدمة
أعاد احتجاز السلطات الإسبانية لسفينة الشحن Lila Mumbai في مضيق جبل طارق أواخر أغسطس 2025، ثم اعتراض باخرة أخرى في قناة السويس كانت تحمل شحنة مماثلة في طريقها إلى بنغازي، تسليط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه الموانئ الإماراتية في تمرير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى مناطق النزاع في شمال أفريقيا.
الواقعتان المتقاربتان في التوقيت ليستا مجرد صدفة، بل تعكسان شبكة إمداد منهجية تنطلق من موانئ الإمارات – خصوصًا الفجيرة وجبل علي – لتصب في ميناء بنغازي، ومنه إلى جبهات الحرب السودانية.
حادثة “Lila Mumbai”: خيط يفضح شبكة
في الفترة ما بين 27 و30 أغسطس 2025، أوقف الحرس المدني الإسباني السفينة Lila Mumbai، التي ترفع علم ليبيريا، قبالة مدينة سبتة، قبل أن تُقتاد إلى خليج الجزيرة الخضراء للتفتيش الدقيق. السفينة كانت قد غادرت ميناء الفجيرة يوم 18 يوليو، في رحلة وُصفت بأنها جزء من خط إمداد متكرر يربط الإمارات بشرق ليبيا.
التحقيقات الأولية والتقارير المتقاطعة رجحت أن السفينة تحمل زوارق دورية بطول 32 مترًا بُنيت في أحواض Grandweld Shipyards بدبي، وهي جزء من سلسلة تسليمات مثيرة للجدل سبق أن ارتبطت بخروقات لحظر السلاح على ليبيا.
الباخرة الثانية في السويس: غموض الجهة المعترضة
بالتوازي مع ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية عن اعتراض باخرة أخرى في قناة السويس محمّلة بشحنة أسلحة إماراتية متجهة إلى بنغازي. لم يتضح حتى الآن ما إذا كان الاعتراض تم من قبل السلطات المصرية بشكل مباشر، أم أنه جرى تحت ضغط أو بتنسيق مع الولايات المتحدة.
إلا أن الثابت أن الشحنة – مثل “Lila Mumbai” – كانت تنطلق من الإمارات وتتجه إلى الشرق الليبي، ما يضيف دليلاً جديدًا على وجود قنوات إمداد متكررة مرتبطة بأبوظبي.
ليبيا محطة ترانزيت للسودان
منذ سقوط نظام القذافي عام 2011، تحولت ليبيا إلى ساحة مفتوحة لشبكات تهريب السلاح. ومع اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023، اكتسبت بنغازي تحديدًا دورًا جديدًا باعتبارها مركزًا لإعادة تصدير الأسلحة إلى السودان.
التقارير الأممية والدبلوماسية توضح أن الشحنات التي تصل إلى شرق ليبيا تُنقل لاحقًا عبر الحدود الصحراوية إلى تشاد ودارفور، ومنها إلى قوات الدعم السريع (RSF) التي تقاتل الجيش السوداني. هذا الممر (الإمارات – ليبيا – السودان) بات جزءًا ثابتًا من اقتصاد الحرب السوداني، حيث يتم تبادل السلاح بالذهب.
دوافع الإمارات: ما وراء الإمداد العسكري
1. الذهب السوداني
تُعتبر دبي الوجهة الأولى لصادرات الذهب غير الرسمية من السودان، وغالبها يأتي عبر شبكات مرتبطة بالدعم السريع. استمرار الحرب يضمن تدفق هذا الذهب بأسعار تفضيلية.
2. النفوذ في البحر الأحمر
بتقوية حلفائها في دارفور وكردفان، تسعى أبوظبي إلى توسيع نفوذها الاستراتيجي وصولًا إلى السواحل السودانية على البحر الأحمر.
3. منافسة القوى الإقليمية
تسعى الإمارات لإضعاف نفوذ قطر وتركيا في السودان، عبر دعم قوات محلية بديلة أكثر ولاءً لها، مثل الدعم السريع.
أوروبا تدخل على الخط: إسبانيا كنموذج
حادثة “Lila Mumbai” لم تكن معزولة. فقد تزامنت مع إعلان وزارة الدفاع الإسبانية إطلاق منصة استخبارات بحرية بميزانية 1.5 مليون يورو لمراقبة السفن المشبوهة وتحليل أنماطها.
هذا التحرك يعكس إدراكًا متزايدًا في أوروبا لخطورة استخدام طرق الشحن التجاري كغطاء لتهريب السلاح، خاصة في الممرات الحيوية مثل مضيق جبل طارق.
واشنطن: بين الضغط والصفقة
في الوقت الذي كانت فيه السلطات الإسبانية والمصرية تتحرك ضد شحنات إماراتية، كانت واشنطن تضغط على قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لإبعاد الإسلاميين ودمج الوحدات المسلحة.
المفارقة أن الولايات المتحدة تغض الطرف غالبًا عن الدور الإماراتي، باعتباره حليفًا استراتيجيًا، بينما تركز ضغوطها على اللاعبين المحليين في السودان. لكن تزايد الاعتراض الأوروبي على شحنات السلاح قد يدفع واشنطن إلى إعادة النظر في هذا التوازن.
قراءة في المشهد: الإمارات كعقدة وصل
• الموانئ الإماراتية تمثل نقطة الانطلاق الرئيسية لشحنات السلاح.
• بنغازي تؤدي دور محطة ترانزيت محمية بنفوذ خليفة حفتر، الحليف الوثيق لأبوظبي.
• السودان هو الوجهة النهائية حيث تتحول الأسلحة إلى رصيد عسكري لقوات الدعم السريع مقابل الذهب.
هذه المنظومة تكشف عن اقتصاد حرب متكامل تديره شبكات إقليمية، تجعل من الإمارات لاعبًا محوريًا في استمرار النزاع السوداني.
الخلاصة
من الفجيرة إلى جبل طارق، ومن السويس إلى بنغازي، تتكشف صورة متكررة: الإمارات تستخدم موانئها كمنصة لتسليح ميليشيات عبر ليبيا، في خرق صارخ لحظر السلاح الدولي.
هذه الشبكات لا تُغذي الحرب الليبية فقط، بل تمتد مباشرة إلى السودان، حيث تساهم في إطالة أمد صراع دموي أودى بحياة مئات الآلاف.
وبينما تتحرك أوروبا عبر إسبانيا ومصر لضبط هذه الخطوط، يبقى السؤال الأهم: هل ستجرؤ واشنطن على مواجهة حليفتها أبوظبي بشأن دورها في تأجيج أكبر حرب في أفريقيا اليوم



