محجوب فضل بدري
قصدتُ أن يكون عنوان هذا المقال عكس ذلك السؤال الساذج (ماذا تُريد مِنَّا الإمارات؟) حتى لا نردد الغلوطية التى تقول [فى حاجة عندها أربعة كرعين وضنبها طويل وبتقول باااع وبيضبحوها فى الضحية وأول حرف من اسمها خروف،، دى شنو؟] لأن هذا هو منتهى السذاجة والغباء -إذا أحسنَّا الظن وبيَّضنا النِّيَّة- فمثل هذا السؤال جوابه معلوم، والكيف معلوم والشواهد تجل عن الحصر.
السؤال المنطقي في تقدير كثيرٍ من أهل بلادنا هو: ماذا نريد نحنُ من الإمارات؟ بعد أن قدَّمنا لها ما لم تقدمه أي دولة أخرى، فمنذ صرخة ميلادها كان السودان أول دولة تعترف بالدولة الوليدة، ثمَّ رمينا لها فلذات أكبادنا ليُعَمُروها أكثر مما يفعل أهلُها، وفتحنا لضباطها أبواب الكلية الحربية السودانية منذ أن كان قائدها أبوكدوك ليتعلموا فيها المشي والحديث ولِبسَ القميص !!
لكن القاعدة الأساسية الراسخة فى السياسة أنها (لعبة قذرة) لا مكان فيها للعواطف ولا النوايا الحسنة وليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل هي مصالح دائمة، ومن هذا الباب جاء العنوان فى شكل السؤال أعلاه!!
بعيداً عن التلاسن وتذكير دولة الإمارات بأن جُزُرَها الثلاث المحتلة أولىٰ باهتمامها بدلاً عن النظر إلى أراضينا في الفشقة!! أو أن ميناء جبل علي تفوق طاقتة التشغيلية كل موانئ السودان مجتمعةً!! نقول نحن نريد من الأمارات أولاً :
-أن تلتزم بالقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين بلدان العالم. وأن ترعىٰ حقوق الإنسان المعلنة، وأن تُراعي القواسم المشتركة بين بلدينا -اللغة والدين- فليس بين بلادنا وبين الإمارات حدوداً مشتركة لنطالبها بسياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلادنا، فلا مكان هنا إذاً لتبادل الأذىٰ أو الأذىٰ المتبادل!!
-ثانياً: فى مجال التعاون الاقتصادي أو الاستثماري بين البلدين لو كان حكام الإمارات يطمعون أو يطمحون أو يحلمون بالتوسع وتنويع مصادر الدخل، وهذا حلم مشروع وممكن، لكن ليس بهذه الطريقة التى طالتها يد الإمارات في بلدان عربية غيرنا في اليمن وليبيا على سبيل المثال، فنحن نرحب بأي مستثمر يضمن لبلادنا حقوقها ولا يمس كرامة إنسانها، مثل ما كان يحدث في مشروع [أمطار] الإماراتي في شمال السودان الذي كان مُحرَّماً على كل السودانيين حلالٌ للناس من كل جِنسِ!! وتبيِّن بعد ذلك أن المشروع لم يكن سوىٰ قاعدة شبه عسكرية مخابراتية ولم يكن قصد الزراعة فيه سوى مظلة لتغطية نشاطات مشبوهة !!
وعن أراضي الفشقة وهي ماترنو إليه أبصار الطامعين من دول الجوار ومن ورائهم الإمارات وما فوقها من دول الاستعمار الحديث، نحن نريد أن تكون لنا مع الإمارات اتفاقيات واضحة و (عادلة) تحفظ حقوق المواطن السوداني وجميع الأطراف الأخرىٰ.
أمَّا الموانئ على سواحل البحر الأحمر- وهذه لعبة الإمارات المفضلة- فلدينا ساحل طويل على البحر الأحمر به الكثير من المواقع المناسبة لإنشاء موانئ، ولا تمانع بلادنا في استغلالها وحُسن إدارتها مع مراعاة حقوق جميع الدول المتشاطئة وضمان الممر الآمن للتجارة الدولية وما يتبع ذلك من حفظ للأمن والسلم الدوليين!!
-ثالثاً: أن تبادلنا الإمارات احترام قواعد العمل الدبلوماسي فلا يتدخل سفراؤها لدى بلادنا -الذين هم بالأساس ضُباط مخابرات- في ما لا يجوز للسفراء التدخل فيه، فنحن نعرف أين يقع الخيط الرفيع الذي يفصل ما بين العمل الدبلوماسي والنشاط الاستخبارى، ولم يُعرف عن سفراء السودان لدى الأمارات أو أي دولة أخرىٰ، مثل هذا السلوك المريب الذي كان يمارسه سفير الإمارات لدى السودان، فقاعدة المعاملة بالمثل والتي هي إحدى ٰ ركائز العلاقات بين الدول ليست غائبة عن ذهننا !!
أما الدور الشرير الذى تمارسه دولة الإمارات في حرب المليشيا على بلادنا فقد كفانا العالم أجمع مؤونة إثباته، وإن أنكرته الإمارات التي نريد منها أن تكفَّ أذاها عَنَّا، وتمتنع عن بذل الأموال لتوريد السلاح وجلب المرتزقة من أقاصي الكرة الأرضية لقتل شعبنا ونهب مواردنا التي جعلت من دبي عاصمة للذهب المنهوب من أرض السودان!! وأن تقوم بتعويض الضحايا وإعادة إعمار ما دمرته حربهم على الشعب السوداني.
مانريده من الإمارات هو بهذه البساطة، أن (حبابكم عشرة بلا كشرة) وبلا حرب وبلا تآمر وبلا استعلاء ولا فهلوة، وأنتم تعرفون الشعب السوداني الأبي الكريم، ولكنكم لم تعرفوا السوداني عندما يتملكه الغضب، فاتقوا الحليم إذا غَضِب، ولاتسلموا زمام أمر بلادنا لمستشاري الشتات !! الذين باعوا أرضهم وأوطانهم للذئاب المحتلين ويحاولون الاِستِئْسَاد على بلادنا !!
نقول هذا بين يدي تسريبات عن مفاوضات سودانية إماراتية سواءً أن كانت حقيقة أم مجرد شائعات فلا مشكلة في أن تتفاوض الدول في ما بينها،، مافى دولة أو جيش بيفاوض من تمرد عليه ومافي مليشيا بتحكم دولة، فكل القوانين المتعارف عليها والأعراف المستقرة كافةً، تحتم على شعبنا وجيشنا قتال المليشيا المتمردة حتى فناءها عن آخرها أو أن تضع سلاحها، واستسلامها واخضاعها للقانون العسكري، أو كما جاء في اتفاق جدة.
دون هذه الأشتراطات الواضحة والبسيطة والعادلة لن يكون هناك أي تفاوض كما قال وكرر ويكرر الفريق أول ركن البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالى القائد العام لقوات الشعب المسلحة، وهذا هو الموقف الواحد لجماهير الشعب السودانى قاطبةً، وشعاره المُعلَن (شعبٌ واحد جيشٌ واحد) فنحن ندافع عن حرمة أرض بلادنا، وكرامة شعبنا، ولا نتحدى أحداً ولا نطمع في ما ليس لنا بحق، والحقُّ أحقَّ أن يُتَّبع .
-اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اِتِّباعَه وأرنا الباطلَ باطلاً وأرزقنا اجتنابه.
