مصطفى سيدأحمد .. تحرمني منك* (١)

 

إبراهيم احمد الحسن 

(1)

عندما تغنى الفنان الراحل عبدالعزيز المبارك بتحرمني منك ومن عيونك ، كانت (تحرمني منك ) الاغنية قميصا للموضة وصيحة يلتف حولها الشباب ، كل الشباب وبعض العجائز ، تدافعنا لاقتناء (تحرمني منك ) ولبسناه تيهاً وخيلاء وفورة شباب ، ثم رأيناه هناك ، يمتشقه! رأينا مصطفى سيداحمد يلبسه زي وزينة ، اناقة وهندام .

(2)

ارتدي مصطفى سيداحمد ( تحرمنى منك ) وطفق يغني ( تحرمني منك ) لا رسالة تجيني منك ، وانت سايق فيني ظنك رغم انك انت عارف انه منك لا الزمن يقدر يحول قلبي عنك ..لا المسافة ولا الخيال . وقتها عشنا الواقع والخيال ومشينا مع مصطفى الشجن الاليم خطوة .. خطوة .

ثم لم يلبث ان منحنا مصطفى كل الأمان وهو بغنى (الامان) .. ( الامان الامان من فاتكات عيونك الامان/ ويشغل قلبي حبك على مر الزمان / ويا ما انت ظالم /وانا طائع أوامرك / ولشخصك مسالم / الامان الامان يا حبيبي الامان ) ، تعلقنا اكثر ب (تحرمني منك ) ونحن نرى الفنان الشاب ذو الصوت الرخيم يرتديه. يذوب في غنائه للسمحة ، ويترنم للجمال (السمحة قالوا مُرَحَْلَة وبعدك الفريق اصبح خلاء . وتبقى ايه الدنيا من بعدك اكون وابقى ايه من بعدك اكون ) ؟

(3)

لم نستفق بعد من صرعة تحرمني منك ونحن ننشد الأمان في اغنيات مصطفى حتى مضى بنا يغني في الضواحي وطرف مداين يستشف ألحانها من عثمان الشفيع وكلماتها من الشفيف عوض الكريم القرشي . مصطفى وقتها كان ينقل لنا صورة وصوت واقعاً يعيشه ويعتنقه قناعة وقيم (المكارم غرقنا ساسن /والمجاهل من غيرنا ساسن / شوف صباح الوادي وجماله وشوف خضاره وصيده ورماله /شوف يمينه وعاين شماله / شوف نسيم الليل صاحي ماله / شوف فريع ألبان مين أماله / القمر خجلان من كماله / و الصباح لاح .. بهل الوشاح / كلمة كلمة و حروفه ضجن / ديل خدودك غير داعي وجن / ديل عيونك من غير سبة لجن.. ) و.. كلمة كلمة مضينا نستكشف عالم مصطفى سيداحمد . صوته الندي الرخيم، الالحان الخرافية والكلمات المنتقاة و(تحرمني منك) .

(4)

تابعنا غناه مبهورين ، وجدنا صاحب (تحرمني منك ) ينعتق من قوالب مصبوبة للغناء السوداني ،أًحكم رتاجها يصعب اختراقها وولج منفلتا الي عالم الاماني المترفة ومعه البت الحديقة ناقشة في الزول اغنيات يعكس بهدؤ باذخ بريق ضجة الضؤ في الظلام ، ومشى في الطريق الي آخر المستحيل وسعى صادقاً لمجيئة الفرح حتى ابواب الجميع رغم أغاني الحسرة والأسف الطويل . وبمشاعر مرهفة مشينا معه كل الخطاوي الممكنة ، نقدر عليها ونعرفها ، ثم تبعناه كمعجبين في بعض المستحيل وطريق الحزن النبيل وهناك في آخر المدى وجدنا معه صلاح حاج سعيد ، يوفي ويخلص عندما قدر هواه يجيبه الي حيث مصطفى سيداحمد ، وضع صلاح يده علي يد مصطفى وبدأت رحلة الاماني المترفة وذهبنا معهما نحن في فورة الشباب وميعة الصبا في رحلة عشم الي آخر المدى نبحث عن ( هجعة مواعيدنا القبيل ) . وكان مصطفى كما صلاح ( رضيان يمشي المستحيل ) .

(5)

كنا نحلق ومصطفى مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في ايدها جواز سفر ، نمشي في كل المداين نبني عشنا بالغناوي ونفرش الافراح درر ، والربيع يسكن جوارنا والسنابل تملأ دارنا والرياحين والمطر / والحقيبة الحبيبة تغني لينا لا هموم تسكن دروبنا ولا يلاقينا الخطر / وين يلاقيني الخطر ؟/ نمشي في كل الدروب الواسعة ديك والرواكيب الصغيرة تبقى اكبر من مدن/ باكر يا حليوة لما اولادنا السمر / يبقوا أفراحنا البنمسح بيها احزان الزمن / ايدي في أيدك نغني نحن مع الطيور .. ) و .. تهجر الطيور أعشاشها ويرحل مصطفى ونقف نحن في رصيف الضفة الأخرى نلوح ( للطير المهاجر ) الما بيعرف ليه خرطة ولا في ايده جواز سفر .

(6)

ننظر سراب الطيور وأسرابها ، نبحث بينها عن عصفورة جنحاتها النجوم وبين الغيوم ووسط النجوم نجد عبدالعال السيد ، يردد بحزنه النبيل (بعدما عز المزار/ والليل صفا وبلل نجومه الانتظار / والشوق شرب حزن المواويل وانجرح بعض النهار / يمكن اللاقي البشبهك /شايلاهو وين النيل معاك / عصفورة جنحاتها النجوم وانا في وراك / بسأل عليك مدن مدن وأعصر سلافة الليل حزن / اسأل عليك في المنفى في مرفأ السفن / يمكن طيوفك أواخر الليل تمر / تملأ البراحات للحزين طول العمر / ما نحن بينا الامنيات والتضحية / بين المعزات والعذابات في الحياة / بين الهوى اخلاص علي قلب انكوى / وكلام قديم قلناه آخر الليل سوا / انه راح نتلاقى لو طال النوى / لكن كلامنا الكان وكان.. خايف يكون شالو الهوا .)

ننظر الافق البعيد فلا نرى سوى الطيور المهاجرة، وبقايا لحن حزين من مصطفى وكلام شفيف من عبدالعال السيد شايله الهوا.

(7)

وما رأينا هضلمة الشموس الغر وخسوفها بعين خيالنا إلا عندما غناها مصطفى يااا وطن عز الشدايد ، كان الي جواره حميد يتور نفس خيول القصائد ويغني الصبر ويا نورة آه .. آه ، رأى حميد كيف كان الضؤ يستر الكهارب عند المدن الضبابية السلابية والتي لا شئ فيها سوى الكآبة. لم يسند مصطفى ظهره الي حائط التيه والطشاشات بل مضى يغني مع حميد (يا ام عوارض مو دعاشة ماها شبورة وتقيف/ جاي ليك يا نورة غيمة تملأ ماعونك خريف / يملأ عينيك ويفضل / يروي جواك العطاشى.. مو دعاشة / جاي ليك يا نورة غيمة تملأ ماعونك خريف ) .حميد ومصطفى كانا يتلمسان نَفَسْ فجر القصائد في بلادي ، قطعت أغانيهم قلب (الروادي) وكنا نحن في الضفة الأخرى نمارس (اللواجة) الجاي وغادي ، ونغني معهما ( يا نورة آه آه دا ماهو صوتك ولاها صورتك / فوق صدر الجرايد / انت يا حضن الصحارى / شفع العرب الفتارى البفنو الشايلاه أيدهم ويجروا كايسين القُطارة ) .

(8)

عندما كانت تبتلعنا الصحارى في حضنها ونحن على متن قطار يتلوى في قلبها وبين كثبان رمالها وطيات سرابها الخداع كنا نرى شفع العرب الفتارى يرموا ما في أيديهم ويجروا كابسين القطار . يصور حميد ويغني مصطفى ( يا نورة آه ..آه.. آه ) وآه ما أجملكما مصطفى وحميد . وحتى حينما بلغ الشوق بحميد لمصطفى بعد ان رحل الأخير قبله طفق حميد يشدو ناعياً نفسه ويشتاق الي مصطفى { خوفي من تلحق رفيقك / يا بريق نجم الحيارى / وإنت لا نّور طريقك / لا شرق فجر السهارى ) بعد رحيل مصطفى كان حميد عندنا وحده غصة في حلق الصحارى ، كان عندنا اندلاع صوت الغفاري يدودى بالبشارات والبشارة ويقول (قلنا يا سعد المواسم / عودك المليان جسارة / عودك الفجري المصادم / مستحيل يرضخ يساوم

مهما طال الريح حصارا ) . مضى مصطفى و تبعه حميد وبقى غرسهما في سويداء تراب البلد . نهتف به غٰنى وقصيد ( عشت يا وطني المبرق / بالندى ولون المشارق ).

(9)

ونمضي ..

نغوص مع مصطفى في (واقف براك والهم عصف ) في (الممشى العريض ) في (الصباح الباهي لونك ) في ( فجر المشارق )، في ( كوني النجمة ) ، فنقول لها ( حاجة فيك برضو ادتني السلام ) ونبكي مع ( بلابل الدوح ناحت علي الأغصان) ، ولان مع مصطفى السكة ما بتنتهي سنشهد في كتابات قادمات مفصلة سبر سكة لا تنتهي ، تبحث في دربه شاهدة التواريخ والسير ننتظر ، نطرز النيل زفاف ، نجلب الشوق بخور ، نبحث عن ( غرام وصلنا بيه في الدنيا لي ، حد الغرام)، نفتش عن (ظلنا المرسوم علي رمل المسافة وشاكي من طول الطريق )، ثم نقف واياكم مع الجميل مصطفى نحرك عصب السكون . ونحرص ان لا نجرح احساس الفراش الجميل لانه ( الريدة يا حنين كدة ) .

(10)

وهناك ..

في غابة الأبنوس الباهي لونها نلمح عم عبدالرحيم .

عم عبدالرحيم اتوكل نزل (في المشرع لقى زملان الشقا الجا من الجريف والجا من الجبل ، كل الناس هناك كل الناس صحاب كل الناس أهل ، والماهم قراب قربهم العمل ) .. وكان يا كان وكان وكان ان طارت دمعتين وانشايح وتر ،يا عم عبدالرحيم هِمّْ يا الفنجري يا الجرف الصبور ..

يا عم عبدالرحيم يا كمين بشر صحى الموت سلام ما بغشاك شر ، صحى الموت سلام ما يغشاك شر ، صحى الموت سلام ما يغشاك شر .

(ودا السكوت مرات كلام ) .

Exit mobile version