تقارير

محمد خير عوض الله يكتب: البقيع.. أطهر الأجساد في أطهر البقاع

تحت الشمس

تضم مقبرة البقيع جوار المسجد النبوي الشريف، الأجساد الطاهرة لأكثر من 10 ألف من الصحابة رضوان الله عليهم، وآل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وتبلغ مساحة البقيع الحالية 180 ألف ألف متر مربع؛ ويضم بقيع الغرقد(سمي باسم شجرة الغرقد) رفات الآلاف المؤلفة من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين أو نقل جثمانهم على مدى العصور الماضية.
ومن أبرز الذين دفنوا في مقبرة البقيع، خليفة رسول الله.. وصهره ومجهز جيوش رسول الله.. الصوام القوام.. الذي جمع المصحف. وقال عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم (تستحي منه الملائكة) ..
سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.. وفي البقيع ابن رسول الله سيدنا إبراهيم رضي الله عنه، وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم، السيدة فاطمة الزهراء، والسيدة رقية بنت رسول الله، والسيدة زينب بنت رسول الله، والسيدة أم كلثوم بنت رسول الله، وسيدتنا حليمة السعدية مرضعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
ويضم كذلك زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كلهن ماعدا السيدة خديجة والسيدة ميمونة، وفيه أمهات المؤمنين: عائشة، حفصة، أم حبيبة، جويرية، صفية، أم سودة، زينب بنت جحش، زينب بنت خزيمة، أم سلمة. وفي البقيع عم النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا العباس بن عبدالمطلب، وعمتيه، صفية وعاتكة، وسيدنا عقيل بن أبي طالب، وسيدنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وسيدنا جعفر الصادق، وسيدنا محمد باقر، وسيدنا علي بن الحسين زين العابدين، وسيدتنا فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه، وسيدنا ابوسفيان بن الحارث، وسيدنا عبدالله بن مسعود، وسيدنا عبدالرحمن بن عوف، وسيدنا سعد بن أبي وقاص، وسيدنا أسعد بن زرارة، وسيدنا سعد بن معاذ، وسيدنا أبو سعيد الخدري، وسيدنا عثمان بن مظعون، وسيدنا خنيس بن حذافة. وعدد كبير من أشهر الصحابة. كما يضم رموزاً من نجوم الرسالة المحمدية، أبرزهم إمام دار الهجرة، سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه، والإمام نافع رضي الله عنه، وصاحب الفيوضات الروحية، مؤسس الطريقة السمانية، حفيد الصديق، سيدنا محمد بن عبدالكريم السمان.
وفي البقيع تجد هذا القبر الطولي الكبير، أشبه بأخدود. يضم 200 من شهداء غزوة الحرة التي كانت بين أهل المدينة ويزيد بن معاوية بعد معركة كربلاء، ومقتل الحسين بن علي، فطردوا والي يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومن معه من بني أمية من المدينة، فأرسل على إثرهم يزيد جيشاً من الشام وأمر عليهم مسلم بن عقبة المري فوقعت بينهم واقعة الحرة سنة سنة 63 هـ وانتهت بمقتل عدد كبير من الصحابة وأبناء الصحابة والتابعين.
فالبقيع الذي يضم خير الخلق تعتبر زيارته مكرمة من الله للزائر، لايوفق لها إلا باصطفاء، وله فضائل عظيمة أكبر من أن يحيط بها وصف، وهنيئاً لمن داوم على زيارتهم كما كان يفعل رسول الله، ولكن التهنئات مضاعفات لمن مات في المدينة، و دفن في البقيع، فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يشفع لمَن مات بالمدينة. ففي حديث عبدالله بن عمر -رضي اللهُ عنهما- والذي فيه: «مَن استطاعَ أنْ يموتَ بالمدينةِ فليمتْ فيهَا، فإِنِّي أشفعُ لمَن يموتُ بهَا» رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان وصححاه، وابن ماجة، وغيرهم، وأهل البقيع أول المقابر حشرًا، فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنا أوَّل مَن تنشقُّ عنهُ الأرضُ، ثمَّ أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ آتي أهلَ البقيعِ، فيُحشرُون معي، ثمَّ أنتظرُ أهلَ مكَّة، فأُحشر بينَ الحرمين) رواه أحمد، والترمذي في سننه – كتاب المناقب.
وفي الأثر أيضاً: يبعث من أهل البقيع سبعون ألفًا وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنَّة بلا حساب.
ومِن فضائل البقيع، أنَّ اللهَ تعالى أمرَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يأتيَه، ويستغفرَ لأهلهِ،
فكانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأتي هذا البقيع المبارك باستمرار، ويسلِّم على أهلهِ، ويدعو لهم.
فعن عائشة -رضي اللهُ عنها- قالت: ألا أحدِّثكُم عنِّي وعن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قلنا: بلى. قالت: لمَّا كانتْ ليلتي التي كانَ النبيُّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم فيها عندي، انقلبَ، فوضعَ رداءَهُ، وخلعَ نعليهِ، فوضعهمَا عندَ رجليهِ، وبسطَ طرفَ إزارِهِ علَى فراشهِ، فاضطجعَ، فلمْ يلبثْ إلاَّ ريثمَا ظنَّ أنْ قدْ رقدتْ، فأخذَ رداءَهُ رويدًا، وانتعلَ رويدًا، وفتحَ البابَ فخرجَ، ثمَّ أجافهُ رويدًا، فجعلتُ درعي في رأسِي، واختمرتُ، وتقنَّعتُ إزاري. ثمَّ انطلقتُ على إثره حتَّى جاءَ البقيعَ فقام، فأطالَ القيامَ، ثمَّ رفعَ يديه ثلاث مرَّات، ثمَّ انحرفَ فانحرفتُ، فأسرعَ فأسرعتُ، فهرولَ فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ. فسبقته فدخلت. فليس إلاَّ أنْ اضطجعت فدخل.
فقال: (مالك؟ يا عائش؟! حشيا رابية!) قالتْ: قلتُ: لا شيءَ. قال: (لتخبريني، أو ليخبرني اللطيفُ الخبيرُ).
قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله! بأبي أنتَ وأمِّي! فأخبرته.
قال: (فأنتِ السوادُ الذِي رأيتُ أمامِي؟!
قلتُ: نعمْ. فلهدني في صدري لهدةً أوجعتني، ثمَّ قال: (أظننتِ أنْ يحييف اللهُ عليكِ ورسوله؟).
قالتْ: مهمَا يكتم النَّاس يعلمُهُ اللهُ. قال: نعمْ.
قال: (فإنَّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهتُ أن أوقظك، وخشيتُ أن تستوحشي. فقال: إنَّ ربَّكَ يأمرُكَ أنْ تأتِي أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهُم).
قالتْ: قلتُ: كيفَ أقولُ لهم؟ يا رسولَ الله!
قال: (قولِي: السلامُ على أهلِ الديارِ من المؤمنين والمسلمين، ويرحمُ اللهُ المستقدمين منَّا والمستأخرِين، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكم للاحقون). رواه مسلم (كتاب الجنائز).
فالسعادة كل السعادة لمن دفن في مقبرة البقيع التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بزيارتهم والاستغفار لهم. وقد ورد البقيع كثيراً في مدائح أهل التصوف الذين تتعلق قلوبهم بالمدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلوات وأتم التسليم، وتتعلق قلوب السودانيين بها، وتجد المحب منهم، من أمنياته الحاضرة، ودعواته الملحة، أن يقيم في طيبة الطيبة ويجاور الحبيب صلى الله عليه وسلم، وأن يدفن في البقيع. نسأل الله باسمه الكريم، وباسمه العظيم الأعظم، أن يكرمنا بمحبة الحبيب ومجاورة الحبيب وأن ندفن في البقيع مع آله وصحابته الكرام. آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى