قوات الدعم السريع في السودان تحاصر الفاشر داخل شبكة من المتاريس الترابية

بعد أكثر من 500 يوم من الحصار، أنشأت قوات الدعم السريع ما يشبه “صندوق القتل” حول عاصمة شمال دارفور
قامت قوات الدعم السريع في السودان (RSF) بإنشاء شبكة من المتاريس الترابية حول مدينة الفاشر، بهدف منع السكان من الخروج، وذلك بعد أكثر من 500 يوم من الحصار المفروض على المدينة.
ووفقًا لتقرير نشره مختبر البحوث الإنسانية بمدرسة الصحة العامة بجامعة ييل (HRL) يوم الخميس، فقد تم تحديد أكثر من 31 كيلومترًا من المتاريس التي شُيّدت تدريجيًا منذ مايو 2024، لتطويق عاصمة شمال دارفور.
ورغم أن مئات الآلاف تمكنوا من الفرار منذ بداية الحصار، إلا أن منظمة فِكرة السودانية للسياسات العامة تقدّر أن نحو 750 ألف مدني لا يزالون محاصرين داخل المدينة. كما تشير الأمم المتحدة إلى أن حوالي 260 ألف مدني – بينهم 130 ألف طفل – عالقون داخل معسكر أبو شوك للنازحين داخليًا دون مخرج.
يقول ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي للمختبر الإنساني بجامعة ييل، إن “حركة المدنيين داخل الفاشر تتضاءل شيئًا فشيئًا، والسبب يعود إما إلى ارتفاع عدد القتلى أو محاولات الهروب، أو لأن من تبقى أصبحوا مختبئين أعمق، بل إن بعضهم يبني ملاجئ تحت الأرض داخل المنازل”. وأضاف أن معاناة المدنيين في الفاشر لا مثيل لها اليوم سوى في غزة.
منذ أكثر من عام، أُعلن رسميًا عن وجود مجاعة في المنطقة، واضطرت عائلات يائسة إلى تناول أعلاف الحيوانات وبقايا الطعام للبقاء على قيد الحياة. ويصف تقرير ييل الوضع قائلًا:
“بهذه المتاريس، تخلق قوات الدعم السريع صندوق قتل حقيقي حول الفاشر. فهي تضع حواجز مادية لمنع تهريب الغذاء والدواء إلى داخل المدينة أو خروج المدنيين منها”.
حرب وحصار متصاعد
تسيطر قوات الدعم السريع على الريف المحيط ومعظم شمال شرق الفاشر، بينما لا تزال قوات الجيش السوداني (SAF) وحلفاؤها من القوات المشتركة – المكوّنة من حركات دارفورية سابقة – تسيطر على بقية المدينة.
منذ بدء الحصار في مايو 2024، وثّقت الأمم المتحدة أكثر من 1100 انتهاك جسيم لحقوق الإنسان في الفاشر وحدها، بما في ذلك مقتل وتشويه أكثر من ألف طفل.
بحسب تقرير ييل، بنت قوات الدعم السريع متاريس بطول 22 كيلومترًا في شكل نصف دائرة من الغرب حتى الشمال، ثم أضافت في أغسطس نحو 9 كيلومترات شرق المدينة. ويُذكر أن الجنوب والجنوب الغربي وشمال شرق الفاشر قرب معسكر السلام لم تُغلق بعد.
وفي وقت سابق من العام، استولت قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين وقتلت أكثر من ألف مدني.
ميدان ملغوم ومعركة محتدمة
ليلة الخميس، أفاد شهود من الفاشر بأن القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش قتلت قائدين بارزين من الدعم السريع في هجوم مباغت جنوب المدينة. وذكر صحفيون محليون أن الجيش قتل عشرات من مقاتلي الدعم السريع في سوق للماشية واستعاد مواقع استراتيجية.
لكن مصادر عسكرية حذرت من أن وضع الجيش يزداد خطورة. إذ تقتصر سيطرة الفرقة السادسة مشاة على مساحة ضيقة قرب مطار المدينة، محاطة بحقول ألغام مضادة للأفراد والدبابات زرعها الجيش قبل عام.
ورغم أن قوات الدعم السريع تفتقر للقدرة التقنية لاختراق هذه الألغام، إلا أن الإمارات العربية المتحدة – الداعم الرئيس لها – يمكنها تزويدها بالمعدات اللازمة لذلك.
خذلان دولي
انتقد أمجد فريد الطيب، مدير منظمة فكرة، صمت المجتمع الدولي واصفًا إياه بـ”المخزي”، وقال:
“لا يمكننا القبول بتطبيع احتجاز قوات الدعم السريع لمواطني الفاشر رهائن. يجب الضغط على الإمارات والدعم السريع لإنهاء الحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإلا فليواجهوا عواقب حقيقية”.
من جهتها، قالت كيت فيرغسون، مديرة منظمة “مناهج الحماية”، إن مأساة الفاشر تجسد فشلًا جماعيًا في حماية المدنيين من أبشع الجرائم، مضيفة:
“قبل عشرين عامًا ارتكب الجنجويد – أسلاف الدعم السريع – المجازر نفسها في دارفور، فهزّ العالم وتعهد بإنقاذ الإقليم… اليوم، ورغم التحذيرات المتكررة، لا نرى سوى عجز وصمت دولي مطبق”.



