كامل… خطابُك دسِمٌ أفسدتْه المقبلات..!

ناجي الكرشابي
وحباتُ المطرِ تتناثرُ فوقي في صباحٍ إسطنبوليٍّ رائع، وبينما أرددُ مع “قدور” حنيني إليك، وليلُ الغربةِ أضناني، وطيفُ ذكراك بدمعِ القلبِ بكاني، وقبل أن أُطهِّر نفسي بالنحيب على وطنٍ نازف، تتناثرُ فيه مسيّراتُ الخراب، أيقظني صوتُ الهاتف بنغمٍ مخصّصٍ للأستاذ حسن إسماعيل؛ هذا النسيج الذي ظلّ يكفكف عني الحزن منذ الطلقة الأولى، ونحن نتلقّى الأحزان عند باب الأستديو، على أحبةٍ وأهلٍ وجيران، وذكرياتٍ معلّقةٍ على جدران الخرطوم.
ثم يسألُ بصوته الواثق: هل استمعتَ لكلمةِ رئيسِ الوزراء في مجلسِ الأمن؟
انقبض قلبي، وارتعدت عواطفي قلقًا، ذلك أني ظللت أطالع سيلًا من “التسريبات” المخيفة، وخبرَ “سونا” المملوء إحباطًا حول الزيارة، وكلها من صندوقِ الجيش الإعلامي حول “البصم” بالعشرة لرؤية الرباعية المدمّرة للجيش والدولة.
فقلتُ بصوتٍ خانعٍ، مستسلمٍ، مصدّقٍ لهؤلاء الكبار و”الكبيرات”: خلاص سلّمهم البلد والجيش وذكرياتي وحنين “قدور” وأشجان “الحوت”…
لا لا ياخ، مبادرة رائعة، كدي اسمعوا ونتقابل…
سمعته، ومنذ الجملة الأولى وجدته قد وضع العالم أمام مرآةٍ قاسية، وحمّل المجتمع الدولي كلفةَ التأخير، ويُذكّره بأن ثمن الصمت دُفع من دماء السودانيين، ومن تمزّق النسيج الاجتماعي، ومن مدنٍ تحوّلت إلى أطلال، وأسرٍ نُفيت من أوطانها.
وعدتُ مرةً أخرى أطالع “سونا” والصندوق الإعلامي، فوجدت خطاب رئيس الوزراء وجبةً كاملة، لكنني لم أتذوّق طعمها كملايين السودانيين، والسبب أن أطباقَ المقبلات التي قُدّمت لنا في البداية مليئةٌ بالملح والخل وحنظل القيزان المُرّ، الذي أفسد روعة المبادرة والخطاب…
عزيزاي سيادة الرئيس البرهان، ودولة رئيس الوزراء، سارعوا بتجفيف منابع حنظل القيزان ده، وقدّموا لنا مقبلاتٍ مناسبةً في أوانٍ مناسبة، قبل كل وجبةٍ دسمةٍ كهذه… هذا، أو جنس التشكيك ده.



