رأي

لن يكتمل النصر إلا!

 

علي عسكوري

انتصرنا ..نعم، نصرا باهرا… نعم، امتلاءنا زهوا وفخرا.. نعم.. كان عيدنا عيدين نعم، استعدنا كبرياؤنا الجريحة .. نعم، ادهشنا العالم نعم، سحقنا المليشيا ورددناها خائبة على اعقابها نعم…!

كل ذلك ممتاز ورائع ويستحق الاحتفال!

وكما ورد في حديثه صلى الله عليه وسلم، كان ذلك الجهاد الاصغر، انتقلنا الآن لمرحلة الجهاد الاكبر، جهاد النفس! شحها وانانيتها وقصر نظرها وذاتيتها وادعائها البائس بامتلاك الحقيقة وان الآخرين على باطل، وان عليهم ان يسمعوا ويطيعوا!

هل غيرتنا هذه الحرب ياتري؟! للاسف – حتى الان- لا اعتقد!

من واقع المتابعة لما يكتب ويقال، لم يتغير شىء، فما زال الجميع مرابطا في حياضه الايدولوجية مصمما على الزود عنها بالحق وبالباطل!

فاليسارين يعتقدون انهم اكثر يسارية من ماركس ولينين وستالين، اما الاسلاميون يعتقدون انهم اكثر اسلامية من الافغاني ورشيد رضا والبنا وقطبيون اكثر من سيد قطب!

مازال اليسار و الاسلاميين و الوسط عاكفين على ما عندهم متبتلين في محراب ايدولجيات الحرب الباردة التى تجاوزها العالم وطواها النسيان، ولكن القوى السياسية السودانية كما اثبت واقع الصراع ملكية اكثر من الملك!

الجميع صم كجلاميد الصخر لا يتزحزون وان كادت ريح بلادهم ان تذهب! يبحثون عن الفوراق حتى بين النمل ايهما الذكر وايهما الانثي!

ما جلسوا ليتحاوروا حتى علت اصواتهم بال(هرجي) والغلاط، وسرعان ما اجتروا تاريخ خلافاتهم منذ ان قتل قابيل اخيه هابيل! لا شيء يوقظهم من سباتهم حتى لعلعة السلاح داخل منازلهم! رغم ان الحرب اثبتت لهم ان (الجميع) مستهدف، وان بندقية الغزاة لا تفرق بينهم، لكنهم ينتظرون انتصار الجيش ليعودوا لما وجدوا عليه ابائهم من خلاف، حتى ليظن الانسان ان جميع خلافات البشر خرجت منهم!

من يا ترى يملك عصا سحرية، (ليلكز) القوم ليصحوا وينتبهوا لمجتمعهم ولبلادهم، وان هنالك طريقة افضل للتعايش وان هنالك طرق كثيرة لحل الخلافات.

فيما نعلم، ان الجيوش مهمتها الدفاع عن البلاد، اما بناء البلد وتطويرها فهو مهمة الجميع، وعندما اقول الجميع اعنى الجميع. فلكل فرد في المجتمع دور عليه ان ينهض به على افضل وجه، دون ذلك لن تقوم لبلادنا قائمة! فعندما يؤدى كل فرد منا واجبه على اكمل وجه وبكل ما يستطيع من مهنية، فستنهض بلادنا بالضرور. فالنهضة في نهايتها هي محصلة مجهودنا الكلي. اما ان ظللنا نعمل (بنص كلتش) فلاشك عندى اننا سننتهي الى ما انتهينا اليه من حرب مدمرة اخري، وستتخطفنا الامم وتذهب ريحنا!

علمونا في مقاعد الدرس ان مقومات النهضة، هى رأس المال والموارد الخ… الآن بدأت انظر شذرا لما درسناه، واصبحت قناعتي راسخة هى ان النهضة تعتمد تماما على عزيمة وتصميم اى شعب على النهوض، اما بقية العوامل تاتىء في المرحلة الثانية. اذ لا قيمة لرأس المال والموارد عند شعب لا يمتلك العزيمة والتصميم لاحداث النهضة وتغيير حياته للافضل!

لن يكتمل نصرنا ان لم نرم الماضي المثقل بالجراح خلفنا ونبحث عن ما يوحدنا. نحتاج ان نغير طريقة تفكيرنا ونركز على ما يجمعنا لا ما يفرقنا. في كثير من الاحيان افكر في ماذا نحن مختلفين! فان كنا مختلفين على الوطن فاليذهب كل منا لحاله، فذلك امر لا علاج له! وترسخت عندى القناعة ان مكونات المليشيا مختلفة مع الاخرين حول الوطن لذلك لم تتردد في تدميره، اذ لو كانت تعتقد ان السودان هو وطنها لما دمرت مؤسساته وبنياته التحتية!

اما إن كنا مختلفين على طريقة التعايش مع بعضنا البعض، ففي تجاربنا و التجارب الانسانية ما يكفي من حلول يمكن استقاء الدروس منها لوضح حد للحروب و دمار الذات!

 

ان الكراهية والاحكام المسبقة والايدولوجيا العمياء والتطرف من كل نوع لن يبنوا لنا وطنا، بل هم وصفة ممتازة لتمزيق ما هو ممزق اصلا.

ما نحتاجه هو رمي كل هذه العلل خلف ظهرنا والبحث عن المشتركات وتقويتها، والالتزام الصارم بحقوق المواطنة والتمكين للصراع السلمى الذى يفضي الى تداول السلطة، مع اعلاء رأية المحاسبة على التقصير اوالفساد.

ان الواجب يقتضي على دعاة الاستنارة في كل المكونات السياسية، العمل الجاد على تثبيت القيم والمفاهيم الضابطة لحق الجميع في العيش بسلام، صرف النظر عن ما يحملون من فكر، وعليهم الاتفاق ان لا تكون مهمة السلطة تفتيش ضمائر الناس، او التضييق عليهم او ملاحقتهم بسبب افكارهم، يمينا او يسارا!

لن يكتمل النصر حتى تصبح القوى السياسية مصدر لانتاج الافكار والبرامج والحلول وليس قوى لافتعال المعارك والجدل البيزنطى العقيم وطريقة اركان النقاش بالجامعات..!

 

مثلا، تتحدث غالب القوى السياسية عن شعارات مثل حقوق المواطنة، الحكم الفدرالي، التقسيم العادل للسلطة والثروة الخ… رغم ذلك لا يجد المتابع تصورا تفصيليا لهذه الشعارات. للاسف، لا تنتج القوى السياسية اى دراسات تفصيلية او تصورات عن هذه القضايا، فقط تبقي شعارات تذكرها في البيانات التى تصدرها من حين لآخر.

علينا الاعتراف ان الجيش ليس من مهامه انتاج الافكار لحل المشاكل السياسية، تلك هى القضية الاساسية للقوى السياسية، فهل تخطت القوى السياسية مرحلة الشعارات..! مثلا هل اصدر انصار السنة، المؤتمر السودانى، حزب الامة او البعث تصورا للحكم الفيدرالى وطرحوه على الناس! والحال كذلك ما جدوى وجود القوى السياسية وهى عاجزة عن طرح اى افكار او تصورات عملية للمشاكل التى تواجه بلادنا! ولأن حياتنا تتسم بالسبهللية اصبح من السهل على كل خمسة اشخاص تكوين حزب سياسي ورفع ذات الشعارات!

لكل ذلك اري انه اصبح من الضرورى تغيير قانون الاحزاب بما يتيح حل الاحزاب التى لا تنتج افكارا او برامج مكتوبة لمخاطبة القضايا التى تواجه بلادنا، لأن جوهر مهمة الاحزاب هو طرح البرامج والحلول وليس العراك الكلامى الاجوف المكرور!

لن يكتمل النصر حتى نفتح جميعا صفحة جديدة قائمة على الاخاء واحترام بعضنا البعض والبعد عن ملاحقة خصوصيات الافراد والمواطنيين للتشهير بهم لتحقيق مكاسب سياسية.

لن يكتمل النصر حتى نقر جميعا بأن السودان هو وطننا واننا جميعا متساوون في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن افكارنا، فحقوق المواطنة لا علاقة لها بما يحمل الانسان من فكر.

لن يكتمل النصر حتى نعترف اننا اخطأنا في حقوق بعضنا البعض، وان المسؤولية تقتضي علينا تغيير طريقة تفكيرنا تجاه انفسنا وبلادنا خاصة و أننا نعيش وسط غابة من الذئاب تتربص بنا وبلادنا. لن يكتمل النصر حتى نلتزم بأن نترك للاجيال القادمة بلادا فيها شيء من مقومات الحياة يستطيعوا البناء عليه وتطويره ليكونوا مكونا فاعلا في المجتمع الانسانى.

نواصل

 

*هذه الارض لنا*

 

نقلا عن “أصداء سودانية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى