١. السياق التاريخي والإصدار
– جمع الأعمال المبعثرة: تمثل هذه المجموعة أول تجميع شامل لأعمال الشاعر السوداني الراحل النور عثمان أبكر (1938-2009)، الذي ظل جزء كبير من إنتاجه الشعري مبعثراً في صحف ومجلات أو غير منشور. جاء الإصدار بمبادرة من “معهد إفريقيا” في الشارقة، لسد فراغ كبير في المكتبة السودانية والعربية .
– الجهد التحقيقي: تكفل المحرران كمال الجزولي (محامٍ وشاعر وناشط حقوقي) وعالم عباس محمد نور (أحد أبرز شعراء السودان) بجمع المخطوطات ومراجعتها وتحقيق النصوص، مع إضافة مقدمة نقدية موسعة تقدم سياقاً لتجربة أبكر الإبداعية .
٢. المحتوى الأدبي والسمات الفنية
– الأعمال الأساسية: تضم المجموعة دواوينه الأربعة الرئيسية:
– “صحو الكلمات المنسية” (1970) – الطبعة الثانية (1996)
– “غناء للعشب والزهرة” (1975) – الطبعة الثانية (1999)
– “أتعلم وجهك”
– “النهر ليس كالسحب”
بالإضافة إلى قصائد ومخطوطات غير منشورة سابقاً .
– السمات الأسلوبية:
– الغنائية العالية: كما وصفه النقاد، حيث يجمع بين إيقاع التفعيلة العربية وثراء الصور الأفريقية .
– الرمزية المتعددة: استخدام رموز “الغابة والصحراء” كتعبير عن الهوية السودانية الهجينة (عربية-أفريقية) .
– التكثيف اللغوي: مزج بين الفصاحة العربية والمفردات المحلية بطريقة عضوية، كما في قصيدة “العودة إلى سنار” .
٣. الأبعاد الفكرية والموضوعات
– الهوية والانتماء: تمثل قصائده بياناً عملياً لمدرسة “الغابة والصحراء” التي شارك في تأسيسها مع محمد المكي إبراهيم ومحمد عبد الحي. عبر عن رفض الثنائيات المُعلبة (عربي/أفريقي) ودعا لاعتناق الهجنة كجوهر للوجود السوداني .
– الحب والوجود: اتسمت قصائده برومانسية وجودية، حيث مثل الحب طريقاً للخلاص من اغتراب المنفى، خاصة في “غناء للعشب والزهرة” .
– المنفى والاغتراب: عكست قصائد مثل “صحو الكلمات المنسية” معاناته في الغربة (ألمانيا، قطر) وحنينه لوطنه، كما في قوله: “قلبي على وطني رغم سنوات الغربة والهجرة” .
٤. الجهد النقدي للمحررين
– السياق التاريخي: قدم الجزولي وعالم عباس في المقدمة تحليلاً لمراحل تطور شعر أبكر وعلاقته بالتحولات السياسية في السودان (ثورة أكتوبر 1964، الحرب الأهلية) .
– القراءة النصية: كشفا عن تقنياته الشعرية مثل:
– توظيف الأسطورة السودانية (سنار، سلطنة الفور)
– الحوار مع التراث الصوفي
– الانزياحات اللغوية الجريئة .
– إعادة التقييم: ناقشا أسباب تغييب أبكر نسبياً من المشهد النقدي رغم ريادته، ومنها:
– هيمنة الخطاب السياسي على النقد الأدبي
– طبيعة شعره التجريدي التي تتحدى القراءات السطحية .
٥. الإرث الثقافي والتأثير
– مكتبة أبكر: بعد وفاته، تحول منزله في الخرطوم إلى مكتبة عامة تضم أكثر من 7,000 كتاب من مقتنياته الشخصية (عربية، إنجليزية، ألمانية)، تشهد على ثقافته الموسوعية .
– تأثير متعدد: لم يقتصر تأثيره على الشعر بل شمل:
– الترجمة: نقل أعمالاً من الألمانية (غوته، بريخت) والإنجليزية (شوينكا) .
– التعليم: كمعلم للغة الإنجليزية، شكل جيلاً من المثقفين السودانيين .
– الصحافة: أسهم في تحرير مجلة “الدوحة” خلال عصرها الذهبي .
٦. التحديات النقدية
-ندرة الدراسات: كما أشار المحرران، فإن شعر أبكر لم يحظَ بدراسات نقدية عميقة إلا من قلة مثل محمد عبد الحي وعبد الرحيم أبو ذكرى، بسبب “تهيب النقاد التحديق في شعره” .
– الغموض المقصود: تعقيد صوره الشعرية وتركيباته اللغوية جعلته “شاعراً للنخبة” في بعض القراءات .
الخاتمة: قيمة المجموعة وأهميتها
تمثل هذه المجموعة الكاملة إعادة اكتشاف لأحد أعمدة الحداثة الشعرية السودانية. لا تقدم فقط نصاً أدبياً مكتملاً، بل وثيقة تاريخية عن تحولات الهوية السودانية في القرن العشرين. جهد المحررين الجزولي وعالم عباس لم يقتصر على الجمع بل شمل تأطيراً نقدياً يفتح آفاقاً جديدة للقراءة. يبقى أبكر – كما وصفه محمد المهدي المجذوب – “تصوفاً ظمآناً إلى الينابيع المستورة”، ومشروعه الشعري شاهداً على قدرة الأدب على تجاوز حدود الجغرافيا والمنفى .
