محمد المينيوم
عبد الله علي إبراهيم
ستجد اسمه في قائمة تلفوني الجوال غير المعرب هو “M Alum”. وبالعربية فهو “محمد المينيوم”. تعرفت عليه بتزكية من عزيزينا عبد الرحمن عبد الغفار (مان) خلال تفتيشي عن خبير شبابيك المينيوم لاستكمال مبنى مركزي الانتخابي لرئاسة الجمهورية. وعرض عليّ مان عمل محمد المينيوم (قريبه) في خاصة بيته. وكان شغلاً مميزاً من نوع ما فعل النجار بالخشب. وأعطاني رقمه لاتصل فيه بعد التوصية. واتفقنا على زيارته في مصنعه بالمنطقة الصناعية الجديدة بالخرطوم. ووصلناه بعد لأي. ولم نجده كما قال لنا وعرض علينا وكيله أصناف الالمينيوم وأسعارها، وخلافاً لدور عرض أخرى غشيتها كان معرض محمد فسيحاً نسيقاً. وكزبون سجلت في واعيتي هذه النظاكة لصالحه.
ضربت لمحمد المينيوم لأخطره أني أرغب في إعطائه مقاولة شبابيكي. واتفقنا أن نلتقي عند مركزي الانتخابي للتعارف ولقياس النوافذ. وحين نزل من سيارته وجدته في بسطة من الجسد قوياً مفتولاً. سبق سلامه من البعد بضحكة مميزة قائلاً: ” إيه ياريس!” وأعجبني أنه قبل مخاطرة ترشيحي بغير اسداء النصح بغير علم. ثم أخذته إلى المبنى يقيس النوافذ ويقايس الثمن.
لم التق بمحمد منذ ذلك اليوم قبل نحو شهر مضى. تكلمت معه بالتلفون استعجله، ولكنه تعذر بأنه لا يستطيع عمل النوافذ بغير أن يفرغ شغل البلاط والنقاشة. ولكنه ما كف عن المجيء ومراجعة القياسات. وقد ترك هذا انطباعاً جيداً حتى أن مقاولتي، إشراقة، قررت الاستعانة به في مقبل مبانيها. والفرصة الأخرى للقائي كانت لما جاء يأخذ القسط الأول من مصنعيته. كنت مرتبطاً فتركت له الشيك مع نسيبتي أم المصباح. ولما جئت عصراً كانت الدار تتحدث عن محمد المينيوم الذي فرض عليهم بطاقته للتعريف به حتى لا يأخذوه على عواهنه.
كان مقرراً أن التقي المينيوم يوم الجمعة أو السبت الماضي. فقد أسرفت المطر على نوافذ الصالة فتسرب ماء إلى أرضيتها. فناديته بالتلفون وأطلعته الأمر. فقال إنه سيأتي يوم الجمعة لمراجعة الأمر. لم يأت الجمعة. فضربت له مساء الجمعة أذكره. فاعتذر لأن فنييه قالوا أنهم قد أنجزوا المسألة. فقلت له أن ذلك لم يحدث. فضحك:
-بكره اجيك انا ذاتي يا ريس.
– ريس ريس ما شفنا منك زاد ريس. أنا ريس وخالي أطيان.
-الريس بعضو منو يا ريس؟
وضحك ضحكته التي تشي بأنه فهم، ولكنه ما زال على رأيه.
مر صباح السبت وضحاه ولم يأت محمد المينيوم وأكلني قلبي. قلت كلهم هكذا: متى قبض هرب. فهو ليس أفضل ممن باعني الأبواب الصينية ولم يعد يُصلح عوجها. صبحه الله بالخير. ولما اشتد أكلاني على إخلاف الوعد. ضربت رقمه. وظل يرن ويرن ويرن. قلت لنفسي هل سيضيف إلى إخلاف الوعد جريرة الصهينة كذلك. ثم رُفع التلفون وحييت فسمعت صوت سيدة من الطرف الثاني. فقلت بشغب معروف مفترضاً أنها زوجته:
-هل سيترك لك محمد الرد على الزبائن.
– لا أنا أخته. عندي ليك خبر مؤسف. محمد مات امبارح بالليل. ضربتو كهربا.
يا للموت. هذا ختل. وغشانا في البيت حزن ربما كان أشد مما يقع لنا من قريب ودع. بكينا النسمة التي مرت بنا. لم ينس حتى تبريك رمضان لي برسالة على التلفون: “الفجر يرسم بالضياء على المآذن ألف هالة الله أكبر تغمر الدنيا بأنوار الجلالة”. ومن فرط وساوسي عن تخلفه يوم السبت شققت طرق الخرطوم الأنهر إلى حي الصحافة قبالة مركز الشرطة لأقدم فروض العزاء تنزيهاً لنفسي من أمرها لي بالظنة. قال لي مان إنه قبل مراحماتي من البعد. فقلت له بعض الذنب مما لا يكفر إلا بالحج إلى الموضع.