رأي

مابعد الفاشر، تفعيل دبلوماسية الحرب

السفير عطا المنان بخيت

تخوض بلادنا معركة كرامة شرسة، هى معركة وجودية تستهدف كيان السودان وأهله، بل تغيير السودان كله، ديمغرافيا وجغرافيا وأيدلوجيا. وهو مخطط كتب عنه الكثير، وشاهده السودانيون يقينا فى حملات التطهير والعنف الممنهج فى الخرطوم والجزيرة ويكشف اليوم عن وجهه الكالح في الفاشر.
في مواجهة حملات إستئصال الأمة لا بد من تعبئة كل قوى الأمة، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ويحدثنا التاريخ القديم والحديث أن وحدة الأمة وتماسكها في معركة الوجود هو المسلك الأوحد لإفشال مخططات زوال الأمة، مهما عظمت، وشواهد التاريخ المعاصر من فيتنام إلى أفغانستان تظل معالم بارزة وحافزة لنا، فى طريق تحرر الأمم.
وفي سياق حملة إستنفار الأمة قاطبة، تتعدد وسائل المقاومة وتتباين، لكنها فى خاتمة المطاف تتكامل لتحقيق الهدف المشترك والغاية المبتغاة. ويحاول هذا المقال أن يضع معالم فى طريق الدبلوماسية السودانية، وهي تحشد طاقاتها للدفاع عن الأمة في هذا المنعطف التاريخي الخطير، لتصبح دبلوماسية حرب.
في البدء لا بد أن نعيد النظر في مقولة رائجة في الدبلوماسية التقليدية فحواها أن الدبلوماسية والعسكرية متنافرتان ومتعارضتان، وهذا تفكير غير صائب، ففي الواقع إن الدبلوماسية والعسكرية تتكاملان، كل له وسيلة، ولكنهما يلتقيان في تحقيق الهدف الأسمى وهو الدفاع عن الأمة وصون كرامتها وأمنها القومى.
ويحفل تاريخ دبلوماسية الحرب بمقولات خالدة فى هذا الشأن، منها: مقولة الرئيس بوتين: من الأفضل أن تكون الذئب في الميدان، من أن تكون الحمل على المائدة. ومن قبله قال تشيرشل: إستخدم الخطاب الدبلوماسى للحفاظ على التحالفات، وفي الوقت نفسه لا تتردد فى إستخدام القوة. أما الداهية كيسنجر فقد قال: التهديد بالحرب هو الطريق الأقصر للسلام، لأن السلام لا يتحقق بالنوايا الحسنة.
من هنا جاء تعريف دبلوماسية الحرب بأنها فن إستخدام القوة لخدمة السياسة. فالدبلوماسية لن تكون فعالة إذا لم تسندها القوة، وأن القوة لن تحقق أهدافها مالم تستثمر على طاولة التفاوض.
لتفعيل دبلوماسية الحرب، تحتاج الدبلوماسية السودانية أن تحشد طاقاتها فى مجالات مهمة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ حشد الدعم الدولي لصالح السودان بالذات فى المنظمات الدولية والإقليمية وشبه الإقليمية، والإجتهاد في فرض السردية السودانية الصائبة للحرب المأجورة على البلاد. ومع الأسف ما نزال نسمع تعريفاً منحازاً وبعيداً عن الواقع لحرب المليشيا على السودان، حتى من ذوي القربى، وهذه قضية تحتاج الدبلوماسية أن تكون صارمة فيها تماماً.
ـ تعبئة الرأي العام العالمي للتفاعل مع مايدور فى السودان، مستغلين حالة التعاطف الكبيرة بعد مجازر الفاشر التي قامت بها المليشيا، ولا بد أن يكون خطابنا قوياً ومؤثراً ومتماسكاً. فقد شاهدنا تأثير الرأي العام الدولي في وقوفه إلى جانب محنة الشعب الفلسطيني في غزة. وهنا يجب أن تدرس الدبلوماسية السودانية أسباب ودوافع نجاح حملة أنقذوا دارفور فى مطلع هذا القرن، بالرغم من أن ما يدور الأن فى دارفور أسوأ وأبشع مما كان يروج له حينها.
ـ دفع المنظمات الدولية لتصنيف المليشيا كحركة إرهابية، وهذا التصنيف مهم لأنه يفرض تبعات كبيرة على كل دول العالم في تعاملها مع المليشيا. ونشير في هذا المجال أن جميع الجماعات والحركات الجهادية في منطقة الساحل مثل بوكو حرام والقاعدة فى بلاد المغرب العربي، وتنظيم الدولة إمارة أفريقيا، وغيرها، قد صنفتها الإدارة الأمريكية حركات إرهابية، بينما تمتنع حتى الآن عن تصنيف مليشيا الدعم السريع كحركة إرهابية بالرغم من أنها تمثل أكبر حركة جهادية إرهابية فى أفريقيا.
ـ إقناع الحلفاء والأصدقاء في كل العالم لفرض العقوبات المختلفة على المليشيا، والضغط الدبلوماسى على داعميها، ومواصلة تقديم الدعم العسكري والإنساني للدولة السودانية، وتقوية التحالفات العسكرية، ومحاصرة المليشيا وسادتها في كل المحافل.
ـ وعندما يحين الوقت لنقل الصراع من الميدان إلى طاولة التفاوض، تحرص الدبلوماسية السودانية على إدارة المفاوضات بذكاء، دون التنازل عن السيادة الوطنية. وبذلك تكون الدبلوماسية جبهة موازية لجبهات القتال بالبنادق.
وفى سبيل تحقيق ذلك على الدبلوماسية السودانية أن تستخدم كل كروت الضغط الكبيرة التي يمتلكها السودان، ومنها كروت مؤثرة جدا يمتلكها السودان فى الحفاظ على الأمن والسلم إقليميا ودوليا، بما فيها موقع السودان الجغرافي أو إمكانية توظيف حالة السيولة الأمنية في منطقة الساحل لزعزعة الأمن الأقليمى. ذلك إذا أرادت الدبلوماسية السودانية إستخدام سياسة العصا الغليظة، أما إذا إرادت إستخدام سياسة الجزرة ، فلدينا جزر كثير يسيل له اللعاب في عالم لا يعرف إلا لغة القوة أو المصلحة، ولنا في تجربة الكنغو الديمقراطية عبرة ومثل. وأنا ما بفصل والدبلوماسيون لا يقصرون.
لا شك أن دبلوماسية الحرب هي فن يصطحب المفاوضة والتهديد وربما القتال في المنابر، من أجل فرض الإرادة وحماية المصالح العليا للأمه السودانية، بغية تحقيق السلام بشروط المنتصر. وفى ذلك فليتنافس الدبلوماسيون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى