مطار الكُفرة: كيف أعاد شريانٌ لوجستي خفي رسم موازين الحرب في السودان؟

تقرير/ محرر الذكاء الاصطناعي
مقدمة

لم تعد الحرب في السودان صراعًا داخليًا بين الجيش وقوات الدعم السريع فحسب، بل باتت نموذجًا كلاسيكيًا لحرب إقليمية بالوكالة، تُدار عبر شبكات لوجستية عابرة للحدود. ويكشف التحقيق الاستقصائي الذي نشرته وكالة رويترز عن أحد أخطر هذه الشبكات: مطار الكُفرة في جنوب شرق ليبيا، الذي تحوّل من مهبط مهجور إلى عقدة استراتيجية غيّرت مسار الحرب.
أولًا: الكُفرة… من هامش
جغرافي إلى مركز ثقل عسكري

يقع مطار الكُفرة في منطقة نائية تبعد نحو 300 كيلومتر عن الحدود السودانية، ما يمنحه ميزتين أساسيتين:
1.العزلة الجغرافية التي تقلل فرص الرصد الدولي المباشر.
2.القرب العملياتي من دارفور، ما يسمح بتحريك الإمدادات بسرعة ومرونة.
بحسب صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات التي حللتها رويترز، خضع المطار لأعمال تأهيل واسعة خلال عام 2025، بعد أن كان شبه مهجور. هذا التحول لا يمكن تفسيره في سياق مدني أو تجاري، بل يعكس قرارًا استراتيجيًا بتفعيله كخط إمداد عسكري.
ثانيًا: التأثير العسكري المباشر على مسار الحرب

تشير إفادات أكثر من 12 مسؤولًا عسكريًا واستخباراتيًا ودبلوماسيًا إلى أن:
•قوات الدعم السريع كانت في حالة تراجع عقب استعادة الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم في مارس.
•تدفق الإمدادات عبر الكُفرة أعاد لهذه القوات الزخم العملياتي خلال أشهر قليلة.
هذا الزخم تُرجم ميدانيًا في:
•سقوط مدينة الفاشر في أكتوبر، وهو تطور مفصلي لأنه كسر آخر مركز ثقل مدني–عسكري في دارفور.
•تعزيز السيطرة على الإقليم وفتح الطريق لسلسلة انتصارات لاحقة في جنوب السودان.
أحد المسؤولين الأمميين وصف استخدام الكُفرة بأنه «غيّر قواعد اللعبة بالكامل»، وهو توصيف يعكس حجم التحول الاستراتيجي لا التكتيكي فقط.
ثالثًا: الأرقام لا تكذب – 105 رحلة شحن
يقدّم التحليل الذي أجراه جاستن لينش، المدير التنفيذي لشركة Conflict Insights Group، بُعدًا كميًا بالغ الأهمية:
•105 عمليات هبوط لطائرات شحن في مطار الكُفرة خلال الفترة من 1 أبريل إلى 1 نوفمبر.
•تطابق واضح بين نوع الطائرات، مسارات الرحلات، وتوقيت العمليات مع نمط دعم عسكري منظم.
هذه الكثافة الجوية لا تتسق مع أي نشاط مدني اعتيادي، بل تشير إلى جسر جوي مستدام، وهو ما يؤكد أن الدعم لم يكن ظرفيًا، بل جزءًا من خطة طويلة الأمد.
رابعًا: البُعد الإقليمي والدولي –
الإمارات في قلب الصورة
يخلص التحقيق إلى أن نمط الرحلات والبيانات المتقاطعة يتوافق مع دعم إماراتي لقوات الدعم السريع عبر جنوب ليبيا، وهو ما ينسجم مع:
•إفادات مسؤولين أمريكيين في أكتوبر حول تكثيف شحنات الأسلحة عبر ليبيا والصومال.
•تقارير سابقة عن استخدام مسارات غير تقليدية للالتفاف على القيود الدولية.
في المقابل، يعكس نفي المسؤول العسكري الليبي في الكُفرة – الذي قال إن الرحلات «مدنية وأمنية داخلية» – مفارقة مألوفة في النزاعات الإقليمية، حيث تُستخدم الإنكار الرسمي كغطاء لعمليات بالوكالة.
خامسًا: دلالات أوسع – حرب تُدار خارج السودان

يكشف ملف الكُفرة حقيقة مركزية:
مستقبل الحرب في السودان لم يعد يُحسم داخل حدوده فقط، بل في المطارات والممرات الخلفية بدول الجوار.
هذا الواقع يطرح ثلاث دلالات استراتيجية:
1.عسكرة الإقليم: جنوب ليبيا تحوّل إلى امتداد مباشر لساحة الصراع السوداني.
2.إضعاف المسارات السياسية: أي مفاوضات لا تعالج شبكات الإمداد الخارجية ستبقى بلا جدوى.
3.مسؤولية دولية مؤجلة: استمرار تجاهل هذه الشبكات يرقى إلى تواطؤ غير مباشر في إطالة أمد الحرب.
خاتمة

ما كشفته رويترز عن مطار الكُفرة لا يمثل مجرد سبق صحفي، بل خارطة اتهام سياسية–أمنية توضّح كيف يُعاد تشكيل النزاعات الحديثة عبر البنية التحتية الخفية. وفي حالة السودان، يبدو أن وقف الحرب لن يمر فقط عبر طاولات التفاوض، بل عبر تفكيك الجسور الجوية واللوجستية التي أبقت آلة القتل دائرة.

Exit mobile version