تقارير

«لن نهرب أبداً»: داخل الحصار الخانق لمدينة الفاشر السودانية

على مدى 500 يوم، ظل 260 ألف شخص محاصرين بواسطة قوات الدعم السريع. بينما يتعثر التقدم السياسي، يُقتل من يحاولون الهرب، ويواجه من بقوا في الداخل المجاعة. الخبراء يعتقدون أن المدينة ستسقط قريباً، وأن النهاية قد بدأت.

لم يكن من غير المعقول أن تتصور مريم عبد الغفّا أن حياتها كجدة ستكون مختلفة تماماً. لكن صباح يوم 11 أغسطس، وجدت نفسها منحنية في خندق، تنتظر الهجوم التالي.

جاء الهجوم بعد الفجر. صوبت بندقيتها الكلاشينكوف القديمة نحو سيارات الدفع الرباعي المسرعة باتجاهها. الصواريخ كانت تصرخ فوق رأسها. الطائرات المسيّرة الانتحارية، بحجم الطائرات الخفيفة، كانت تحوم في السماء. القذائف كانت تتساقط.

اختفى صف من البيوت الطينية القريبة. الانفجارات اقتربت أكثر فأكثر. فجأة أُلقيت أرضاً. رقبتها ابتلت بالدماء.

تم نقل الأم ذات الخمسة أبناء بعيداً عن خط الجبهة: سيارات الإسعاف في الفاشر نفد وقودها منذ شهور. ضغط أحدهم بقطعة قماش على عنقها. الضمادات نفدت. لا أدوية أيضاً.
تقول فاطمة علي: «لم نكن نستطيع أن نخسر مريم. كانت مقاتلتنا الأكبر سناً».

في مكان آخر من المدينة، كانت سارة بخيت منحنية بجوار مدفعية قرب المطار المهجور. أصدرت أوامر بنيران تغطية لمنع قوات الدعم السريع من اجتياح موقع عبد الغفّا.

هذه الأم العزباء ذات الـ43 عاماً، المشهورة بابتسامتها العريضة الخالية من أحد الأسنان، كانت أسطورة في الفاشر، نجت من أكثر من 150 معركة. الجميع كان متفقاً: إذا سقطت، ستسقط المدينة معها.
تقول: «لكن القتال أصبح خطيراً جداً. قناصتهم يستهدفونني باستمرار».

التقارير أشارت إلى أن قوات الدعم السريع تتقدم جنوباً، أعمق داخل المدينة، في محاولتها للسيطرة على آخر معقل للجيش السوداني في دارفور. النساء كن يُختطفن. وأخريات يُعدمن فوراً. تقول بخيت: «نحن نقاتل من أجل البقاء. ليس أمامنا خيار سوى حماية أسرنا».

ست ساعات ظلّت المعركة تتأرجح بين الكرّ والفرّ. ثم انسحبت قوات الدعم السريع فجأة إلى خنادقها المحيطة بالمدينة.
ابتهجت بخيت، لكن الليلة لن تشهد أي وليمة. فقد نفدت مؤن الطعام في المدينة.

الفاشر كانت تحت الحصار لأكثر من 500 يوم. في مايو 2024، حذّرت الأمم المتحدة من أنها على «حافة المجاعة». لم تدخل أي مساعدات منذ ذلك الحين.
معركة أغسطس، التي أصيبت فيها عبد الغفّا، كانت المحاولة رقم 228 لقوات الدعم السريع للسيطرة على المدينة.

لا تزال معركة الفاشر هي المواجهة الحاسمة في حرب السودان الكارثية بين الجيش وقوات الدعم السريع. سقوطها بيد الدعم السريع يعني السيطرة الكاملة على غرب السودان، وشطر البلاد إلى نصفين.

ورغم كل الصعاب، لم تسقط الفاشر بعد. المدافعون عنها — خليط من متطوعين مثل عبد الغفّا، ومتمردين مثل بخيت، وكتيبة مشاة منهكة — محشورون الآن في جزء صغير من المدينة المدمرة، مع 260 ألف مدني محاصر، نصفهم أطفال.

يقول شيلدون يت من اليونيسف: «إنه حصار من العصور الوسطى؛ شيء تتوقع حدوثه في القرون الوسطى».

لكن المساعدات لم تدخل منذ نحو 18 شهراً. والسبب، بحسب وثائق مسربة ومصادر استخباراتية ومسؤولين رفيعين في الأمم المتحدة، يثير أسئلة عميقة حول أولويات المجتمع الدولي.

تشير الأدلة إلى أن حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة والمملكة المتحدة تدخل بشكل فعّال لإفشال دخول المساعدات المنقذة للحياة إلى الفاشر.
لقد تدخلت الإمارات العربية المتحدة في مرحلة حاسمة؛ ويُعتقد أن مئات الأطفال ماتوا جوعاً منذ ذلك الحين.

مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية ناشدوا الدولة النفطية مباشرة لدعم هدنة والسماح بدخول المساعدات إلى الفاشر. كما تفاوض مسؤولو الأمم المتحدة الإنسانيون مع أبوظبي — لكن دون جدوى.
الإمارات، المتهمة مراراً بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، تنفي دعمها للجماعة.

لكن مصادر مطلعة تراقب الأزمة تقول إن أحد أطول الحصارات الحضرية في الحروب الحديثة لم يكن ليحدث لولا هذا الدعم.
«الإمارات هي شريان حياة الحصار. بدون دعمها، كانت قوات الدعم السريع ستتخلى عنه».

تُظهر التقديرات الاستخباراتية أن قوات الدعم السريع عازمة على التطهير العرقي إذا سقطت الفاشر. النماذج التنبؤية تتوقع مجازر بالآلاف.

كما أكدت هذه التقديرات أن قوات الدعم السريع أرادت اجتياح المدينة خلال موسم الأمطار، الذي بدأ في يونيو، حيث الغيوم تُعيق الأقمار الصناعية من رصد جرائم الحرب.

ومع اسوداد سماء يونيو فوق الفاشر، تم استدعاء عبد الغفّا إلى الجبهة الشمالية للمدينة. قوات الدعم السريع كانت تحشد تعزيزاتها. لقد بدأت النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى