محمد عثمان عوض الله
دأب الأستاذ الإعلامي الكبير محمد محمد خير على التعبير بطريقته الخاصة عن المشروع الوطني الذي جمعنا تحت رايته. ورغم أن الأسلوب يعكس شخصيته الصحفية المميزة، فإن جوهر المشروع الذي ظل يدافع عنه بإخلاص هو ما يمثلنا جميعا.
أسلوب محمد محمد خير يعبر عنه وعن جمهور واسع من محبيه. ولذلك، لاقت تسجيلاته انتشارا واسعا، واحتفى بها الرأي العام بكل أطيافه؛ بين مؤيد، وناقد، ومحب، ومستمتع. فطريقته تمزج بين السهولة في طرحها و مفرداتها، و مع ذلك تميزت بالعمق و التدبر و حسن التبصر، قل أن تجد لها مثيلا. وكان يطرب لطرب الناس ولتفاعلهم مع ما يطرحه. وكان يعلق على ما يكتبه أعلام الرأي العام من جيل الرواد المخضرمين ومن الشباب، خصوصا من تصدروا الصفوف في معركة الكرامة، وقد خص منهم أسماء كثيرة على سبيل المثال الفيلسوف إبراهيم عثمان، ومحمد عثمان إبراهيم و د. الاقرع وغيرهم.
كما كان يتطرق للطرف الآخر بالنقد الشديد لمواقفهم و عمالتهم و جرائمهم. و لم يمنعه من التطرق لبعض الطرائف، ومن أطرف ما عبر عنه كان تعليقه على تسجيلات المتمرد جلحة حين قال معلقا على تعيين خالد الأعيسر وزيرا إن الرئيس الروسي بوتين أرسل له طائرة سوخوي.
هذا الحضور المتنوع لمحمد محمد خير، كان جزءا من مساهمته الفاعلة في تدعيم الجبهة الوطنية الداخلية، حيث لعب دورا كبيرا ومشهودا في معركة الكرامة، بين عامة الناس وقياداتهم، بين الجنود وقادتهم، وبين الصف الوطني والعملاء، وبين الجيش والمليشيا يرفد الراي العام بالاستنارة و التحليلات من وجهة نظره. وقد ظل ثابتا في دعمه لحركات دارفور، مسلطا الضوء على تفضيل العقل الغربي لها مقارنة بمليشيا الدعم السريع، ومؤكدا أن صانع القرار الغربي لن يميل يوما مطلقا لصالح المليشيا، ولن يتخلى عن حركات دارفور. وكان كلما أتيحت له فرصة، من اجتماعات مجلس الأمن، أو تقارير الكونغرس، أو تصريحات المسؤولين، أو الصحافة الغربية، كان يكرر هذه الرسالة بثبات ووضوح.
وفي تسجيله الأخير بعنوان أصبحت مستشارا، جال محمد محمد خير في ميادين الأدب والشعر والمجتمع والشفافية والسياسة، لكنه قدّم أيضا مشروعه السياسي الذي أعلن التفرغ للعمل من خلاله، وهو جوهر هذا المقال و هو الذي يمثلني فيه تماما و أعلن عن دعمي له و انتظاري منه خيرا كثيرا في سبيل توظيف الوحدة الوطنية و تطويرها من حقبة لا صوت يعلو فوق صوت البندقية الى مشروع سياسي وطني عظيم.
أولا، أعلن عن العقل السياسي لحكومة الأمل، وأنه سيتواصل مع جميع مكونات الشعب السوداني: من سياسيين وعسكريين، وحركات مسلحة، وصحفيين، وإدارات أهلية، وأساتذة، وأطباء، ومهنيين.
وأكد تخليه الكامل عن أي شيء شخصي، موضحًا أنه سيكرس كامل طاقته للتعبير عن الرؤية الجماعية.
وصرّح أن الأيديولوجيا التي سيعبر عنها، ستكون الرؤية الوطنية التي تضع كيان الدولة، وسيادة القانون، والدستور، في مقدمة الأولويات، وأن مهمته ستكون تقديس هذه المبادئ. وقد شدد على أنه لن ينحاز لأي طرف من هذا الطيف الوطني الواسع، لكنه سيستعين بالجميع دون استثناء.
أما السردية التي يتبناها و يروج لها ، هي أن ما تعرض له السودان هو غزو أجنبي حقيقي، وأن المعركة الأساسية الآن هي مقاومة هذا الغزو، ومواجهة العدو الأول الداعم له وهي دولة الإمارات و استعانتها بمرتزقة من دول متعددة، وبعملاء من داخل السودان. ورغم إثباته لعمالة العملاء، إلا أنه التزم من موقعه الوطني بالتواصل معهم، لإدارة حوار وطني شامل، ينصب فقط على الحالة الوطنية، بهدف إعادة السودان إلى بر الأمان، سالما من الغزو، خاليا من الخيانة، والعمالة. لتبدأ بعدها المجادلات الوطنية الحقيقية بين أبناء البلد، لفتح أفق جديد يمكن من خلاله بناء نموذج وطني جامع.
هذا هو المشروع الذي بشر المستشار محمد محمد خير والزم نفسه بالعمل من أجله و من خلاله: مشروع وطني توعوي تعبوي، يسعى لرفع منسوب الوعي، وتوسيع آفاق الحوار، ودعم القوات المسلحة، وكافة الفصائل الوطنية.
إنه، في جوهره، مشروع الجبهة الوطنية الموحدة، التي بثباتها وتماسكها ظلت ترجح الكفة العسكرية والسياسية داخليا وخارجيا، والتي تكسرت على صخرتها كل المؤامرات، والأموال، والمرتزقة، والطائرات المسيّرة.
وقد وعد الصحفي محمد محمد خير الرأي العام بأنه، من اليوم فصاعدا، سيتفرغ كليا لشرح وتبشير الناس بتفاصيل هذا المشروع لبناء الدولة، وتحديد علاقاتها، ورسم آفاقها المستقبلية، معبرا عن آراء الجميع، فاتحا صفحة جديدة عنوانها: “فلينهض السودان من جديد”.
وقال في عبارة بليغة و مؤثرة:
(سأزجر نفسي، وأتسامى عن كل الجراحات الصغيرة والكبيرة، وأتفرغ للمسؤولية الوطنية الكبرى).
ان المعاني الكبيرة التي نستخلصها من مشروع حكومة الأمل والتي عبر عنها مستشارها السياسي هي المشروع الوطني الجامع، الالتزام بقيم الدولة و سيادة دولة القانون، مقاومة الغزو الاجنبي و العمالة، الانفتاح على الجميع من أجل وطن معافى، دور الاعلام و النخب والادارة الأهلية و المبدعين في بناء وحدة وطنية قوية ودعم مؤسسات الدولة، الايمان بالحوار الذي لا يستثني احد من أجل بناء الوطن و التفاؤول و امكانية النهوض بالسودان من جديد.
لقد عبر سعادة المستشار عن هذا المشروع وهو يمثلني تماما.
