لماذا يستسهلون الاستفزاز؟

إبراهيم عثمان
لماذا يستسهل جماعة “صمود” استفزاز المواطنين والجيش والقوى السياسية بدفاعهم المستمر عن العدوان الأجنبي؟ في تقديري الأسباب كثيرة يمكن معرفتها من سلوكهم، لكن من أهمها:
: ما يخص الإسلاميين:
* يتصرف قادة “صمود” وكأن المعتدي الأجنبي يستهدف الإسلاميين فقط، والمعلوم أن طريقتهم في التعامل مع الإسلاميين هي منتهى الاستفزاز، وإسقاط الآدمية، وتشجيع الدوس. ويصعب عليهم الفصل التام بين فئات رافضي العدوان، ويتسرب شيء هذه الروح العدائية إلى موقفهم العام، ويستفز عامة المواطنين والقوى السياسية.
* يرون أنفسهم كممثلين لمعسكر “الاعتدال” ضد “معسكر الحرب”، ومؤخراً أصبح “معسكر الإرهاب”. وهذا يبرر في نظرهم استفزاز “الإرهابيين”، كجزء من معركة مصيرية للقضاء عليهم. فإذا كان خصمهم “إرهابياً” يجوز استفزازه بدعم محاربيه، فإن من يجمعهم معه موقف واحد مضاد للعدوان هم “داعمو الإرهاب” الذين يستحقون استفزازاً يتناسب مع صفتهم هذه، وحتى إن لم يُقال هذا صراحةً، فهو ينعكس عملياً في المواقف.
ما يخص المعتدي الأجنبي؛
يتفقون مع الناس في النظر إلى العدوان كقضية وجودية، لكن بالتضاد الكامل معهم، فالناس ينظرون إلى العدوان الأجنبي كمهدد وجودي لبلدهم وسيادته، وجماعة صمود يتعاملون معه كداعم مهم لوجود نفوذهم.
يحاولون الموازنة بين الدعم السياسي والأعلامي للمعتدي الأجنبي، وإظهار التضامن مع المواطنين/ الضحايا، ويصعب عليهم تحقيق هذا التوازن. لأن موقف المواطنين ضد العدوان جذري، ولا توجد منطقة وسطى يعمل فيها هذا التوازن ويحقق غرضيه. ولانعدام المنطقة الوسطى، ولعدم رغبتهم في الاصطفاف ضد المعتدي الأجنبي فهم يقفون في المنطقة الأقرب إليه.
يعتقدون أن جمهورهم سيتفهم مواقفهم وأن بقية المواطنين يمكن استمالتهم أو خداعهم بمواقف ضبابية، او حتى تجاهلهم، أما الحليف الأجنبي المعتدي فلن يقتنع إلا بمواقف علنية ترضيه.
ما يخص عامة المواطنين:
يتعاملون مع المجتمع بوصفه كتلة انفعالية غير عقلانية. ويرون أنفسهم أقلية مستنيرة في مواجهة جماهير “متعصبة” أو “مغيبة”، فيفسرون الغضب الشعبي ضد العدوان وضد مواقفهم باعتباره انفعالاً يجب تهذيبه أو وعياً زائفاً يجب تصحيحه. وهذا الإحساس بالتفوق يلغي في وعيهم شرعية أي موقف شعبي مخالف، ويحول الاستفزاز إلى ممارسة مبررة.
يعيشون داخل فقاعة إعلامية مغلقة تعيد إنتاج قناعاتهم، وتضخم رواياتهم، وتقلل وعيهم بحجم القطيعة بينهم وبين المزاج العام، فيتعمق انفصالهم عن المجتمع.
يعوّلون على ضعف أو عدم استدامة المساءلة المجتمعية، وضعف المحاسبة المؤسسية، ويعملون في فضاء يسمح بتجاوز الغضب الشعبي دون كلفة فورية ملموسة، مما يشجعهم على الاستمرار في الاستفزاز.
يعتقدون في جدوى “الاستفزاز منخفض الكلفة”، باعتبار أن الغضب الشعبي لا يترتب عليه أثر كبير دائم، وأن كلفة إرضاء الحليف الخارجي أقل من كلفة الاصطفاف مع الداخل، فيتعاملون مع الاستفزاز بوصفه خياراً محسوب العائد.
يراهنون على تسوية سياسية تبقي على الميليشيا والمعتدي كعنصرين فاعلين في السياسة، وتعيد توزيع الشرعية، وتعيد إنتاج صورة المعتدي الأجنبي، وتعاقب الإسلاميين، ويؤمنون بأنها ستخلق مزاجاً عاماً جديداً يمتص هذا الاستفزاز والغضب الناتج عنه ويقلب مفاعيله لصالحهم.
ما يخص الجيش:
* يظنون ظناً بالغ السوء به، وهو أن تكامل الضغط العسكري في الميدان، والضغط الدبلوماسي الخارجي، سيؤدي في نهاية المطاف إلى قبوله بتسوية تعيد إنتاج صورة الميليشيا والمعتدي الأجنبي، وان هذا سيسري أيضاً عليهم ويلغي مفعول الاستفزاز والغضب ويحول اتجاهه ناحية داعمي الجيش ليأخذ كل منهم نصيبه الذي يتناسب طردياً مع حجم دعمه.
ما يخص بقية القوى السياسية
لا يهتمون كثيراً بمواقف بقية القوى السياسية، إذ يظنون أنها ستتناسى الاستفزاز مع مرور الوقت، وأنها ستتاقلم مع وضع ما بعد التسوية المفروضة، وأن همها حينها سيتركز على تعظيم ما تمنحه لها “صمود”.
كما اتضح يتعاملون مع المعتدي الأجنبي كداعم لنفوذهم، ومع استفزاز الإسلاميين كواجب، ومع سريان هذا الاستفزاز إلى الآخرين كأمر غير مكلف. فالمجتمع عندهم جهة يمكن إدارة غضبها، والجيش عقبة يمكن كسرها، والقوى السياسية طرف يسهل ترويضه. لكن كل المؤشرات ــ حتى الآن ــ تقول إن حساباتهم خاسرة، وإن ما خسروه يساوي أضعاف ما كسبوه وما يؤملون في كسبه من المعتدي.



