رأي

مافي قبيلة بتغلب دولة

الدولة نفسها طويل ولا شيء ينتصر أكثر من الانتصار

السفير كرار التهامي

في أيام سلفت وعلى عهد حكومة الإنقاذ وفي مجلس واسع تحدث أحد الولاة والذي نشير إليه هنا (بالحكيم) أو (الحزين) لان حديثه كان مليئا بالحكمة والشجن وهو يحكي عن أبناء جلدته الذي امتلكوا السلاح والمال والتجارة والنفوذ ثم انخرطوا في الصراع مع الدولة بدعاوى أو أخرى فتبدد شملهم ، ويسترسل الحكيم في وصف جماعته كيف كانوا وكيف صاروا بعد الحرب وما أصابهم من ضرر وبوار وخسران مبين بسبب حربهم ضد الدولة وكيف أن شوكتهم انكسرت أو أن أموالهم اهدرت وهيبتهم سلبت بسبب ذلك ختم الرجل حديثه بان قومه كانوا في الماضي إذا اجتمعوا في مناسبة فرح أو كره لهم هيبة وحضور طاغ باموالهم وسياراتهم الفارهة لكن اليوم يبدو عليهم البؤس والشح.

هذا يعود بنا إلى قصة الخروج على الدولة ليس في السودان فقط ولكن في كافة البلاد الأفريقية المأزومة التي لا زالت الدولة فيها ناقصة النمو not fully fledged فالدولة أي دولة نفَسَها طويل والطريق الوحيد للنيل منها هو أخذها على حين غرة او الانقلاب عليها وإذا تحول الصراع إلى ماراثون فالدولة هي التي تكسب في اللفة، لذلك لم تنجح بوكو حرام في النيل من الدولة في نيجريا ولا جيش الرب في يوغندا ولا الشباب في الصومال ولا الطوارق في مالي و لا المسايا في كينيا ولا عرب الصحراء في النيجر ولا الدعم السريع في السودان ولا الهوتو في رواندا هذا الادعاء ليس بالتمنيات ولكن بوقائع التاريخ الشاخصة.

يلخص جورج واشنطن القائد العسكري لجيش الاستقلال الأمريكي والذي أصبح بعد الحرب رئيسا لأمريكا فكرة التطاول في مدة الحرب بقوله : “كلما جعلت أمد الانتصار أبعد ستكون النهاية المحتومة أن يعلن العدو خسارته للحرب”.

قال جورج واشنطن ذلك بعد هزيمة الجيش الامريكي الذي كان يقوده في معركة بروكلين واضطراره للانسحاب إلى مانهاتن بالقوارب، مما أدى إلى إنقاذ الجيش القاري من الوقوع في الأسر .

ويقول المحلل العسكري ادم توم في نفس المعنى ، “الجيش يمكن أن يخسر معارك لكن استمراره على أية حال سيجعله يحقق الانتصار”.

ذلك مايحدث الان في السودان في الحرب الغادرة فكلما طال الأمد يفقد المتمردون زخم البدايات ويخسرون نتائج انتصاراتهم التكتيكية هذه (الفنجطة البدائية) التي يدخلون خلالها المدن بعدد محدود امن السيارات والمقاتلين والقيام بالنهب والسرقة ثم ينتظرون مطرقة القدر الأمر الذي لا يتسق وقوانين الحرب وقواعد الاشتباك الذكي في التقدم او التقهقر والسيطرة.

لاحظ في البداية الموقف المساند للتمرد من دول الجوار ثم التراجع الكبير من هولاء امام صمود الدولة التي ظنوا انها ستنهار من الوهلة الاولى وكما يقول المفكر هاورد والاس لاشيء ينتصر اكثر من الانتصار nothing succeeds than success لذلك جاء آبي أحمد إلى الدولة التي شكك في شرعيتها كسير الخاطر حيث تجلت الرومانسية السياسية في طريقة الاستقبال وزراعة الأشجار والخلوة الرئاسية وسيتراجع كاكا وتوتو وغيرهم من (البابتسوات) مرغمين.

عنوان هذا المقال ليس موجهاً ضد قبيلة بعينها ولكنه تاكيد لحقيقة تاريخية تجلت في الحصاد السياسي والتاريخي لشعوب كثيرة خرجت فيها عصبية القبيلة إلى فضاء السلطة متوهجة لتؤسس الملك وتشعل الصراعات قبل بزوغ نجم الدولة الحديثة التي أطاحت بالقبلية أو قلمت أظفارها.

يقول ابن خلدون “لا يوجد حكم قوي بدون عصبية ” لقد كان السلطان فيما مضى يقوم على عصبية القبيلة و هي حسب ابن خلدون تعني “الروابط القوية بين أفراد القبيلة أو المجموعة الاجتماعية، والتي تنشأ من القرابة والولاء المشترك. هذه العصبية تمنح القبيلة قوة وتماسكًا يسمح لها بالتغلب على القبائل أو الجماعات الأخرى ”

تبدلت العصبيات بمرور الزمن فتعمقت العصبية الايدولوجية والعصبية الدينية والعصبية الرأسمالية وهي ركائز لمختلف أنواع الأنظمة اليوم في العالم و لم تعد القبيلة في الحسبان إلا كوسيلة ضغط بدائية لمطالب فئوية قصيرة النظر.

الان بعد انتهاء الحرب يجب أن تكف أي قبيلة عن ابتزاز الدولة وأن يخلو العقد الاجتماعي لدولة ما بعد الحرب من أي تلميح أو امتيازات لاي مجموعة مهمشة أو غير مهمشة كما فعلت رواندا حتى لا يكثر المخادعون الذين يستغلون القبيلة كلب صيد لافتراس مصالحهم الخاصة ضد المجتمع مع العلم بانه مهما تسلحت القبائل وأدعت و أرغت وأزبدت وتسلحت فليس هنالك “قبيلة بتغلب دولة” سيكون مصيرها مصير قبيلة (الحكيم) التي هانت ولانت وتبدد شملها او مصير القبائل التي تحترق الان في النار التي أشعلتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى