كتب أسامة عبد الماجد :
في سابقة مدمرة تكشف حجم الاستهتار بالدولة ومؤسساتها، جرى تعيين السفير علي حميدة.. وهو دبلوماسي حديث العهد، في موقع الأمين العام لمجلس الوزراء.. هذا المنصب الذي يمثل قمة هرم الخدمة المدنية السودانية تحول بجرة قلم إلى غنيمة توزع بالمحاباة للاصدقاء.. فقط لأنه دفعة السفير بدر الدين الجعيفري، مستشار رئيس الوزراء كامل إدريس.. مع كامل التقدير التام للسفير حميدة.
0 الأمانة العامة لمجلس الوزراء لم تكن مجرد إدارة، بل العمود الفقري للخدمة المدنية السودانية.. عقود من السنوات وهي تصون مهنيتها.. لم يجرؤ أحد خلالها رغم التمكين عبر الحقب المختلفة على تعيين أمين عام من خارج أسوارها التي ظلت محصنة من الاختراق .. لأنها مؤسسة تعرف ثقل موقعها واهميتها كدرع يصون الدولة.. تشرف على التعيينات والترقيات وللمفارقة تراجع اللوائح والإجراءات، وتضبط عمل الدولة بمهنية عالية.
0 بالأمس كسر رئيس الوزراء هذا العرف الراسخ.. وهو الذي حدثنا عن الكفاءة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.. دك كامل ادريس آخر حصن صمد أمام جرافات المحسوبية، والشلليات و(صاحبي وصاحبك) .. وهو منصب لا يحتمل التجريب.. لا يعقل ان يكون رئيس الوزراء يجهل ان الأمين العام لمجلس الوزراء هو كبير موظفي الخدمة المدنية.. وهو (الفة) وكلاء الوزارات.. وجرت العادة ان يكون في الدرجة الأولى القطاع الخاص.. أي موقع لا يبلغه الشخص الا بالترقي الطبيعي بل بالخبرة والقرار السيادي.
0 اسناد هذا الموقع لسفير في الدرجة الثالثة – حميدة دفعة الجعيفري ترقيا للمنصب قبل اشهر قلائل – هذا يعني ببساطة أن المنصب تم الاستخفاف به.. وأن سلم الخدمة المدنية يمكن القفز عليه بالصداقة والدفعة. !!. ان بلادنا تترنح ولم تبلغ مرحلة الاستشفاء الوطني – المصطلح الذي اطلقه كامل – وبهذة الطريقة لن تبلغه.. لان ما جرى ليس قراراً إدارياً خاطئاً.. بل محاباة وقحة تفضح كيف تُدار الدولة بعقلية (الشلة والدفعات) .
0 أن اقصاء عشرات الكفاءات من داخل الأمانة العامة لمجلس الوزراء لصالح شخص حديث التعيين.. لا يعرف تعقيدات المؤسسة ولا يملك خبرة في قوانين الخدمة المدنية، هو استخفاف بمصير البلاد واستهانة بالوظيفة العامة.. امس استعرضت صحيفتكم “الشعب” مسيرة الامين العام السابق عثمان حسين الذي امضى (44) عاماً بمجلس الوزراء.
0 عاصر حقباً مختلفة.. وعينه رئيس الوزراء الأسبق محمد طاهر ايلا ، (ياحليلو).. وضع السيرة الذاتية لعدد من الكفاءات من داخل مجلس الوزراء فوقع عليه الاختيار.. رغم عدم انتمائه للمؤتمر الوطني، ولكن لخبرته واقدميته.. الأمانة العامة مسؤولة عن تنظيم اجتماعات مجلس الوزراء.. عن حفظ مداولاته، وعن ضبط شؤون الخدمة المدنية..
0 يعتبر منصب الأمين العام يعادل وكلاء الوزارات الكبار ومديري المؤسسات والهيئات الحكومية.. الموقع يتطلب خبرة متراكمة، إلماماً بالقوانين، ومعرفة دقيقة بآليات الدولة.. وليس مجرد وجاهة سياسية أو مجاملة لدفعة أو زميل دراسة.. حين يوضع على رأسها شخص بلا تجربة، فالنتيجة حتمية.. ترهل، فوضى، وقرارات مشوهة..
إنها بداية انهيار ما تبقى من اجهزة ومؤسسات الدولة، ورسالة أن لا مكان للكفاءة، بل الولاء والوساطات.
0 ان تعيين السفير الشاب أميناً عاماً لمجلس الوزراء.. هو فضيحة سياسية وإدارية بكل المقاييس.. لأول مرة منذ عقود يُكسر تقليد مهني راسخ.. لأول مرة يوضع شخص في موقع لا يستحقه لمجرد أنه “دفعة فلان”.. من وقفوا وراء خذا التعيين لا يعرفون قيمة المنصب ولا خطورة العبث به.. والأسوأ أنهم يقودون معهم ما تبقى من الخدمة المدنية إلى هاوية المحسوبية السحيقة والتدمير المتعمد والممنهج.
0 ان اختطاف الموقع لصالح محاباة دفعات وزملاء.. رسالة بالغة السوء وأن معيار الكفاءة لم يعد يعني شيئاً في إدارة الدولة.. وأن المحسوبية فوق القانون والخبرة والمصلحة الوطنية.. ان ماحدث سابقة خطيرة تنسف تاريخاً طويلاً من المهنية والالتزام المؤسسي.. كان الأولى تصعيد قيادي من داخل الأمانة.. مع التامين على ان السفير المعين كفاءة في مجاله الدبلوماسي.. ويملك سيرة ناصعة.
0 حسناً.. يجب على كامل ادريس ان يتراجع عن هذا القرار الكارثي.. هناك سوابق مختلفة بعض الشئ لكن القاسم المشترك بينها هو الشجاعة التي تحلى بها من اصدروا القرار.. قبل سنوات اعفى الرئيس البشير أمين عام الضرائب بعد (24) ساعة فقط من تعيينه.. وأصدر قراراً بإلغاء قراره السابق بتعيين د. محمد الفتح بيك أميناً عاماً لديوان الضرائب.. وكذلك اصدر البشير قراراً جمهورياً بتعيين العبيد أحمد مروح نائباً لمدير سلطة الطيران المدني.. وسرعان ماتم التراجع عن القرار لأن شاغل المنصب لا يعين بقرار جمهوري.
0 كما تراجع رئيس الوزراء الاسبق بكري حسن صالح عن تعيين وزير رغم اعلان اسمه.. بعد ان حامت شكوك حول شهاداته العليا.. وقبل اشهر قلائل أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرجوع عن قراره بتسمية جنرال رئيساً جديداً لجهاز الأمن الداخلي (شاباك).. وذلك بعد (24) ساعه من اعلان اختياره.
0 ومهما يكن من أمر.. ان مصداقية رئيس الوزراء على المحك بعد ان اعلن محاربته الفساد بكافة اشكاله
