رأي

مصر .. تلك الأيام ..

حسن فضل المولى

يُطلقون عليها ( المحروسة ) ..
و نُطلق عليها ( مصر المؤمَّنة ) ..
و ( مصر المؤمَّنة ) ، عنوان قصيدة ، من ( مائة بيت ) ، نظمها من بلدي ( السودان ) ، العابد الشيخ ( عبدالرحيم البرعى ) ، أحصى فيها ( واحداً و سبعين ) من الأولياء المَوْسُومِين بالصلاح في ( مصر ) ، من بين مئات
المئات المؤلفة .. مُنادياً ،
( لا تجهل أمْرَهُم
في مصرَ مقَرَّهم ) ..
ولا غرابة في ذلك ،
و ليس ذلك بكثير على ( مصر ) ..فمنها انبعثت أنوار النبوات الأولى ، واستجابت لنداءات التوحيد الأولى ، واستقبلت طلائع الإسلام
الأولى .. و رسمت معالم الحضارة الأولى .. و بذا غدت في نظر الكثيرين الأولى ..
فهي لا غِنى عنها ،
أبداً ، أبداً .. حتى أولئك الذين يوسِعونها ذمَّا ، تجدهم يُسارعون إليها ،
و يلوذون بها .. و هي عندي كالدهر ، و الدهر إذا ساءك منه زمنٌ ، سَرَّتْك منه أزمانٌ .. و كذلك المصري ، إذا أغضبك منه قولٌ أو فِعلٌ ، سرتك منه أقوال و أفعال ..
و مصر كانت منذ الأزل ،
و ستبقى في الأزل .. هي ( مصر ) .. ليست ( أم الدنيا ) فحسب ، إنها ( الدنيا ) بأسرها و أجمعها .. و لك أن تتخيل هذا الوجود بدون (مصر).. و لك أن تتصور البشرية بدون (المصريين) ..

هذا ما خرجت به ،
و أنا أغادرها في العام ( ٢٠٠٦ ) ، بعد ( ثلاثة أعوام و نصف ) ، قضيتها ( مستشاراً إعلامياً ) ،
في ( سفارة السودان ) .. و اليوم يعتادني الحنين ، فأعود لما ضَمَّنته خواطري ، ( طرائق و رقائق ، ( من الكتياب إلى قناة النيل الأزرق ) .. و هو تَذَكُّر و تعلُّق بتلك الأيام
الخوالي و النواضر ..
و ها أنذا أجد اليوم ، أهلي و معارفي و ذوي مودتي ،
يتدفقون عليها ، متخذين منها ، سكناً طيباً ،و رزقاً حسناً ، و حِمىً آمناً ..

في ( العام ٢٠٠٢ ) دفعت باستقالتي من ( تلفزيون السودان ) ، فعرض عليَّ الأستاذ ( عبدالدافع الخطيب ) العمل ( مستشارا إعلامياً بمصر ) .. و ( عبده ) كما يحلو لصديقنا النحرير ( صالح محمد علي ) ،
كان يومها ( الأمين العام ) لوزارة ( الإعلام ) ، و ( الخطيب ) ، من أولئك الذين يفِيضون عليك من الاعتناء و التلطف ما يغبطك و يسمو بك ، و أنت معه كمن يجالس ( حامل المِسك ) فلا يأتيك من تلقائه إلا ما يُريحك و يسرك .. وافقْتُ ، بعد تردد كان مبعثه الاحساس بقلة حيلتي إزاء هذه المهمة العظيمة ، في هذا( البلد ) ،
( البلد ) الذي منه يبدأ (الفعل) ، و ( البلد ) الذي إليه ينتهي ( الفاعلون ) ..

و هبطت أرض ( مصر ) ، مُثْقلاً بالمخاوف والآمال ..
و لحسن حظي كان السفير يومها الأستاذ ( أحمد عبدالحليم ) .. و ( عم أحمد ) عندما تقترب منه
تدرك كيف تكون أخلاق النبلاء ، و كيف يكون صنيعهم .. هو الندى ، و الأدب ، و التواضع و الأناقة ، و الفهم .. لا تملك إلا أن تُجلّه ، فقد سمعت أكثر من مرة الرئيس ( حسني مبارك ) و هو
يناديه ( بعم أحمد ) ..و هو الصبر ، فقد كان مَعلولاً
عِلةً لا يعرفها إلا المقربون ، فهو لا يشكو و لا يضجر و لا يضعف ، لدرجة أننا كنا نستمد منه القوة و الجلد وهو يباشرنا و يسعى
بيننا .. كان يجلس الساعات الطوال في
نُزُلِه المأهول ، يحدث ضيوفه حديث الخبير بما جرى من أحداث و مآلاتها ، فلا يمل و لا يملون ..
كان يتدفق و هو يحكي و يقصص ، فتتحسر أن تظل هذه الزخائر المعرفية حبيسة صدره لتذهب
بذهابه .. و سعدت و أنا أرى الصحفي النابه ( مضوي خير الله ) ، يجلس إليه و يستنطقه ، و عندما أدرك في ( كراسته ) الصفحة ( ٤٧ ) ، اشتد المرض على ( عم أحمد )
و بعدها فارق الحياة ..
فارق الحياة بعد عمرٍ أنفق سنينه ولوفاً عفيفاً زاهداً ..
و لما كنت قريباً منه قرباً كان يُؤثِرُني فيه و يفضي إليَّ بخاصة شأنه فإني أشهد أنه قد لقي ربه و هو مَدين و متحرراً مما يتباهي به الخلق ويعجبون .. و ما ينبئك مثل خبير ..
و لا أجد أخبر من أستاذنا
المرموق الأمير ( جمال عنقرة ) ، يُعَضِّدُ ما ذهبت إليه ، و ما سآتي عليه ..

و طفقت أتقلب في نواحي ( مصر ) .. و بحكم اهتمامي ، اقتربت كثيراً من ( ماسبيرو ) حيث
مقر ( إتحاد الإذاعة و التلفزيون ) ، و الذي يتسع جوفه ( لخمسة وثلاثين ألفاً ) من العاملين .. و كنت أوالي السعي ( لمدينة
الانتاج الإعلامي ) ، حيث صناعة الصورة و صياغة الرؤى .. و أتردد على ( الأوبرا ) أروِّحُ عن
نفسي و استريح ..
و كثيراً ما أغشى (مؤسسة الإهرام) ، على أيام ( إبراهيم نافع ) ،
حيث تتجلى عظمة الصحافة و سلْطَنَتُها ،
و مرة رافقت السفير (عباس النور) ، و كان يومها (وزير الدولة بالإعلام) ، فاندهش و هو يرى (المصاعد) على كثرتها و ضخامتها و هي ممتلئة بخلق كثير فالتفت إليَّ مازحاً : ( ياحسن هسه عليك الله ديل كلهم بجو هنا يكتبوا ويمشوا !!) ..
و عشرات العشرات من أمهات ( المظان ) و( المثابات ) ، التي تؤتي أكلها كل حين ، من فنون القول و الأداء و المعارف وزينة الحياة الدنيا ..
و كان تأثيرها أن غدا ( الفعلُ ) ما فعلت ( مصر ) ، و ( القولُ ) ما قالت ( مصر ) ، و( الحسَنُ ) ما استحسنت
( مصر ) ..

و أنت في ( مصر ) ، و بأقل سعي منك تجد نفسك مُحاطاً بنفر
عزيز من ذوي الهم المشترك ، يظاهرونك و يذللون لك السبل ..
ففي اليوم الأول لوصولي
استيقظت على هاتف الصحفية و الكاتبة الساطعة ( أسماء
الحسيني ) ، و هي ( سودانية ) الهوى أكثر من ( مصريتة ) ، و من بعد الدكتورة الكاتبة ( أماني الطويل ) ، و أذكر دعوتها لي يوماً بمنزلها مع نفر كريم ، و ما غمرتنا به من احتفاء و إكرام ، و عاشقة ( السودان ) و أهله ، الصبوحة ( صباح موسى ) ، و الأستاذ الإعلامي ( محمود حسين ) ، قبل أن ينضم ( لقناة الجزيرة ) .. و الدكتور ( هاني رسلان ) ..
و الكاتب الصحفي العَلَم الأستاذ ( حمدي رزق ) ، و كلي امتنان له لتلك الدعوة التي أقامها وداعاً لي ،
و أمَّها لفيف من الأصدقاء ..
و الجميلة الدكتورة ( حنان يوسف ) ، أستاذ الإعلام ( جامعة عين شمس ) ،
و ( عميد كلية الإعلام بالأكاديمية البحرية ) و ( رئيس المنظمة العربية
للحوار و التعاون الدولي ) ، و ( حنان ) ، منتهى العذوبة ، و منتهى
الحب لكل ما هو سوداني ، و دفعها تعلقها بالسودان إلى إنشاء ( مبادرة
النيل الشعبية ) .. و بيني و بينهم النابهة ، ( نادية موسى ) ، لا تهدأ ..
هؤلاء و أولئك ، و كثيرون من فوارس ( الكلمة ) ، وجدتهم إلى جانبي ، فتحقق لي من المقاصد ما استعصى على آخرين ..

و من جانبي سرحْتُ في أنحائها .. أغتنم كل سانحة لأكون حضوراً في ( نواديها) و( منتدياتها ) ،
وبين ( نجومها ) اللوامع
و ( مناراتها ) السواطع ..
أحرص على متابعة ( مهرجان القاهرة للإذاعة و التلفزيون ) .. و تسرني رؤية الأستاذ الصديق ( إبراهيم أبو ذكرى ) رئيس ( الإتحاد العام للمنتجين العرب ) ،
و الذي جعل من هذا ( المهرجان ) عُرساً للأناقة و الجمال و الإبداع ..
و في يومٍ حزين شاركتُ أكثر من ( ١٥ ألفاً ) في تشييع ( النمر الأسمر )
الفنان ( أحمد زكي ) من ساحة مسجد ( مصطفى محمود ) ، و رأيت كيف بكى ( المصريون ) ، مِن أعلاهم إلى أدناهم ، من جسد أدواراً عظيمة من حياتهم و تاريخهم المعاصر .. و ترددت على الشاعر ( الأبنودي ) ، و مرة اصطحبته بعربتي من
مسكنه إلى ( مطار القاهرة ) ، و كذلك عند عودته من ( السودان ) استجابة لدعوة صديقي الراحل ( عزالدين محمد إبراهيم ) ، مؤسس ( سودانيز ساوند ) ..
و هذا هو ( الأبنودي ) ،
( عشب الربيع مهما اندهس بالقدم ،
أو انتنى للريح ،
يشب تاني لفوق ،
يغني للخضرة و طعم الألم ) ..
و بتكليف من أخي ( جمال الوالي رئيس نادي المريخ ) يومها ، بتوجيه الدعوة إليه ، سعدت بزيارة الفنان ( محمد منير ) بمسكنه الكائن في ( قاردن ستي ) ، و بالرغم من أن الزيارة لم تتم ،
إلا أني وقفت على مدى حرصه على اصطحاب ( أجهزة الصوت ) الخاصة به ، فالفنان ( احساس )
و ( صوت ) و زمن ..
و تسمَّرت طويلاً أمام ( سحارة ) و الدته التي يزين بها المدخل ، و هذا هو ( منير ) عندما يغني ،
( قالت لي بريدك يا ولد
عمي
تعال دوق العسل سايل على
فمي
على مهلك علي ما بحمل
الضمي
على مهلك ده أنا حيلة أبوي
و امي
نعناع الجنينة المسقي في
حيضانو
شجر الموز طرح ضلل على
عيدانو ) ..
و بمنزل الفنانة ( جواهر ) و زوجها ( سامي ) لا أنسى تلك ( المائدة ) المحتشدة بما لذ و طاب ، إكراماً لي ، و صديقي السفير الدكتور ( عبد العزيز حسن صالح ) ،
و كم سررنا و نحن في ضيافة ( حبيبي يا أسمريكا ) .. و في الثلث الأخير من ( رمضان )
يرن هاتفي ..
كيفك ( يا أبوعلي ) ..
أهلاً ( شيخ علي ) ..
أنا يا حبيب بكره كالعادة جايي أحضر ( سحور الفنانين ) و راجع طوالي ..
هذا ( علي مهدي ) ..
و السفير الفنان ( علي مهدي ) ، له في مصر حظوة و سطوة و عزوة ، و له أتباع و مريدون ..
و اصطحبته من ( المطار ) إلى ( ترعة المريوطية ) ، حيث أضاء المكان ( بالنجوم ) و ( الثريات ) ،
و شاركتنا ( طاولة السحور ) الفنانة
( ليلى علوي ) و قد لَزِمت جوار ( شيخ علي ) طيلة مُكثنا ، و كانت بادية السرور و الابتهاج بمجاورته ، الأمر الذي أثار غبطتي ، لا حسدي ، و بعدها بزمان اشتكاني ، مازحاً ، إلي صديق مشترك بأنه عَرَّفَني على ( ليلى علوي ) ، و بقيت امشي من وراهو ..

بمنتهى السلاسة و الاندياح تجد نفسك منساباً في ( مصر ) ، ( مصر ) التي عرَفْتَ و ألِفْت ، قبل أن تهبط أرضها ، و تخالط
إنسها و جنها ، تجد نفسك تعرفها هرماً هرماً ،،
و شارعاً شارعاً ،،
و مقهىً مقهىً ،،
و حيَّاً حيَّا ..
تعرفها ،
مساجد ، و أسواق ، وحدائق ، و مطاعم ، و شواطىء ، و مسارح ،
وجامعات ، و مكتبات ..
و إن لم تهتف يوماً ( ناااصر )
فقد دمعت عيناك و الست
( أم كلثوم ) تبكي ( الأطلال ) ..
( رُبَما تجمَعُنا أقدارُنا ذاتَ
يومٍ بعدما عزَّ اللقاء ) ..
و ( أحمد رامي ) يرثيها بعد موتها ، ( ما جال في خاطري أنّي سأرثيها
بعد الذي صُغتُ من أشجى
أغانيها
قد كنتُ أسمعها تشدو
فتُطربني
واليومَ أسمعني أبكي
وأبكيها ) ..
و إن لم تقرأ ( العبقريات )
أو ( الأيام ) أو ( الظلال ) أو ( كل الشهور يوليو ) ، أو ( رحلتي من الشك إلى اليقين ) ، أو ( العبرات ) ،
فأكيد قد سهرتَ الليالي مع ( أولاد حارتنا ) أو ( العمر لحظة ) أو ( الباطنية ) أو ( الفرافير )
أو ( الوسادة الخالية ) ..
و بالتأكيد ، قرأتَ ( لمحمد حسنين هيكل ) و ( أنيس منصور ) .. و استمعتَ إلى ( كشك ) ، و ( عبدالباسط عبدالصمد ) و ( الشعراوي ) ، و لقد هزَّني ( الشعراوي ) ، في آخر
أيامه ، و هو ممسك بيد ( حسني مبارك ) مذكراً و واعظاً ، فقال فيما قال :
( إذا كنت قدرنا أعاننا الله عليك ، و إذا كنا قدرك أعانك الله علينا ..
إن المُلك كله بيد الله ، يؤتيه من يشاء ، فلا تآمُر لأخذه ، و لا كيد للوصول إليه .. لذا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون حاكماً ، أنصحه بأن لا
تطلبه بل يجب أن تُطلب له ، فإن رسول الله قال :
“من طُلِب إلى شيئ ٍأُعِين عليه ، ومن طلَبَ شيئاً وُكِل إليه “) ..
و من منا لم تصعقه ( النكسة ٦٧ ) ، و ينتفض فرحاً في ( ٦ أكتوبر ) ،
و يُربِكه اغتيال ( السادات ) ، و مأساة السندريلا (سعاد حسني) ..
و كم أسَرَتنا ( عزة نفس )
أمير الشعراء ( شوقي ) ..
( نعم يشتاقهم قلبي و لكن
وضعت كرامتي فوق اشتياقي
و ارغب في وصالهم و لكن
طريق الذل لا تهواه ساقي ) ..
و ليس بأقل منها ( عزة نفس ) شاعرنا ( التيجاني حاج موسى ) ، لِمَن جاءت تفتش الماضي ، و الماضي ولى زمان ..( و عزة نفسي مابية علي أسلم نفسي ليك تاني ) ..

و تبقى ( مصر ) في وجدانِ كثيرٍ منا نحن ( بني السودان ) ..
( ياصاحي هِمَّنا لزيارة اُمنا
مصر المؤمنة باهل الله ) ..
و هي ،( مصر يا أخت بلادي ياشقيقة
يا رياضاً عذبة النبع وريقة
يا حقيقة ) ..
و هي ،
( فيك يا مصر أسباب أذايا
و في السودان همي و عزايا )
و هي ،
( يا السمرة و حبيبة
يا النادية و رطيبة
أموت في القصر العيني
و تنقذني الطبيبة ) ..
و هي ،
( سوف تنأى خطاي عن بلد
حجرٌ قلبُ حوائِه صلد
و سأكتم الجراح في كبدي
غائراتٍ ما لها عدد ) ..
و ليس الأمر عندي كذلك و لكن شاعرنا الفذ ، شاعر ( يا فتاتي ) ، ( الطيب محمد سعيد العباسي) ،
شاء له حظه الوقوع في براثن تلك الفتاة ( المُسْتفِّزة ) ، أما ما عدا ذلك ( فالمصريات )
أنيسات أليفات .. و يستهوينك هُنَّ ، أي ،
( المصريات الناعمات القاتلات المحييات المبديات من الجمال
غرائبا ) ..
و الوصف قاله ( المتنبي ) ..

و هذا يقودني إلى أن ( المصريين ) ، و مهما يبدر من ( سوءٍ ) من ( قلةٍ ) من بعض ( المتوحشين ) فهم في الغالب يألفون و يختلطون
و يبذلون الود .. و في ثقافتهم و تكوينهم النفسي
استعداد للاختلاط و الانصهار و ( المصاهرة ) ..
و ثمار ( المصاهرة ) و تجلياتها لا تخطئها عيناك و أنت ترى من الملامح و السحنات ما يعبر عن
عن شعوب و قبائل العالمين مِن ( عُربٍ ) و من ( عجم ) ممن تعرفهم بسيماهم .. فمن الوجوه ترى ، ( البيضاوية ) و ( المستديرة ) و( المربعة ) و ( المثلثة )
و ( المسلوبة ) و( المنتفخة ) ..
و من العيون ترى ( الزرقاء ) و ( الخضراء )
و ( الرمادية ) و( العسلية ) و ( الضيقة ) و ( الواسعة ) و( الغائرة ) و ( الجاحظة ) و التي ( في طرفها حور ) ..
و من الأنوف ترى ( الفطساء ) و ( المرتفعة )
و ( المستقيمة ) و( المعقوفة ) و ( المدببة ) ..
و من ألوان البشرة ترى ،
( البيضاء ) و ( الصفراء )
و ( الحمراء ) و( السمراء )
و ( المائلة إلى السواد )
و ( خاطفة اللونين ) ..
و بالرغم من أوجه التباين هذه ، إلا أن الكل يُعَبِّر بلسانٍ مصريٍّ مُبين ..
و نكهة مصرية محببة ..
و حكمة مصرية ثاقبة ..
و هاك اسمع ..
– ( ما لهاش إعادة

عيشها بسعادة ) ..
– ( ما تحطش رجل على رجل

قدام حد كبير ) ..
– ( مفيش أكل وحش ) ..

– ( دا حرام و يغضب ربنا ) ..

– ( ما تبصش لرزق غيرك ، عشان رزقك هيعدي من جنبك و مش هاتشوفو ) ..

– ( سيب الحلو على هواهو هايرجع بعد ياخد على أفاهو ) ..

و ( مصر ) تلقاك بكل الوجوه و الأقنعة ..
و بكل البواعث و المُحرِّضات .. و بكل ضروب الجد و اللعب ..
و الجد فيها غالب ، و لكن اللعب صوته أعلى و بهارجه أطغى .. و في ( مصر ) حيث مقامات الأنبياء ، و مراقد الأولياء ، تجد الألسنة رطبة بذكر الله و التوكل عليه ..
قومٌ يشيع بينهم التدين العفوي ، فلا يخلو حديثهم من ( ربُنا ) ، و من إسناد الأمر إليه ، و تجد بعضهم يستعصم به ، عزَّ و جل ، حتى في تلك المواطن
المستنكرة و الأفعال المستقبحة ، سئلت الراقصة ( دينا ) عن الشيء الذي تواظب على فعله قبل أن تنخرط في الرقص ، فقالت إنها
تحرص على ترديد هذا الدعاء ، ( الله خير حافظ و هو أرحم الراحمين ، من أمامي و من خلفي ، و من يميني و يساري ، و فوقي
و تحتي ، الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ) ، و أها تقول شنو في جنس ده !!
و ( المصريون ) يُعظِّمون الآخر ، و يخلعون عليه من عبارات التبجيل ( يابيه ) ، و ( ياباشا ) ، و ( تأمر حضرتك ) ، ( و نحن خدامنك ) .. و يعظِّمون العطاء مهما قَلَّ ، ذلك أن قليله في نظرهم كثيييير .. و يعظِّمون المهنة ، و كلٌ بمهنته
مُعجَب و مُفاخِر ، فقد تجد
( مزارعاً ) يعَرِّفُك بأنه ( خبير زراعي ) ، و صاحب ( مقهى ) يضع
لافتة تطلق عليه ( رئيس مجلس الإدارة ) ، و أنا في ( مقهى العمدة ) أبديت
ضيقي من صبيٍ طائش ، لا يُحسن تنسيق ( النارجيلة ) فانتدب لي
المشرف عاملاً آخراً ، أقبل علي بكل ثقة و اعتداد مُعرفاً نفسه ، ( فُلان ١٧ سنة خبرة شيشة ) ،
فأكمل ما نقص ..
و يعَظِّمون الخروج في سبيل التَنزُّه و الترويح عن الأنفس ، فيخرجون أهلاً و أزواجاً و عشاقاً ، و كلٌ ينفق على قدر سعته ، فترى الذين يؤمون ( الكورنيش ) و هم
( يقزقزون اللب ) ، و أولئك الذين يقصدون النوادي و الأماكن
الفخيمة .. و ( المصرية ) ،
محافظة تتجافى عن الابتذال ، و اللائي ينطلقن متحررات لاهيات معربدات ، يقصدن تلك
الأماكن التي هيئت لذلك ..
و رغم ما يعتري ( المصرية ) ، من مخاشنة أحياناً ، فإنها تنفحك برومانسية عجيبة تلين لها الجلود ..
قالت :
( أروح أصلي و أعمل لك فِطار ) ..
قال :
( أدعي لي و انتي بتصلي ) ..
قالت :
( ده الملائكة حفظت اسمك من كُتْرِ ما بدعيلك ) ..
و ما ترونه ( تمثيلاً ) يعكس واقعاً في كثير من جوانبه ..و ( المصري ) ،
يُوجِعُك بلسانه ، و لا تمتد إليك يده ، لذا عليك أن تحتمله و هو في حالة ( الهياج ) و ( الزعيق ) ،
و عليك أن تتتغاضى عنه و هو يلسعك ( يا ابن ال … ) ، إذ سرعان ما سَيُقبِلُ عليك بوجه ( لطيف ) و كأن شيئاً لم يحدث ..
و ( المصري ) ، لا يرى غير ( مصر ) ، و لا يأتي بما يسيء إلى ( مصر ) ،
فملؤ فؤاده و مشاعره ،
( تحيا مصر ) .. و ( مصر ) أولاً ، و ثانياً ، و عاشراً .. و لها الحب و الفؤاد .. و لا تُباع .. و لا تُشترى .. و لا تُرتهَن .. و لا ترْخَص .. و تجد ( الدراما ) ، و ( الموسيقى ) ، و ( الغناء ) ،و كل ثمرات الفهوم و العقول و الألسن ، في خدمة هذه الغاية
النبيلة ، ألا وهي ( مصر ) ،
ثم ( مصر ) ..

و في مصر ،
كلما تظن أنك قد ظفرت ،
تجد ما يهزمك برسوخه و سحره ، و تجد من يهزمك بعنفوانه ، و تهزمك بحسن محاسن حِسَانها ..
و يهزمك ( عبدالحليم ) و هو يصطلي ( بقارئة الفنجان ) لنزار قباني ..
( إن كنت حبيبي ساعدني
كي أرحل عنك
أو كنت طبيبي ساعدني
كي أشفى منك
لو أني أعرف أن الحب خطير
جداً ما أحببت
لو أني أعرف خاتمتي
ما كنت بدأت ) ..
و السلام ..
إعادة تحرير في ١٠ يوليو ٢٠٢٤ ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى