مبارك أردول
وصل إلى بورتسودان بالأمس السيد إبراهيم محمود رئيس المؤتمر الوطني (المحلول) الي مدينة بورتسودان وظهر في الصورة استقبال محدود له من الحاضرين.
الملاحظ أن الاستقبال لم يبدوا عليه عضوية حزبه المعروفين والتي يتنازع مع مولانا احمد محمد هارون على رئاسته، وأي كان فأي مواطن سوداني له الحق في العودة إلى بلاده والتمتع بحقوق المواطنة كاملة بينها السفر والتنقل وامتلاك الوثائق المطلوبة لذلك.
السيد إبراهيم محمود أي كان منصبه الحالي فهو شخص اعرفه وقد التقيته كثيراً واكثر من اي قائد في النظام البائد خاصة إبان قيادته لوفد المفاوضات معنا في الحركة الشعبية خلفا للبروفيسور إبراهيم غندور، عندما كنت ناطقاً رسميا باسم وفد الحركة ، وهو كشخص في عادته يتميز بالهدوء والاحترام.
هذا لا ينفي أنه ضمن كابينة قيادة حزب المؤتمر الوطني المسؤولة عن ما حالت إليه الأوضاع في البلاد وتم خلهم بثورة شعبية، فإبراهيم لم يكن مجرد عضو عادي بل قيادي في كابينة القيادة التي تنسمت قيادة الدولة والحزب في الخرطوم في الحقبة الثالثة من عمر الإنقاذ، وقد ولدت في تلك الفترة قوات الدعم السريع وتمت رسملتها وتحويلها من مليشيا (جنجويد وحرس حدود) يطاردها الغرب بالتجريد والتسريع الى قوات رسمية تتبع لجهاز الأمن الوطني (حينها) ولاحقاً تبعت للقصر الجمهوري بقانون خاص. تمنيت في خطابه أن يعتذر للشعب السوداني في المقام الأول وللقوات المسلحة عن شي واحد فقط وهو بانهم كانوا لا يثقون فيهم وقد تسببوا ولو صمتاً في إنشاء هذه القوات الموازية وأجازوا قانونها في البرلمان باغلبية ساحقة (عدى صوت واحد فقط) ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل فتحوا لها الباب واسعاً لتشارك في المشاركات الخارجية بشكل منفصل عن وزارة الدفاع وتأتيها الاموال ايضا بشكل منفصل عن وزارة المالية وبنت علاقات خارجية بشكل مستقل عن وزارة الخارجية.
جاء نائب البشير في الحزب سابقا ورئيسه حاليا وعضوية حزبه تقاتل بجانب القوات المسلحة نفس هذه القوات التي صنعها قيادة حزبه كانّها تكفر عن اخطاء قيادتها، وتعيد تقديم نفسها للشعب السوداني، والتي فعلت به هذه القوات الأفاعيل، وبالمواطن والدولة ومؤسساتها وقواتها المسلحة وبنيتها التحتية وبنظامها وبنيتها السياسية وتركيبتها الاجتماعية وغيره من الدمار الذي لا يحصى.
هل يحمل رئيس حزب النظام البائد جديد ليطرحه؟ لا اعتقد فقد تحدث في خطابه ولم ارى فيه جديد بل كان عاديا ومرتجلاً لا بحجم الواقع، فاهلا به مواطناً على اي حال، فلم تعد بورتسودان او اي مدينة في السودان هي تلك التي تركها ولا شعبها ولا قواها ولا جيشها ولا حتى حزبه .
الذي يجب أن يعلمه ان الزمن مختلف الان ورغم مشاركة عضوية كبيرة من حزبه في الدفاع عن المواطن بجانب الاخرين من ابناء وبنات الشعب السوداني وتنظيماته السياسية وحركاته المسلحة التي كانت منبوذة في عهدهم ، إلا ان تلك المشاركة سوف تكون هذه المرة حقيقة (لا للسلطة ولا للجاه ) فلا يوجد هناك ثمن يحصل من وراءه، فالقوات المسلحة لن تسمح قيادتها التي جاءت بعد ثورة ديسمبر كقيادة جديدة باي اختراقات حزبية جديدة وبل لن يعطي الشعب السوداني المجال لذلك، فبعد تجربة هذه الحرب والاختراقات التاريخية سوف يصان ويحرس مهنية واحترافية الجيش بأبواب من حديد صلبة ولن يقبل باي انحراف ايديولوجي ولا جهوي لهذه الموسسة وبقية المؤسسات الامنية الاخرى ومهما كلف الأمر.
اما في الحياة السياسية فرغم ظروف الحرب فان المواطن قد ودع عهد الاستبداد السياسي بلا رجعة، واقبل على عهد الحقوق والحريات ومن أوسع الأبواب، فإذا كنت في مجال ناصح اقول لك بكل صدق لا سبيل أمامك سوى البحث عن ابتدار مراجعات وتقييم لتجربة حكمكم بشكل واضح وشفاف ومواجهة الشعب السوداني بنتائج ذلك التقييم ، ولا اريد استباق الاحداث ، فاخرجوا بما تقيمونه للمواطن بشفافية ، وتعلم دون جحد عظم هذه القضية، وبعدها التقدم لخطوة للحوار مع القوى السياسية وهذه مهمة.
شخصي وعدد كبير من تيار بجانبنا ممن كنا في معارضة نظامكم حتى سقوطه لا ننشد العزلة السياسية للافكار والتوجهات السياسية بقدرما إذا هنالك أشخاص يحق عزلتهم فالتكن وفق القانون والجرائم فلا كبير أمام ذلك لا انتم ولا نحن، وبالمقابل لا يجب الاعتقاد بان مهما كان الثمن الذي دفع تضحية في حرب الكرامة سوف يلغي مرحلة المراجعة والتقييم لتلك الفترة التي قدتم فيها البلاد.
نعتقد أن الحوار مع الإسلاميين خطوة ضرورية للبناء الوطني، ولكن قبل ذلك هم انفسهم في حاجة للحوار فيما بينهم وتقييم تجربتهم، كما نحن الذين اتينا بعدهم نحتاج لذلك التقييم والمراجعة ايضا وبشكل واضح وشفاف وعلينا كقوى ثورة مراجعة الاخطاء التي ارتكبناها للإقرار بها وتصحيحها، لنعتذر جميعا لشعبنا الذي يستحق ذلك، هذا إذا ما كنا نريد فتح صفحة جديدة في تاريخنا.
فالحوار مع الإسلاميين لا يجب أن يكون مفتوحاً بل حول اجندة واضحة تتعلق بصيانة مؤسسات الدولة الامنية والمدنية بمهنيتها واحترافيتها دون اختراق او خلق اجسام موازية وايضاً حول مسالة عدم مصادرة حق المواطنين في الاختيار والتمثيل وكذلك الحريات العامة دون مصادرة او تضييق ، وغيرها من المبادئ التي يجب أن تقوم عليها الدولة الحديثة.
اذا هنالك قوى سياسية تعتقد ان هنالك مساحة للفهلوة والتذاكي السياسي والسيطرة على البلاد منفردة دون الآخرين باسم الثورة تارة وباسم حرب الكرامة تارة أخرى عليها مراجعة تجربة الإنقاذ في الثلاثين عاما الماضية وكذلك قوى الحرية والتغيير في الثلاث سنوات التي أعقبتها، كلها أطاح بها شي واحد هو الأطماع السياسية الضيقة وإغلاق سبل الحوار السياسي مع الاخرين وتفويت فرص المصالحة الوطنية.
هذه الحرب أفرزت واقع جديد فحتما كما قال دكتور جون قرنق (السودان لن يكون كما كان) لا في شكل جيشه ولا نظام وشكل حكمه ولا توزيع موارده ولا حتى المؤتمر الوطني سيكون كما كان ولا الحركة الإسلامية ولا قوى الحرية والتغيير ولا الكتلة الديمقراطية، ولا موسسات الدولة المختلفة، فإما أن نتحاور للمضي قدما او نفنى جميعاً.