قرارات البنك المركزي.. خبراء يخضعون الخطوة للتشريح
تقرير – رحاب عبدالله
ضجت الأسافير بقرار بنك السودان المركزي القاضي برفع سقف التحويلات عبر تطبيق “بنكك” إلى 15 مليون جنيه يومياً بدلاً عن 3 ملايين جنيه، اعتراضاً على القرار، واعتبروه يدعم تجارة العملة، بل اتجه البعض لاتهام المحافظ بالتواطؤ مع هؤلاء المخربين، ورددوا حديث عضو مجلس السيادة، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن، ياسر العطا حينما قال إن المليشيا المتمردة ما زالت داخل أجهزة الدولة تسعى لتركيع السودان اقتصادياً.
توقف الإنتاج
وتباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول القرارات التي أصدرها بنك السودان المركزي التي جاءت تأكيداً لما انفردت به (الأحداث)، بشأن سعر صرف العملة الوطنية.
وفيما توقع خبراء انعكاس القرارات مباشرة على الدولار وتسجيل انخفاض، توقع بعض الخبراء أن يظل سعر الدولار على حاله لفترة لا تقل عن عام، وعزوا ذلك لأن الحرب أوقفت الإنتاج وعطلت الصادرات ودمرت الصناعة وأفقدت الدولة 90% من مواردها وأجبرتها على أن تلجأ إلى طباعة النقد بكثافة لتغطية المرتبات وتوفير احتياجات الجيش.
كتلة نقدية
في وقت انتقد خبراء قرار البنك المركزي فيما يتعلق برفع سقف التحويل عبر “بنكك” الى 15مليون، لأن كل الدلائل تشير إلى أن معظم حركة الدولار تتم عبر “بنكك” ، ما جعل البعض يطالب محافظ البنك المركزي بتخفيض سقوفات التحويل عبر التطبيقات البنكية خاصة “بنكك”، إلا أن الخبير الاقتصادي د.عادل عبد العزيز الفكي، قال إن القرار يهدف لجذب الكتلة النقدية إلى داخل النظام المصرفي مما يمكنه من زيادة توظيفها في تمويل القطاعات الإنتاجية، ويهدف إلى تقليل السيولة في الاقتصاد، كوسيلة لمكافحة المضاربة في العملة، والتي من بين أسباب أخرى، أدت إلى تدهور كبير في قيمة العملة السودانية أمام العملات الأجنبية، مبيناً أن قرار رفع سقف التحويل اليومي عبر التطبيقات المصرفية إلى تسهيل عمليات التجارة الداخلية، خاصة بعد تراجع قيمة العملة السودانية أمام العملات الأجنبية، وهو ما جعل التجار والسماسرة والعاملين في التجارة وآخرون اضطروا لحمل الأوراق النقدية في صناديق وأكياس.
وأمن أن قرار رفع سقف التحويل عبر بنكك والتطبيقات المصرفية الأخرى يعمل على جذب الكتلة النقدية إلى الجهاز المصرفي، مما يمكنه من زيادة استخدامها في تمويل القطاعات الإنتاجية.
غير ان الفكي شدد على ضرورة مراقبة الحسابات النشطة والتي ليس لأصحابها عمل ظاهر في التجارة أو الصناعة أو الخدمات، من قبل مسؤولي الامتثال في البنوك التجارية، حتى لا يتم استغلال الزيادة في سقف التحويل من خلال طلبات المضاربة في تداول العملات، كواجب مفروض على البنوك التجارية بموجب اتفاقية وقانون مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب.
الحد من التعامل النقدي
من جانبه قال المدير العام للوكالة الوطنية لتمويل وتأمين الصادرات الوطنية التابعة لبنك السودان السابق د.أحمد بابكر حمور، إن قرارات البنك المركزي الأخيرة الغرض الأساسي منها الحد والتقليل من التعامل النقدي وهو اتجاه العالم اليوم، ورجّح أنه من ناحية أخرى ربما يواجه القطاع المصرفي شحاً في النقد لظروف الحرب والنهب وهذه القرارات لتلافي الآثار السالبة لشح السيولة، مبيناً في حديثه ل(الأحداث) أن رفع سقف التحويلات عبر التطبيقات يخدم الغرض، منوهاً إلى أن لرفع السقوفات أثر سلبي، إلا أنه أثر مُختلف حوله، ودعا لاتخاذ القرار السليم أولاً كرفع السقوفات لأنه أصل التعامل ثم النظر إلى السلبيات.
مبدأ فن الممكن
وقال حمور” أعتقد أن البنك المركزي يتعامل بواقعية وفق معطيات محددة إعمالاً لمبدأ فن الممكن ولا ننسى أن البلاد في حالة حرب يكون الاستثناء فيها هو الأصل”.
توقف الحركة التجارية
وتوقع الخبير المصرفي وليد دليل، في مقال خص به (الأحداث) أن تؤدي قرارات بنك السودان، إلى توقف الحركة التجارية في الأسواق وستضطر السلطات حينها لإلغاء القرار، في ظل استمرار الجنيه في الانهيار.
وقال وليد دليل إن الانهيار المتسارع للعملة مؤخراً أمر طبيعي بسبب توقف النشاط الاقتصادي وتوقف حركة السلع لأسباب عديدة، متوقعاً فشل الموسم الزراعي، وقال إن التقديرات للانكماش الاقتصادي منذ اندلاع الحرب تبلغ أكثر من 70%، مضيفاً أن غياب الدولة وتوقف العائدات الضريبية وتوقف عمل مكاتب الضرائب بالإضافة لعدم استيراد السلع، توقف إيرادات الجمارك، كارثة حجمها كبير.
الآثار المحتملة
وتوقع وليد دليل حدوث آثار من تطبيق القرار منها نقص السيولة وذلك لأنه إذا كان هناك حد أقصى للسحب من البنوك والصرافات الآلية، قد تزداد مخاوف الناس من عدم القدرة على الوصول إلى أموالهم، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على النقد خارج النظام المصرفي، مضيفاً أن من الآثار المتوقعة انعدام الثقة في النظام المصرفي لجهة أن القيود الصارمة قد تقلل من ثقة الجمهور في المصارف الوطنية، مما يؤدي إلى سحب الودائع وزيادة الاحتفاظ بالنقود خارج النظام المصرفي، فضلاً عن تعطيل المعاملات التجارية بسبب أن القيود على التحويلات المالية قد تؤثر على الأعمال والتجارة، حيث يصعب الدفع للموردين أو تلقي المدفوعات من العملاء، مما يشكل عبئاً على النشاط الاقتصادي.
اقتصاد غير رسمي
وتوقع وليد دليل أن ينشأ اقتصاد غير رسمي لأنه قد تؤدي القيود إلى نمو الاقتصاد غير الرسمي حيث يبدأ الناس في التعامل بطرق بديلة للنظام المصرفي من أجل تلبية احتياجاتهم المالية، مشيراً إلى أنه أيضاً من الآثار المتوقعة التي تنتج تهريب العملة بسبب أن القيود المفروضة على التحويلات المالية يمكن أن تؤدي إلى زيادة تهريب العملة وانتشار السوق السوداء للنقد، وقال إذا كانت القيود ناتجة عن مشاكل في التوازن المالي للبلاد، مثل النقص في العملات الأجنبية، قد تؤدي القيود المفروضة إلى التضخم وانخفاض قيمة العملة.
وحذر من أن تؤدي إفرازات القرارات إلى الاحتجاجات وعدم الاستقرار الاجتماعي وقال “قد تؤدي القيود النقدية، خصوصاً إذا كانت مفاجئة وشديدة، إلى الاحتجاجات وعدم الاستقرار الاجتماعي نتيجة للضغوط المالية على السكان”.
وشدد على ضرورة أن بكون البنك المركزي حذراً في تحديد سقف للتحاويل المالية والسحب من البنوك والصرافات الآلية، وأن يضع في اعتباره تأثيراتها على الاقتصاد بشكل شامل قبل اتخاذ أي إجراء.
استعادة قوة الجنيه
وقطع عادل الفكي بأنه أساس استعادة الجنيه السوداني لقوته يكمن في السياسات الاقتصادية الرشيدة التي تشجع زيادة الإنتاج والإنتاجية في سلع التصدير الرئيسية، وهي الذهب والقطن والسمسم والصمغ العربي والحبوب الزيتية، وضمان استعادة حصائل الصادر. ودعا إلى إنشاء شركات مساهمة عامة لا تقل مساهمة الحكومة فيها عن 75% للقيام بعمليات التصدير لإعادة القيمة مباشرة إلى الاقتصاد، وبهذه الطريقة يتم تخفيض حجم الصادرات وتقليل فجوة الميزان التجاري بين الصادرات والواردات والتي تصل إلى ناقص 6 مليارات دولار على أقل تقدير، وهي السبب الرئيسي للانخفاض المستمر في قيمة العملة السودانية أمام العملات الأجنبية.