مساعدات السودان بين النهب والفساد

الخرطوم – أفريكا فوكاس
كشفت تحقيقات نشرتها مجلة “أفريكا فوكاس” عن اختلالات خطيرة وفساد ممنهج في منظومة المساعدات الإنسانية الموجهة للسودان، حيث تُهدر المليارات وسط طبقات من البيروقراطية وسوء الإدارة، بينما يواجه ملايين السودانيين الجوع والموت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ورغم تعهد المجتمع الدولي بتقديم أكثر من 2.3 مليار دولار لدعم جهود الإغاثة في السودان خلال عام 2024، لم يُصرف منها فعليًا سوى 38% فقط، ما يعني أن أكثر من 1.4 مليار دولار لم تصل إلى المحتاجين، في وقت تتصاعد فيه معدلات المجاعة والنزوح، وتنهار الخدمات الصحية والغذائية في معظم أنحاء البلاد.
وتُظهر التقارير الأممية أن أكثر من 25 مليون شخص داخل السودان في حاجة ماسة للمساعدات، بينهم أكثر من ثلاثة ملايين في مراحل الطوارئ أو الكارثة، في حين تحاصر المعارك ملايين النازحين في ظروف معيشية قاسية، دون غذاء أو دواء.
التحقيق أشار إلى أن المساعدات تمر عبر سلسلة معقدة تبدأ من الدول المانحة، مرورًا بوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ثم تنتهي في يد منظمات محلية، لكن هذه السلسلة تخضع لاقتطاعات إدارية كبيرة، ويذهب جزء معتبر من التمويل كمصاريف تشغيل، في حين تُمنح مبالغ طائلة لمنظمات لا تملك خبرة أو قدرة تنفيذية، بعضها حديث التأسيس أو مرتبط بأطراف سياسية وعسكرية.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المجلة، فإن أكثر من 40% من المنظمات المحلية العاملة حاليًا تفتقر إلى هيكل مؤسسي حقيقي، وتُدار عبر شبكات محسوبية أو ولاءات ضيقة، مما يجعل تتبع الأموال شبه مستحيل. وأورد التحقيق حالة موثقة لمنظمة تأسست في مدينة الأبيض عام 2023 وحصلت على أكثر من 4.5 مليون دولار دون تنفيذ أي مشروع فعلي.
رغم هذا القصور، فإن بعض المساعدات التي وصلت إلى السودان جرى احتكارها من قبل ميليشيات مسلحة، وتم توزيعها بدون دراسة للواقع. وتحدثت تقارير ميدانية عن عمليات بيع علني لمواد الإغاثة، بما في ذلك طحين برنامج الأغذية العالمي في أسواق مدن كبرى مثل أم درمان وسنار، فيما تُركت مناطق بأكملها، كمدينة الفاشر، تحت الحصار دون غذاء أو دواء، ما أدى إلى وفاة مئات الأطفال بسبب سوء التغذية ونقص العلاج.
برنامج الأغذية العالمي نفسه لم يسلم من الانتقادات، حيث كشفت وثائق داخلية عن عجزه عن السيطرة على سلسلة توزيع المساعدات، وتعرضه لضغوط من الجهات المانحة بعد توثيق حالات فساد وتأخر في التنفيذ، ومبالغة في تقدير الأهداف، وضعف الرقابة على الشركاء المحليين. وتخضع بعض عملياته في السودان لتحقيقات داخلية بشأن شبهات تتعلق بالاحتيال وسوء السلوك الإداري، مما زاد من تعقيد الموقف.
التحقيق خلص إلى أن المساعدات الإنسانية في السودان لم تعد مجرد وسيلة للبقاء، بل أصبحت جزءًا من شبكة معقدة من النفوذ والمصالح، تُستخدم فيها الإغاثة كأداة سياسية، وتُدار بآليات تخدم من يملكون القوة لا من يواجهون الموت جوعًا. في ظل هذا الواقع، يتساءل السودانيون ومعهم المراقبون الدوليون: من يجرؤ على كسر دائرة الإفلات من العقاب؟ ومن يملك الشجاعة لفتح ملف المساعدات على مصراعيه



