لن تسير لوحدك أبداً

لـواء رُكن (م) د. يـونس محمود محمد
الشعار لفريق كرة القدم الإنجليزي الشهير ( *ليفربول* ) الذي أُنشيءَ عام 1892م والذي يلعب له اللاعب المصري الأشهر ( *محمد صلاح* )
والشعار تضامنيّ، كأنه وثيقة عهد بإقتسام الحلوة والمُرّة، عبر مشاوير التنافس وتقّلبات أحوال كرة القدم ( *المُستديرة* ).
وكذلك يستنبط المشاهد العادي وهو يتداول صور وفيديوهات الجيش السوداني وتحرّكاته عبر محاور القتال ومناوراته بالقوات والنيران، وإقتحاماته حصون الجنجويد وتحريره المدن وفكّه القُرى الأسيرة وتطهيره للمرافق، والكباري والطُرقات، مشاهده وهو يتنقّل عبر مداخل الأحياء السكنية والأزقّة والحواري و البيوت، يلحظُ جيلاً من الشباب المستنفرين حملوا البندقية بدفع وطنيّ، ووازع ذاتي، تجاوزوا به حالة الخوف التي تعتري حتى أفضل الناس في معية الرسول ﷺ حين زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وغشيتهم مذاهب الظنّ، والإبتلاء والزلزلة، وكلها أحوال تعتري كل الناس إلّا من أنزل الله عليه السكينة، والسكينة هي حالة إستقرار وتوازن نفسيّ تظلّل الإنسان وتحميه من تأثيرات المحيط المضطرب حوله، وتضبط سلوكه فلا يصل إليه الرُعب والإنهزام النفسي، وذلك تراه العين جليًا في تسجيلات الشباب من داخل الميدان ( *على قِلّتها* ) قياسًا بالحوادث الميدانية، ويوميات القتال المستمر لعامين كاملين، هؤلاء الشباب الذين ملأوا كل المساحات الخالية في عضوية القتال في القوات المسلحة التي تعتمد في الأصل على القوة العاملة وقوة الإحتياط، وبرغم المجهودات التي بُذلت لتقنين قوة الإحتياط وتأهيلها تنظيميًا ورفع درجات جاهزيتها القتالية تدريبًا وتسليحًا، وممارسات قبيلة، إلا أن الأوضاع الإقتصادية، والقرارات السيادية ( *لظروف* ) لم تُسعف بالتكوين، ولكنّ الإحتياطي الإستراتيجي من ( *القيّم والحِس الوطنيّ* ) المخبوء في عُمق الشعب، كان ككنز الأب الصالح في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح، وجدار الصبر ما يزال قائمًا لم ينقض، فما إندلع حريق حرب الجنجويد وتجاسروا على ( *الجيش* ) وأحاطوا به من حدبٍ وصوب، وظنّوا أنهم بالغوا أمرهم منه، حتى إنشقّت الأرض عن ( *كنز الإحتياط* ) الذي لم يكن ذهبًا ولا ورقًا ( *فضّة* ) وإنما كان وحيًا جهاديًا، وروحًا تملأ الوجدان حتى تنتفض العروق، وشجاعة تتلبس الصغار حتى فيقدمون إقدام الفوارس الجهابذة، حيث شكّلت صيحات إستغاثات الحرائر من إستحيائهن بهؤلاء الأوباش، وصرخات الخوف، وأنّات الرجال تحت سياط الإهانة والتعذيب، وبذاءات ما يتلفظ به الجنجويد من تحدٍ، وسخرية ووعيد، وما رسمته مشاهد النزوح، والإخراج القسريّ من البيوت، ومعاناة النزوح واللجوء، وزمر الناس على الدروب وهم يساقون إلى المجهول، كلّها صاغت التحدي الوجودي الذي إصطدم به السودان، دونما سابق إستعداد أو حتى تصوّر لهذا المآل، ولذلك توحّد وجدان الشعب كله ( *عدا القحاطة* ) على خوض معركة الكرامة بكل ماعنده من مذخور، وكان أغلى هذه المذاخير هم الشباب، فما بخلوا، وما توانوا ثم المال الذي بذله الناس سرًا وعلانية نفقةً في سبيل الله، لتجهيز المجاهدين، ولإيواء النازحين، ولعلاج المرضى، وكل صور التكافل الإجتماعي، هذا على ( *العموم* ) بالطبع مع وجود الإستثناء.
لن تسير لوحدك أبداً قالها لسان حال الشعب لجيشه، وبالفعل رافقه كل المشاوير، لا يطئون موطئًا يُغيظ أركان المؤامرة ولا ينالون من الجنجويد نيلاً إلّا وكانت وفود الشباب شريكة بالأصل، ما إقتحم الجيش وتقدّم ، وما تمترس ودافع، ولا ركز رايةً في ربوة من الرُبى إلّا وكانت سواعد الشباب إلى جانبه، تشد أزره، وتشاركه أمره.
وقد تقفى كثير من الشباب آثار آبائهم قصصًا، فوجدوا آباءهم تمامًا عند الموعد في مجامع الحكمة، ومن عجب قد ذكر العلّامة الدكتور ( *جعفر ميرغني*) أنّ مجمع البحرين عندنا هنا في السودان بل في الخرطوم مناط التحدي الآن .
وقد روت الأحداث سِيّر الشباب الذين إلتحقوا بآبائهم في ميدان المعركة: مهند إبن الفريق آدم هرون مشرف متحركات الشرق.
مزمل إبن اللواء أمن عبد الهادي، وآخريين غيرهم
وكذلك إلتقى الأشقاء ، واستشهد أشقاء ، بل واستشهد والد وولده ، وحفيده .
إنه عطاءٌ غير مجذوذ، بلا رجاء ولا أجر، فقط رغبة فيما عند الله، ودفعًا لهذا العدوان السافر الوقح الذي خاب بكل ما جهز به من قوة وعتاد، ولكنه عتاد بلا ( *روح* ) لأنها ليست سلعة يمكن أن توفّرها ( *أموال الشر* ) .
والجيش الذي يحيط ويطبق الآن على جيوب الجنجويد المذعورة في آخر معاقلها في الخرطوم، هو الجيش الذي إلتحم متحركه الصيّاد بليوث الهجانة في الأُبيض ( اليوم ) وكنس كل أوشاب الجنجويد في شمال كردفان، وهو ذات الجيش الذي يطرق أبواب الطريق الى الدلنج بعدما حرّر ( *الكرنغل* ) ( اليوم ) التي ما تزال بقايا ألوان علم الحركة الشعبية ( *دولة الجنوب* ) مصلوبة على حوائطها، هو ذات الجيش الذي إقتحم القطينة ( اليوم ) واستخلصها لوطنها، بعدما إستنزفها هؤلاء القتلة، وأزهقوا أكثر من ست مئات من الأنفس البريئة، انتقامًا مما لحق بهم من عار الهزيمة.
هو ذات الجيش الذي رفع ( اليوم ) تمام محلية بحري خاليةً من دنس ورجس الجنجويد. فأي يوم مبارك من أيام النصر هذا !!
وهو أي الجيش إذ يفعل كل هذا المستحيل ويسطّر هذه البطولات، ويُرغم التاريخ أن يجثو ليكتب ما تُمليه يوميات القتال ضد أكبر مؤامرة دولية تُحاك في العصر الحاضر هذا، يفعله لأنه علم أنه لن يسير لوحده أبداً ، فهو في رفقة شعب وفيّ، وبمعيّة رجال صناديد، وفي حِمى كنف عزيز، وفي إعتبار كريماتٍ عِفاف.
*لن تسير لوحدك أبداً يا جيشنا*
*وكلّنا جيش*