رأي

مرحبًا بكم في عصر الإفلات من العقاب – حيث تصبح ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لمرتكبي الفظائع إنجازًا نادرًا

سيمون تيسدال

كان ذلك نجاحًا نادرًا للمحاكم الدولية التي تكافح لمقاومة موجة متصاعدة من الانفلات الرسمي من القانون. فقد حُكم الأسبوع الماضي على علي محمد علي عبد الرحمن، أحد قادة مليشيا الجنجويد سيئة الصيت والمدعومة حكوميًا، بالسجن لمدة 20 عامًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بعد إدانته بـ 27 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، على خلفية الجرائم التي ارتُكبت في إقليم دارفور السوداني بين عامي 2003 و2005.

ورغم تورط مئات من عناصر المليشيا، يُعد عبد الرحمن، المعروف باسم علي كوشيب، أول شخص يُدان بارتكاب فظائع في دارفور، التي عادت اليوم مجددًا لتكون مسرحًا لعنف مروّع في ظل الحرب الأهلية الجارية في السودان. بنيامين نتنياهو في إسرائيل، وبيت هيغسيث وزير الدفاع الأمريكي، وفلاديمير بوتين في روسيا.هذا الثلاثي غير المستساغ متهم بدرجات متفاوتة بارتكاب فظائع من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان. ويُزعم أن كل واحد منهم أشرف على عمليات قتل متعمدة، أو إساءة معاملة، أو اختطاف جماعي لمدنيين غير مقاتلين. جميعهم ينكرون ارتكاب أي خطأ، ويزعمون أن أفعالهم مبررة مهما قال القانون أو الرأي العام أو حتى أبسط معايير الأخلاق. وجميعهم يعتقدون – بثقة متغطرسة – أنهم فوق المساءلة.

يقاتل نتنياهو على جبهات متعددة لإنقاذ مسيرته السياسية وتجنب السجن. ومثل غزة، فإن سمعته الشخصية باتت في حالة خراب. ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وقف محاكمته الجارية منذ سنوات في محكمة القدس بتهم الاحتيال والرشوة، بحجة “المصلحة الوطنية”. ويقول إنه يفضل إثبات براءته، لكنه – بدعوى روح التضحية من أجل شفاء الانقسامات – مستعد لقبول العفو.

يا لوقاحة الرجل! لقد استغل نتنياهو تلك الانقسامات نفسها بلا خجل من أجل البقاء في السلطة. ومفعمًا بالجرأة، يقاوم أيضًا إجراء تحقيق كامل ومستقل في الإخفاقات الأمنية الكارثية التي سبقت هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويتهمه سياسيون معارضون، من بينهم أفيغدور ليبرمان، بتدبير “تبييض” للحقائق من أجل إنقاذ نفسه.

ومع ذلك، فإن محاولة نتنياهو المشينة للتهرب من المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن غزة – حيث تتهم حكومته بالإبادة الجماعية – تُجسد بأوضح صورة التأثير المدمر للإفلات من العقاب الرسمي. فبدلًا من الدفاع عن نفسه أمام القضاء، يختبئ خلف دونالد ترامب في واشنطن أو يلازم منزله تفاديًا للاعتقال. وفي غزة، يواصل الأطفال الجائعون المعاناة – بأوامره.

أما هيغسيث، وزير الدفاع الأمريكي الجديد، فيبدو وكأنه أقنع نفسه بأن قتل عشرات الأشخاص المجهولين على متن قوارب في البحر الكاريبي، بناءً على شبهات غير مثبتة بتهريب المخدرات، أمر مرغوب فيه وقانوني – وليس فعلًا وحشيًا غير مبرر. وتُساق تبريرات واهية؛ إذ تقول الولايات المتحدة إنها تمتلك “معلومات استخباراتية” تثبت مزاعمها، وإن الضحايا ينتمون إلى “منظمات إرهابية أجنبية”، وبالتالي فهم أهداف مشروعة. أما القضاة والمحامون، فليقولوا ما يشاؤون؛ فبالنسبة لهيغسيث، لا يهم سوى رأي رجل واحد.

يعتقد ترامب وهيغسيث أن بإمكانهما فعل ما يشاءان دون مساءلة. وعندما ظهر مقطع فيديو يُظهر ناجين من ضربة أمريكية يُقتلون عمدًا في هجوم ثانٍ، بدأ بعض أعضاء الكونغرس متأخرين بطرح الأسئلة. لكن البنتاغون لم يكن صريحًا. من يهتم؟ ليس الرئيس. فمهما فعل هيغسيث، “فهو مقبول بالنسبة لي”، كما أعلن ترامب الأسبوع الماضي.

هذا هو الإفلات من العقاب. وهذا، تحديدًا، هو نهاية حكم القانون. إنه إعلان من أقوى دولة في العالم بأنها لم تعد تحترم القواعد الأساسية التي – رغم عيوبها – تُبقي المجتمع الإنساني متماسكًا. قبالة سواحل فنزويلا، تتصرف القوات الأمريكية، وهي تقتل وتستولي على ناقلات النفط، كما لو كانت قراصنة صوماليين أو متمردي الحوثي في البحر الأحمر. الإفلات من العقاب يعني الفوضى.

ولا عجب أن يعتقد بوتين – وهو الآخر مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – أنه قادر على الإفلات بجريمته. بل إن ترامب، في “خطة السلام” ذات النقاط الـ28 الخاصة بأوكرانيا، سعى إلى منح بوتين حصانة من الملاحقة. كما يحاول تدمير المحكمة الجنائية الدولية عبر العقوبات. أي مثال يقدمه ذلك للعالم؟ وكيف يمكن لبريطانيا وأوروبا أن تواصلا الادعاء بأن الولايات المتحدة حليف يشترك معهما في القيم؟

إن منفذي ترامب الخارجين عن القانون، الذين يعيثون فسادًا في الخارج كما في الداخل، هم الجنجويد الجدد. ومثل علي كوشيب، فإن ترامب ونتنياهو وبوتين وهيغسيث وسائر القتلة المتبجحين يجب أن يُحاسَبوا يومًا ما أمام القضاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى