أخبار رئيسيةالأخبار

مجلس الأمن يناقش مأساة الفاشر: تحذيرات من “كارثة إنسانية” وتباين في المواقف الدولية

الأحداث – وكالات 

عقد مجلس الأمن الدولي، مساء الإثنين، جلسة مغلقة طارئة لبحث التطورات الأمنية والإنسانية المتسارعة في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، والتي ترزح تحت حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع منذ مايو 2024. جاءت الدعوة للجلسة بطلب من المملكة المتحدة والدنمارك، في ظل تصاعد التحذيرات الدولية من انهيار وشيك للوضع الإنساني واندلاع مجاعة واسعة النطاق في المدينة ومحيطها.

الجلسة، التي غابت عنها التغطية الإعلامية المباشرة، استُهلت بإحاطة من مكتب الأمين العام للشؤون السياسية ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، رغم اعتراضات روسيا على مشاركة الأخير، بدعوى “تسييس الملف الحقوقي وتغليب وجهات نظر غربية”. إلا أن بريطانيا والدنمارك تمسكتا بأهمية تضمين كافة المعلومات الحقوقية والإنسانية لضمان تقييم شامل.

الفاشر تحت الحصار:

تناول المجتمعون الوضع في الفاشر باعتباره “نقطة انهيار إنساني مركزي” في الحرب السودانية المستمرة، بعد أن تحولت المدينة إلى معقل محاصر يقطنه نحو 800 ألف مدني، يعيشون دون ماء أو دواء أو غذاء كافٍ. وبحسب الإحاطة الأممية، فإن المعابر كافة، بما فيها المعبر الحدودي مع تشاد (أدر)، مغلقة، بينما تتعرض قوافل الإغاثة للاستهداف المتكرر، مما يجعل القرار 2736 الصادر في يونيو 2024 – والذي طالب بإنهاء الحصار فورًا – بلا أثر فعلي على الأرض.

وحذّرت المفوضية السامية من أن “أساليب التجويع القسري” المتبعة قد ترقى إلى جرائم حرب، بل وربما إلى جرائم ضد الإنسانية، إذا ثبتت نية الإبادة الجماعية في استهداف مجموعات سكانية بعينها، كما حدث في وقت سابق بمناطق المساليت بغرب دارفور.

تباين المواقف الدولية في المجلس

فيما اتفق الأعضاء على خطورة الوضع، برز تباين واضح في مواقف الدول تجاه أسلوب المعالجة:

• المملكة المتحدة تبنّت خطابًا حادًا، ووصفت الوضع في الفاشر بأنه “وصمة عار على جبين المجتمع الدولي”، مطالبةً باتخاذ إجراءات عاجلة لفتح المعابر والسماح بوصول المساعدات دون قيد. كما دعت لندن إلى توسيع التحقيقات بشأن الهجمات المتكررة على المدنيين والمنشآت الطبية، مشيرة إلى الهجوم المدمر على “المستشفى السعودي” في يناير الماضي.

• من جانبها، الولايات المتحدة عبّرت عن قلق بالغ مما وصفته بـ”الانزلاق نحو سيناريو إبادة جماعية”، مطالبةً بمحاسبة قادة الدعم السريع، وملوّحة بإمكانية فرض عقوبات دولية فردية على قادة المليشيا، وداعميهم الإقليميين.

• أما فرنسا، فركّزت على الجانب الإنساني، محذّرة من أن استمرار إغلاق الطرق والمعابر سيحول دون انطلاق الموسم الزراعي، مما سيعمّق الأزمة الغذائية ويضاعف حركة النزوح.

• في المقابل، تبنّت روسيا خطابًا أكثر تحفظًا، معارضةً إدراج الملف الحقوقي ضمن الإحاطة، ودعت إلى الاكتفاء ببيان صحفي متوازن، يحمّل المسؤولية لكافة الأطراف دون استهداف طرف بعينه. واعتبرت موسكو أن مثل هذه النقاشات “يجب ألا تُستخدم كغطاء لتدخلات خارجية تحت ذريعة الحماية الإنسانية”.

• الصين دعمت مضمون القرار 2736، لكنها دعت إلى صياغة أكثر حذرًا في البيانات، خصوصًا فيما يتعلق بمسألة “الاعتراف بالسلطة”، واقترحت استخدام عبارة “الحكومة السودانية” بدلًا من “السلطات السودانية”، تفاديًا لأي اعتراف ضمني بالحكومة الموازية التي أعلنتها قوات الدعم السريع مؤخرًا.

• أما الدول الإفريقية غير الدائمة في المجلس، مثل الجزائر وسيراليون والصومال، فقد أبدت دعمًا لموقف الاتحاد الإفريقي، مؤيدة حلًا سياسيًا سودانيًا خالصًا، وداعية إلى تفعيل المسار الإقليمي عبر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد.

رأي الخبراء: هل باتت الفاشر “سربرينيتسا السودان”؟

اعتبر خبراء أمميون، ومحللون في منظمات مثل “Crisis Group” و”Human Rights Watch”، أن ما يحدث في الفاشر يحمل أوجه تشابه مقلقة مع جرائم الإبادة في البوسنة ورواندا. وحذر الباحث في النزاعات الدولية “مايكل هارينغتون” من أن المجتمع الدولي “يكرر أخطاء الماضي” عبر الاكتفاء بالتعبير عن القلق دون اتخاذ خطوات عملية لردع الجناة.

وقال هارينغتون:

“التقارير الحقوقية والإغاثية ترسم مشهدًا مروعًا. إذا لم يتم رفع الحصار خلال أسابيع، فإننا بصدد واحدة من أسوأ الكوارث في إفريقيا خلال العقد الأخير.”

كما رأت أماندا شارف، الخبيرة في القانون الإنساني، أن فشل تنفيذ القرار 2736 يُضعف مصداقية مجلس الأمن. وأضافت:

“مجلس الأمن مطالب ليس فقط بإصدار البيانات، بل بترجمة تلك البيانات إلى ضغط عملي: عقوبات، لجان تقصي، وربما إحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.”

نحو ماذا تتجه الأمور؟

من غير المتوقع صدور قرار جديد في أعقاب الجلسة، لكن مصادر دبلوماسية رجّحت إصدار بيان رئاسي يُعيد التأكيد على القرار 2736، ويحث الأطراف على وقف إطلاق النار ورفع الحصار فورًا، مع تلميحات لتفعيل إجراءات إضافية في حال استمرار الانتهاكات. كما يُنتظر أن يجري تنسيق مع الاتحاد الإفريقي لعقد جلسة مشتركة في نهاية الشهر، تشمل تقديم إحاطة ميدانية حول أوضاع المدنيين في دارفور.

خلاصة

جاءت جلسة مجلس الأمن بشأن الفاشر في وقت حرج، فاضت فيه التقارير الحقوقية والإنسانية بوقائع موثقة عن تجويع قسري، استهداف للمستشفيات، وحرمان جماعي من الماء والدواء والغذاء. وبينما طالبت دول مثل بريطانيا وأمريكا بتدخل حازم، ظل الموقف الروسي والصيني متحفظًا، في وقت تتمسك فيه الدول الإفريقية بمبدأ “الحل السوداني للسودانيين”. لكن وسط هذا التباين، يظل سؤال واحد معلقًا:

كم من الأرواح يجب أن تُزهق بعد… حتى يتحرك العالم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى