من التمويل الأصغر إلى الشمول المالي… السودان يخطو نحو تنمية أكثر شمولاً وعدلاً (2)

هبة محمود صادق فريد
” يمثل الانتقال نحو الشمول المالي الشامل تحولاً جوهرياً يعيد توجيه النظام المالي لخدمة المواطن والاقتصاد الحقيقي, عبر ربط التمويل بالإنتاج وتوسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية. ويكتمل هذا التحول ببناء سياسة وطنية متكاملة للشمول المالي, مقرونة بتأسيس وكالة وطنية لتطوير المشروعات الأصغر والصغيرة والمتوسطة, باعتبارها الآلية القادرة على تحويل الجهود المتناثرة إلى مشروع دولة موحّد يدعم الإنتاج, ويحفّز النمو المستدام, ويضمن عدالة النفاذ إلى الفرص لكل فئات المجتمع”..
شكّل المقال الأول مدخلاً لعرض التحوّل المؤسسي الذي يشهده السودان عبر الانتقال من مرحلة التمويل الأصغر إلى مرحلة الشمول المالي الشامل, موضحاً كيف أسهم هذا التحوّل في بناء رؤية وطنية جديدة تقوم على التكامل بين السياسات الاقتصادية والقطاعية, وعلى إعادة وضع المواطن, وخاصة المرأة والشباب وصغار المنتجين, في قلب النظام المالي. تناول المقال الأول كذلك أسباب محدودية أثر المبادرات السابقة، والتي تمثلت أساساً في غياب التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والزراعية والصناعية والاستثمارية, الأمر الذي أدى إلى جهود متفرقة لم تحقق نتائج بحجم الطموح ولا بحجم الجهد المبذول.
وانتهى المقال الأول إلى أن تأسيس إدارة عامة للشمول المالي يمثل نقطة انطلاق حقيقية نحو اقتصاد أكثر عدالة وشمولاً, ويعيد بناء الثقة بين المواطن والنظام المصرفي، ويؤسس لمرحلة جديدة تتجاوز المبادرات الجزئية إلى مشروع دولة متكامل يقوم على رؤية وطنية واضحة.
ومن هنا يأتي المقال الثاني، ليكمل الصورة ويجيب على الأسئلة الجوهرية:
ما هو الشمول المالي؟ ما هي مؤشراته؟ ولماذا يُعد اليوم أداة للعدالة الاقتصادية ومحركاً للنمو؟ كما يناقش المقال الحاجة الملحّة لوجود سياسة وطنية موحدة للشمول المالي تتكامل فيها السياسات النقدية والمالية وسياسات الاتصالات والصناعة والزراعة والاستثمار والتعليم والإعلام. ويقدم أيضاً شرحاً مستفيضاً لـ”الحلقة المفقودة” في المنظومة: وكالة تطوير المشروعات الصغيرة والأصغر والمتوسطة وريادة الأعمال (MSMEs)، التي يُعوَّل عليها لربط التمويل بالإنتاج وتحويل الشمول المالي إلى تنمية حقيقية.
بهذه الرؤية, يصبح المقال الثاني امتداداً طبيعياً للأول، ويضع القارئ أمام الإطار المفاهيمي والعملي الذي سيقود الشمول المالي من فكرة إلى سياسة، ومن سياسة إلى أثر ملموس في حياة الناس واقتصاد البلاد.
أولاً: ما هو الشمول المالي؟ المفهوم والغاية
لم يعد الشمول المالي مجرد توسّع في تقديم الخدمات المصرفية, بل أصبح مشروعاً وطنياً لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والاقتصاد، يضمن حصول كل فرد فى المجتمع, إذا كان يسكن فى مناطق حضرية أومناطق ريفية طرفية, شاباً كان أو امرأة, مزارعاً صغيرا أو صاحب مشروع صغير, على حقه الطبيعي في حساب مصرفي، وسائل دفع رقمية، تمويل عادل، تأمين، ادخار، وخدمات مالية رقمية تمكّنه من المشاركة في دورة الإنتاج وليس الاستهلاك فقط.
الشمول المالي يعني ببساطة: إتاحة الخدمات المالية لكل الناس، بطريقة آمنة، ميسورة، عادلة، وملائمة لاحتياجاتهم.
إنه انتقال من اقتصاد يدار من المركز، إلى اقتصاد يقوده الجميع عبر المشاركة الفعلية في الإنتاج والنمو، ويعيد لصاحب الدخل المحدود مكانته كمشارك أساسي وليس هامشياً.
ثانياً: مؤشرات الشمول المالي
تقاس مستويات الشمول المالي بمجموعة من المؤشرات الدولية والعملية، أبرزها:
– نسبة السكان الذين يمتلكون حسابات مصرفية أو محافظ رقمية نشطة، وهي أهم مؤشر لقياس قدرة الأفراد على التعامل مع الاقتصاد الرسمي.
– انتشار الخدمات المالية في المناطق الريفية والطرفية، لأن غيابها يولد فجوات تنموية حادة.
– نسبة النساء والشباب ضمن المستفيدين، فأى فجوة سكانية تعد مؤشر مباشر لعدم المساواة الاقتصادية.
– مستوى الثقة في القطاع المصرفي ومستوى الوعي المالي، فبدون الثقة والوعي لا معنى للتوسع الرقمي أو البنكي.
– انتشار المدفوعات الرقمية واستخدام المحافظ الإلكترونية، وهو مؤشر على الحداثة والشفافية وتقليل الاقتصاد النقدي.
هذه المؤشرات ليست أرقاماً محايدة، بل مرآة لعدالة توزيع الفرص. وكلما ارتفع مستوى الشمول المالي، تقلّص التهميش، واتسعت قاعدة الإنتاج، وتحسن الاستقرار الاجتماعي.
ثالثاً: كيف يحقق الشمول المالي
العدالة والنمو الاقتصادي؟
1. العدالة الاقتصادية
الشمول المالي يعيد توزيع الفرص من خلال:
– تمكين الأسر محدودة الدخل من النفاذ للتمويل الصغير والادخار.
– إدخال الشباب و المرأة في الدورة الاقتصادية عبر محافظ رقمية وتمويل منتج.
– ربط المزارعين والمنتجين بالأسواق مباشرة دون سماسرة.
– زيادة قدرة الشباب على تأسيس مشروعات صغيرة.
وبذلك ينتقل المجتمع من نموذج “الفرص تُمنح للقادرين” إلى “الفرص متاحة للجميع”.
2. النمو الاقتصادي
النمو الاقتصادي لا يتحقق بالإنفاق الحكومي فقط، بل عبر:
– توسيع قاعدة الممولين والمنتجين عبر التمويل الأصغر, و التمويل الصغير, والتمويل المتوسط.
– رفع الإنتاجية عبر الخدمات الرقمية: الدفع، التسويق الإلكتروني، المعرفة، البيانات.
– تحفيز الاستثمار عبر اقتصاد منظم يقل فيه التعامل النقدي.
– تحسين كفاءة الأسواق لأن الشمول المالي يقلل التكاليف ويزيد الشفافية.
و بالتالى كل فرد في المجتمع يصبح جزءاً من ماكينة الإنتاج، لا مجرد مستهلك، وهذا جوهر التنمية الحقيقية
رابعاً: لماذا يجب أن تكون هناك
سياسة وطنية شاملة للشمول المالي؟
غياب سياسة موحدة يعني أن البنك المركزي يسير في اتجاه، و وزارة الماية والوزارات القطاعية الأخرى تسير في اتجاه آخر، والقطاع الخاص يعمل وفق حوافز غير مستقرة، والمشروعات الصغيرة تعمل دون حماية أو دعم، والخدمات المصرفية تتوسع من دون تكامل مع الإنتاج.
لذلك فإن السياسة الوطنية الموحدة تحوّل الشمول المالي من “جهود متناثرة” إلى “مشروع دولة”، عبر تحديد أدوار واضحة لكل مؤسسة: البنك المركزي، وزارات المالية، الزراعة، الصناعة، الاتصالات، الإستثمار، ووزارات التعليم العام و العالى. و يؤدى ضمان انسجام سياسات الشمول المالى مع الرؤية الإقتصادية الموحدة الى منع التكرار وإهدار الموارد, و بالتالى تعظيم أثر التمويل بحيث يؤدي إلى إنتاج حقيقي لا إلى ديون بلا عائد. و بدون هذه السياسة العامة سيظل الشمول المالي ناقصاً وغير قادر على دفع عجلة التنمية.
خامساً: دور السياسات الاقتصادية
والقطاعية في تحقيق الشمول المالي
أ) السياسة النقدية
تلعب السياسة النقدية دوراً محورياً في تمهيد الطريق أمام الشمول المالي، لأنها المسؤولة عن خلق بيئة مالية مستقرة وآمنة تشجع الأفراد والمؤسسات على التعامل مع النظام المصرفي. ويشمل دورها:
– توفير بيئة مالية مستقرة: عبر التحكم في التضخم وتقليل تقلبات أسعار الصرف، بما يجعل الادخار والتمويل قرارات آمنة لا مخاطرة فيها، خاصة للفئات الهشة التي تتأثر سريعاً بارتفاع الأسعار.
– دعم الابتكار المالي (FinTech) وتنظيمه: من خلال إصدار اللوائح التي تسمح بظهور حلول دفع رقمية جديدة، وتطبيقات مالية مبتكرة، مع وضع قواعد تحمي المستهلك من الاحتيال وتضمن استقرار السوق الرقمي.
– إلزام البنوك بتقديم منتجات ملائمة: مثل الحسابات منخفضة التكلفة، الحسابات الرقمية، التمويل الأصغر، والتأمين متناهي الصغر، بحيث لا يُترك الفقراء والشباب خارج النظام المصرفي.
– خفض تكلفة الخدمات المالية:عبر سياسات تسعير عادلة ورسوم مخفّضة للدفع الرقمي والتحويلات المصرفية، لأن التكلفة المرتفعة تعد أحد أهم معوقات الشمول المالي.
ب) السياسة المالية (سياسة المالية العامة)
ترتبط السياسة المالية مباشرة بنمو المشروعات الصغيرة وتوسيع قاعدة الإنتاج، ولذلك يجب أن تتناغم مع أهداف الشمول المالي:
– هيكلة النظام الضريبي لدعم الإنتاج: بحيث يتم تخفيف الضرائب على المنتجين المحليين والمشروعات الصغيرة، مقابل فرض ضرائب عادلة على الأنشطة غير الإنتاجية أو الاحتكارية.
– توجيه الدعم إلى الفئات المنتجة: عبر دعم المدخلات الزراعية والصناعية، وتقديم حوافز للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بدل الدعم العشوائي غير الموجّه.
– تحفيز التحول إلى المدفوعات الرقمية: من خلال إعفاء أو تخفيض الرسوم على المحافظ الإلكترونية والدفع عبر الهاتف، وربط الدعم الحكومي بالمنصات الرقمية، مما يعزز الشفافية ويقلل التسرب المالي.
ج) سياسة الاتصالات والتحول الرقمي
تمثل الاتصالات البنية التحتية التكنولوجية التي يقوم عليها الشمول المالي، وهو ما يجعلها أحد أهم عناصر هذا المشروع الوطني:
– توسيع التغطية الشبكية لكل المناطق الريفية والطرفية: فبدون شبكة جيدة لن تتم أي خدمات مالية رقمية، وستظل الفئات خارج المدن محرومة من النفاذ.
– تخفيض تكلفة الإنترنت ورفع الجودة: لأن تكلفة البيانات تمثل حاجزاً كبيراً أمام استخدام المحافظ الرقمية والتحويلات الإلكترونية.
– دعم منصات الدفع الرقمي وربطها بالحكومة الإلكترونية: بحيث يستطيع المواطن دفع الفواتير والرسوم الحكومية إلكترونياً، مما يعزز الثقة ويشجّع على التعامل الرقمي.
– إنشاء بنية تحتية للابتكار المالي (Digital Sandbox): تسمح للشركات الناشئة بتجربة منتجات مالية جديدة تحت رقابة تنظيمية، مما يساهم في نشر خدمات ميسّرة لمحدودي الدخل.
د) سياسة تطويرالصناعية
تهدف السياسة الصناعية إلى تحويل التمويل إلى إنتاج حقيقي، وهو جوهر التنمية:
– توفير حوافز للمنتجين المحليين: مثل الإعفاءات الضريبية على مدخلات الإنتاج، وتسهيل الحصول على الآلات والمعدات، وتمويل خطوط الإنتاج.
– دعم التصنيع الزراعي والصناعات الصغيرة: لتقليل الفاقد وتحويل المحاصيل إلى منتجات ذات قيمة مضافة، مما يخلق فرص عمل ويوسّع الأسواق.
– تشجيع المنتج الوطني: عبر سياسات حماية مدروسة، مما يزيد الطلب المحلي على الإنتاج الوطني ويعزز قدرة المشروعات على الحصول على التمويل.
هـ) سياسة الزراعة
الزراعة هي العمود الفقري للشمول المالي في السودان لأنها تضم الفئات الأكثر تهميشاً:
– ربط المزارعين بالإرشاد، التمويل، والتأمين الزراعي: لتقليل مخاطر الإنتاج وتحسين الإنتاجية، مما يجعل التمويل أقل مخاطرة وأكثر استدامة.
– بناء سلاسل قيمة وربطها بالأسواق المحلية والإقليمية: بحيث يتلقى المزارع سعراً عادلاً، ويتحول التمويل الزراعي إلى تنمية حقيقية.
– إدخال المحافظ الرقمية في المعاملات الزراعية: مثل شراء المدخلات، دفع العمالة، تسويق المحصول، واستلام الأرباح، مما يقلل الفاقد ويزيد الشفافية.
و) سياسة الاستثمار
بدون سياسة استثمارية داعمة لن تزدهر المشروعات الصغيرة والمتوسطة ولا ريادة الأعمال:
– جذب رؤوس الأموال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة: عبر إنشاء صناديق تمويل مشتركة وضمانات حكومية تقلل المخاطر على المستثمرين.
– دعم مسرّعات الأعمال وحاضنات المشاريع: من خلال تقديم التدريب، الإرشاد، ومساحات العمل، وتمويل أولي للمشروعات الابتكارية.
– تقديم ضمانات ائتمانية: للمشروعات عالية المخاطر، خاصة في القطاعات الزراعية والتقنية، حتى لا تُحرم من التمويل بسبب غياب تاريخ ائتماني.
ز) سياسات التعليم والإعلام (نشر الوعي المالي)
الشمول المالي ليس بناء أنظمة فقط، بل بناء إنسان قادر على استخدامها:
– إدخال الثقافة المالية في المناهج الدراسية: ليكبر الجيل الجديد وهو مدرك لأهمية التخطيط المالي، الادخار، استخدام البنوك، والحماية المالية.
– إطلاق حملات إعلامية مستمرة: تشرح بلغة مبسطة فوائد الحساب المصرفي، وطرق الحماية من الاحتيال، واستخدام المحافظ الرقمية.
– تدريب النساء والشباب: على استخدام التكنولوجيا المالية وإدارة المشروعات الصغيرة، لأنهم الأكثر احتياجاً للتمكين.
– تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية: عبر خطاب إعلامي مهني يُبرز قصص النجاح، ويوضح الحقوق والواجبات، ويحارب الشائعات، ويشرح بوضوح آليات الحماية المصرفية.
سادساً: الحلقة المفقودة: وكالة تطوير المشروعات الصغيرة والأصغر والمتوسطة وريادة الأعمال (MSMEs)
رغم الجهود الكبيرة، لا يزال السودان يفتقد المؤسسة التي تربط التمويل بالإنتاج. هذه الفجوة تمثل الحلقة المفقودة في منظومة الشمول المالي.
1. لماذا نحتاج وكالة وطنية للـ MSMEs؟ لأن:
– التمويل وحده لا يصنع الإنتاج، بل يحتاج تدريباً، أسواقاً، وتأهيلاً فنياً.
– لا توجد جهة موحدة تنسّق بين البنك المركزي، الوزارات، البنوك، المنظمات الدولية، القطاع الخاص.
– المشروعات الصغيرة تمثل أكثر من 70% من الاقتصاد لكنها بلا مظلة وطنية, و غيابها أدى إلى ضعف تأثير التمويل الأصغر رغم ضخامة الجهود.
2. مهام الوكالة المقترحة
ستعمل الوكالة على:
– وضع سياسة وطنية متكاملة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
– دعم ريادة الأعمال عبر برامج تدريب وتمويل وحاضنات أعمال.
– توفير بيانات دقيقة، خرائط إنتاج، ومسوح قطاعية.
– ربط صغار المنتجين بالأسواق المحلية والإقليمية.
– تطوير المنتجات المالية المناسبة لكل قطاع (زراعة، صناعة، خدمات).
– ضمان ربط التمويل بالإنتاج لا بالاستهلاك.
– تنسيق الجهود بين السياسات النقدية والمالية والقطاعية.
3. ما الفوائد الاقتصادية المتوقعة؟
– خلق فرص عمل حقيقية للشباب.
– زيادة الناتج المحلي عبر توسع قاعدة الإنتاج.
– تقليل الفقر عبر مشاريع صغيرة مستدامة.
– تخفيض الواردات عبر دعم المنتج المحلي.
– زيادة الصادرات عبر تطوير سلاسل القيمة.
– تعزيز الاستقرار الاجتماعي وتقليل الهجرة الداخلية والخارجية.
” إن إنشاء وكالة تطوير الـ MSMEs ليس ترفاً إدارياً، بل شرط أساسي لنجاح الشمول المالي. فالشمول المالي بدون إنتاج يشبه “جسد بلا قلب”.
خاتمة:
إن الشمول المالي ليس برنامجاً تقنياً، ولا خطوة إجرائية تُضاف إلى سجل المبادرات الوطنية، بل هو تحوّل في فلسفة التنمية ذاتها؛ انتقال من اقتصاد تُصنع قراراته بعيداً عن الناس إلى اقتصاد يستمد قوته من مشاركة الجميع فيه. ولن يتحقق هذا التحوّل ما لم نمتلك الشجاعة لإعادة ترتيب أولويات الدولة، ولإرساء مؤسسات قوية قادرة على وصل ما انقطع بين التمويل والإنتاج، وبين الطموح والواقع.
لقد أثبتت التجارب أن توسّع الخدمات المالية دون إنتاج، وتمويل دون سياسات متكاملة، وتطبيقات رقمية دون ثقة ووعي، لن تصنع تنمية ولا عدالة. وحدها السياسة الوطنية الموحدة للشمول المالي، المدعومة بوكالة فعّالة للمشروعات الصغيرة والأصغر والمتوسطة، تستطيع أن تنقل السودان من دائرة المبادرات قصيرة الأثر إلى فضاء التحوّل الاقتصادي العميق، حيث يصبح كل حساب مصرفي فرصة، وكل محفظة رقمية مدخلاً للإنتاج، وكل مشروع صغير لبنة في بناء اقتصاد أكثر صموداً وعدلا.ً
إن الطريق نحو اقتصاد شامل ليس سهلاً، لكنه الطريق الوحيد القادر على إعادة بناء الثقة، واستعادة كرامة العمل، وفتح أبواب الأمل أمام ملايين النساء والشباب وصغار المنتجين. وكلما تقدم السودان خطوة في هذا الاتجاه، اقترب أكثر من مستقبل تُصنع فيه التنمية بأيدي الناس ولأجلهم، ويستعيد فيه الوطن قدرته على النهوض اعتماداً على قواه الحية، لا على حلول مؤقتة ولا مبادرات متفرقة.
فالشمول المالي ليس نهاية الرحلة، بل بدايتها… بوابةٌ لاقتصاد يولد فيه النمو من القاعدة، وتولد فيه العدالة من المشاركة، ويولد فيه الأمل من توحيد الجهود حول مشروع وطني واحد: تنمية حقيقية لا تُقصي أحداً.
**الرئيس الأسبق لوحدة التمويل الصغر ببنك السودان المركزى



