لماذا لم يخاطب حميدتي الأمم المتحدة هذا العام؟

خالد محمد أحمد
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، دأب الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) على مخاطبة اجتماعات الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة سنويًّا عبر رسائل مسجَّلة بدافع خلق الندِّيَّة والتوازن محليًّا، وتكريس حضوره على المسرح الدولي، وانتزاع اعترافٍ ضمني به فاعلاً سياسيًّا وعسكريًّا لا يمكن تجاوزه في معادلة السودان. غير أن صوته غاب هذا العام عن المنبر الأممي.
فهل مردُّ هذا الغياب إسناد مهمة إلقاء كلمة السودان أمام الأمم المتحدة هذه المرَّة إلى رئيس الوزراء كامل إدريس، بدلاً من رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان؟
يجوز هذا الربط في ظلِّ انتفاء التناظر بين البرهان وحميدتي هذا العام؛ فظهور الأخير موازيًا لحضور إدريس (المدني)، الذي تحيطه هالة الاعتراف الأممي، كان من شأنه ترسيخ عدم (شرعيَّة) ما يُسمَّى حكومة (تأسيس)، التي نصَّب نفسه على رأسها.
كان حميدتي يطلُّ في خطبه السابقة على المنظمة الدوليَّة بصفته قائدًا لقوات الدعم السريع. أمَّا اليوم، فقد ألبس نفسه ثوبًا آخر، وهو رئاسة حكومةٍ مدنيَّة. وهنا تكمن المعضلة؛ فإنْ عاد إلى صفته العسكريَّة، قوَّض مكانة حكومته المولودة سفاحًا، وأظهر وجهها العسكري الحقيقي، وإنْ تمسَّك بصفته المدنيَّة، اصطدم بجدار الشرعيَّة الدوليَّة، إذْ لم تعترف الأمم المتحدة، ولا الاتحاد الإفريقي، ولا أيّ منظمةٍ دوليَّة أو إقليميَّة أخرى بكيانه الجديد.
كان بالإمكان خلق تناظرٍ وزاري مدني بتكليف محمد حسن التعايشي بإلقاء كلمةٍ باسم الكيان الجديد؛ غير أن هذه المبادرة كانت ستتحطَّم هي الأخرى عند صخرة الشرعيَّة، التي تخطَّتها حكومة إدريس.
الأرجح أن القرار لم يَعُد رهنًا بإرادة حميدتي وحده كما كان في السابق حين كان الدعم السريع يتحرَّك بمعزلٍ عن شركاء داخليين. أمَا وقد ذابت الميليشيا في كنف الحكومة المزعومة، فقد تباينت الآراء وتناقضت، وبرز حرصٌ على اتقاء ما قد يجرُّه ذلك من حرجٍ سياسي ومهزلةٍ دبلوماسية كان بوسع ميليشيا لا تُقيم وزنًا للأعراف أن تتحمَّل وزرهما بمفردها.
يكشف غياب حميدتي مأزق الدعم السريع في معركة سعيه المحموم إلى اكتساب شرعيَّةٍ خارجيَّة؛ فبعد أن حاول حميدتي أن يتقمَّص دور حامي الانتقال الديمقراطي، إذا به يجد نفسه أسيرًا لإرثه العسكري المثقل بالاتهامات والانتهاكات من جهةٍ، ومكبَّلاً بعجز حكومته الكسيحة عن بناء شبكة اعترافٍ دولي أو حتى إقليمي من جهةٍ ٍأخرى. ولعلَّ الأمم المتحدة، التي تبحث عن (عنوانٍ واحد) للتعامل مع السودان، لم ترَ في حميدتي ذلك العنوان، لا بصفته العسكريَّة ولا المدنيَّة.
يشكِّل هذا الغياب ضربةً ثلاثيَّة لحميدتي شخصيَّا، ولقوات الدعم السريع، ولحكومته المزعومة؛ فتطفُّله بمخاطبة هذا المحفل الأممي المهم كان نافذةً ديكوريَّة يوظِّفها إعلاميًّا في حرب السرديَّات، ويطلُّ من خلالها ليصنع توازنًا داخليًّا، ويفرض روايةً موازية دوليًّا، ولكن يبدو أن الدفع بإدريس إلى الواجهة العالميَّة هذا العام قد خلط أوراقه، وحرمه من هذه الورقة ومن رمزيَّتها.



