لجنة التفكيك بين الاغاني والأراضي
د.عبدالعظيم عوض
قصدتُ ألا اتسرع في التعليق او التعقيب علي الافادات المدوية التي اطلقها ضابط الشرطة عبدالله سليمان أحد أبرز أعضاء سيئة الذكر لجنة تفكيك التمكين ، وذلك إنتظارا لما يمكن أن يصدر من نفي أو أي تعقيب من اهل اللجنة ، أو من ايٍ ممّن وردت أسماؤهم وذلك نزولا لقواعد العدالة ، حتى لا نسير في ركب إدعاءات غير صحيحة أو لم تكن دقيقة فنكون من الظالمين والعياذ بالله .
والان ، بعد مضي مانرى انه زمن كافٍ حسب الاعراف المهنية ، حق لنا أن نؤمِّن علي صحة ما ورد في أفادات ذلك الضابط من معلومات لم تكن – بالنسبة لي علي الأقل مفاجئة – لأن كل قرائن الأحوال في تلك الأيام السود من تاريخ هذا البلد كانت تشي بأن عمل هذه اللجنة لم يكن سوى نهب ممنهج لاموال مؤسسات الشعب السوداني وهيئات القطاعين العام والخاص تحت ستار فزاعة الكيزان .
أقبل هؤلاء الناس علي المال العام والخاص بشراهة عجيبة ونهب ( مقنن) سنوا له قانونا خاصا ، كقوانين تلك الأيام التي وضعتها ( شلة) نصرالدين عبدالباري وزير العدل ، حيث كانت القوانين تُكتب وتصاغ وتجاز في اليوم التالي وتصبح نافذة سيفا مسلطا علي رقاب أصحاب هذه الأموال المساكين .
ظل ذلك العبث مسنودا بإعلام الحكومة المُموَل بواسطة الشعب المنهوب ، وكان السودانيون ليلة كل خميس يسهرون ببرنامج نهب الأراضي والعقارات ومنقولات الناس وعرباتهم ، وهم في دهشة من امرهم علي هذا الجديد الذي أحدثته ( الثورة) علي نظام (الكيزان اللصوص) البائد ، واكتفوا فقط وسط تلك الأجواء الإرهابية بالسخرية والضحك علي تلك المهازل التي أطلقوا عليها برنامج أراضي وأراضي علي نسق برنامجهم المحبوب أغاني وأغاني وكانوا بذلك يندبون حظهم العاسر الذي نقلهم من أجواء الغناء والطرب ايام الكيزان وحسن فضل المولى والطاهر التوم وعمهم السر قدور الي أجواء اراضي وأراضي في تلفزيون شلة عيال رشيد سعيد ، حتي ( سونا) وكالتنا الرصينة دخلت ايضا في هذه المولد وخاضت مع الخائضين وكنتُ شديد الأسى علي مديرها الذي عاش ايام مجدها مع المرحوم مصطفى أمين فتوسمنا فيه خيرا ، فإذ به أدهى وأمر فمسح تاريخه المهني حتي مرحلة ” هيلفرسوم” وعاد إليها ملوما محسورا بعد انفضاض مولد الثورة .
نعود الي لجنة أكل أموال الناس بالباطل ، وافادات الضابط الذي أفاق من غيبوبته وصحا ضميره ليقول ماقال بمحض إرادته ، وأذكر في هذا الصدد التنبيهات التي أطلقها اكثر من مرة مولانا نبيل أديب ونشرتها الصحافة في الحين علي نطاق واسع محذراً من عمل هذه اللجنة غير القانوني وانه ربما اوقعها في تجاوزات لن يجد القضاء صعوبة في الوصول اليها ، تماما كما فعل مولانا ابوسبيحة بعد سنتين من تحذيرات أديب ، حين فنّد قرارات تلك اللجنة في جلسات لم تتجاوز الدقائق وأعاد الحقوق الي أهلها وسط تصفيق الرأي العام وحسرة أعضاء تلك اللجنة المهببة التي لم تجد ما ترد به وبالقانون علي أحكام ابوسبيحة سوى ذلك التصريح اليتيم الذي قال به أبرز أعضائها وجدي صالح وهو محام بالمناسبة ، حين أشار الي أن لديهم [ دريبات] سيتخذونها لوقف قرارات المحكمة ، وظللنا في انتظار دريبات وجدي تلك الي أن قطع الجيش الطريق علي تلك المهازل في ٢٥ اكتوبر فيما عُرف بتصحيح المسار .
بقي أن أهمس في أذن السيد عبدالله سليمان بأن إفاداته حسب قانون الاثبات سوف لن يُنظر إليها بأنها صادرة عن شاهد – وانت سيد العارفين – بل من شريك أصيل في الجريمة ، وقد يعتبرك القاضي في هذه الحالة شاهد ملك لما له من سلطة تقديرية.
نقلا عن “أصداء سودانية”