لماذا فشل مؤتمر فرنسا في الشأن السياسي؟

زين العابدين صالح عبد الرحمن

 

انتهى مؤتمر الدعم الإنساني للمتضررين من الحرب في السودان، والذي عقد في فرنسا وانتهت أعماله أمس الثلاثاء 16\ 4\ 2024م، وكانت كل من فرنسا وألمانيا إلى جانب الاتحاد الأوروبي قد دعوا لعقد المؤتمر للدعم الإنساني لكنهم ألحقوا به عملاً سياسياً بهدف خلق أرضية مشتركة بين القوى السياسية بهدف إعداد مشروع سياسي يبدأ بعد وقف الحرب.. إلحاق العمل السياسي بالمؤتمر هو الذي أعطاه هذا الزخم الإعلامي. باعتبار أن الصراع السياسي بين المكونات هو الذي جعل أن تكون هناك حالة من الترقب والتوجس، باعتبار أن فرنسا وألمانيا إلى جانب الاتحاد الأوروبي يريدون إعادة إحياء “الإتفاق الإطاري” مرة أخرى هذه المرة تحت رعاية فرنسا وألمانيا بعد فشل تجربة وزارة الخارجية الأمريكية التي رعتها مساعدة وزير الخارجية “مولي في” التي كانت قد جمعت قيادات قحت المركزي مع ممثلين للمكون العسكري في بيت السفير السعودي..

عندما طلبت قحت “المركزي” أن تعقد اجتماعها العام في القاهرة؛ كان برغبة أوروبية على أن تفتح حواراً مع القوى السياسية الموجودة في القاهرة، ولكي تسهل عملية فتح الحوار السياسي بين القوى السياسية ليكون موازياً للحوار العسكري الذي كان جارياً في منبر جدة. توجست قحت المركزي من الخطوة واكتفت بالبيان الذي أصدرته في ختام اجتماعها بالقول “أن يكون هناك حواراً شاملا ما عدا المؤتمر الوطني” ثم جاء اجتماع “تقدم” في أديس أبابا وتقدم صنيعة أمريكية عادت لكي تعدل في بيان القاهرة لقحت المركزي بما يتعلق بالحوار السياسي مع القوى السياسية فوضعت شرطاً “ما عدا المؤتمر الوطني والإسلاميين بكل مكوناتهم” وهذه الفقرة تؤكد قوة نفوذ وأثر “الجمهوريين” في المجموعة. ولكن الذي أتضح للأمريكان والأوروبيين أن “تقدم” عجزت أن تضيف أي قوى جديدة غير القوى التي بدأت بها تكوينها. وأيضاً كشفت لهم سبب فشل حمدوك في القاهرة الذي عقد حوارات واسعة مع القوى السياسية وتجمعات السودانيين. حيث اكتفى حمدوك بلقاء مع الأمين العام للجامعة العربية ووزير المخابرات اللواء كامل عباس، وتخوف حمدوك من لقاء مع السودانيين في القاهرة.. الأمر الذي أكد للغرب وأمريكا أن تقدم لا تستطيع أن تقدم أكثر من الذي فعلته، وبالتالي لابد من البحث عن طريقة أخرى لجمع المكونات السودانية في حوار مفتوح.

إن اللقاءات التي كانت قد عقدتها الدبلوماسية الأوروبية مع العديد من القيادات السياسية والمهتمين بالشأن السياسي في القاهرة، أكدوا لهم أن جمع المكونات المختلفة في قاعة واحدة من أجل حوار مفتوح سوف تدفع لبناء الثقة بين تلك المجموعات. خاصة هناك البعض الذين يلهثون من أجل السلطة، وهؤلاء كانوا يؤكدون في كل لقاء مع الدبلوماسيين الغربين أن الاتحاد الأوروبي قادر أن ينظم مثل هذا الحوار.. واقتنعت كل من فرنسا وألمانيا وسفير الاتحاد الأوروبي بتوسيع أجندة المؤتمر الإنساني لكي يشمل أجندة سياسية على هامش المؤتمر الإنساني.. وكما ذكرت في مقال أمس أن أغلبية الحضور كانوا من الذين  حضروا الورش التي كانت تقيمها المنظمات الغربية في كل من كمبالا ونيروبي قبل سقوط نظام الإنقاذ وبعده كانوا يتجاوزون عضوية الأحزاب التقليدية..

المؤتمرات السياسية التي تعتقد خارج البلاد، وبتمويل خارجي، لا تستطيع أن تعالج مشاكل السودان السياسية، لأنها تتوهم أنها تحاول أن تقدم قوى “حديثة” تتجاوز بها الأحزاب التاريخية ذات القاعدة الاجتماعية العريضة، الأمر الذي يصبح عاملاً لفشلها.. أن القوى الحديث تعتقد أن وصولها للسلطة إذا كانت برافعة خارجية أو غيرها بعيداً عن الانتخابات سوف يعطيها فرصة أن تستخدم مؤسسات الدولة لبناء قواعدها الاجتماعية، وهي دعوة شمولية مغلفة ومدعومة بالغرب الذي يبحث فقط عن مصالحه.

مؤتمر فرنسا الشق السياسي أعلن فشله السلطان بحر الدين الذي ألقى كلمة محترمة جداً ثم انسحب باعتبار أن هذا المؤتمر لن يعالج المشكلة التي جاء من أجلها، والحوار كشف عن هوة الاختلاف بين المجموعات التي يراهن عليها الغرب.. هناك تظل قيادات لا ترى في كل هذه الأزمة غير محاصصات السلطة.. وهناك من يرى أن أي حديث الآن عن المحاصصات لا يعالج الأزمة، ولا يوقف الحرب.. السيد جعفر الميرغني نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل قد اختار كلمات خطابه بعناية فائقة لكي يجعلها تعبر عن كل الحركة الاتحادية بمختلف مجموعاتها إلا القلة، فكان الخطاب يتماشى مع الإرث النضالي والسياسي للآباء المؤسسين، وفي نفس الوقت حدد أبعاد الموقف بوضوح دون لبس فيه.. إن الخطاب جاء يؤكد موقف الجماهير الاتحادية الداعم للشعب الذي أعلن انحيازه للجيش منذ بداية الحرب.. قال جعفر الميرغني (جاءت مشاركتنا في هذا الملتقى المهم حرصا منا على تعزيز التواصل مع المجتمع الدولي. وإيصال الصوت الوطني السوداني في المحافل الدولية، والتعبير عن رؤى القوى الوطنية السودانية المتمسكة بوحدة السودان، والمؤمنة بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية القومية والدستورية، وفي مقدمتها القوات المسلحة السودانية الحامية لتراب وحدود البلاد والضامنة لوحدة وأمن وسلام السودان) وأضاف جعفر قائلا (إننا نطالب الاتحاد الأوروبي بعدم تسيس المساعدات الإنسانية، والتعامل مع هذا الملف من منظور إنساني وليس سياسي، وندعوه للمساهمة في معالجة جذور الأزمة وليس أعراضها فقط، وذلك من خلال إدانة وتجريم اعتداءات الدعم السريع على المواطنين و احتلال مساكنهم ومهاجمته لقوافل الإغاثة، مما أفضى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان) إن الخطاب عبر حقيقة عن الموقف الاتحادي في الأزمة والحرب.

لكن الميرغني فوت فرصة كبيرة، كان عليه أن يقف ولو لبرهة مخاطباً السودانيين الذين جاءوا محتجين على المؤتمر، أو مشاركة البعض الذين يعتقدون أنهم تسببوا في تهجير وإبادة أهلهم. كان حديث البرهة خطف الأضواء الإعلامية، وركز فقط على الحديث مع المحتجين.. انتهى المؤتمر وأنفض الجمع دون الوصول إلى أية نتائج كان يتوقعها المنظمين.. إن أي مؤتمر يبحث قضية الحرب والسلام في السودان على مائدة السياسة يجب أن لا يتجاوز القوى الحية في المجتمع ودون أي إقصاء… نسأل الله حسن البصيرة..

Exit mobile version