قراءة في كتاب لماذا تفشل الأمم: نظرة على أصول السلطة والازدهار والفقر (1-3)

محمد يوسف العركي
يقدم كتاب “لماذا تفشل الأمم: أصول السلطة والازدهار والفقر” للمؤلفين دارون اسيموجلو وجيمس أ. روبنسون، رؤية علمية وعملية تفسر أسباب فقر الدول وغناها، وُترجم إلى العربية بواسطة بدران حامد. يسعى الكتاب إلى إثبات أن المؤسسات التي يقيمها الإنسان هي العامل الرئيسي الذي يحدد ما إذا كانت الدولة ستصبح غنية أم فقيرة، وليس الموقع الجغرافي أو التاريخ.
نقد النظريات التقليدية
ينتقد الكتاب ثلاث نظريات رئيسية كانت سائدة في تفسير نجاح أو فشل الدول:
النظرية الجغرافية: تفترض هذه النظرية أن الدول التي تقع في المناطق شبه الاستوائية تعاني من مناخ مضطرب، وأراضٍ قاحلة، وأمراض استوائية، مما يسبب فقرها. يرفض المؤلفان هذه النظرية، مستشهدين بنماذج لدول ذات مناخ حار مثل سنغافورة وماليزيا التي حققت تقدمًا اقتصاديًا سريعًا. كما يضربان مثالاً بمدينة “نوجاليس” التي يقسمها سياج إلى قسمين، أحدهما في ولاية أريزونا الأمريكية والآخر في المكسيك. متوسط دخل الأسرة في الجانب الأمريكي يصل إلى 30 ألف دولار، بينما في الجانب المكسيكي لا يتجاوز 10 آلاف دولار، مع فوارق واضحة في التعليم والصحة. يخلص المؤلفان إلى أن الاختلاف ليس في المناخ أو الموقع الجغرافي، بل في المؤسسات المختلفة التي تخلق حوافز وفرصًا مختلفة للسكان.
النظرية الثقافية: تُرجع هذه النظرية الفشل الاقتصادي إلى القيود الثقافية والدينية والأخلاقية التي تجعل السكان غير منتجين أو غير قادرين على القيام بالأعمال الشاقة. يجيب المؤلفان على هذه الفرضية بالقبول والرفض في آن واحد، ويقدمان أمثلة تنقضها، مثل اليابان وسنغافورة اللتين حققتا ازدهارًا اقتصاديًا رغم عدم وجود أصول أوروبية لسكانها. كما يشير الكاتبان إلى أن الثقافة الإنجليزية لم تنجح في سيراليون ونيجيريا رغم أنها نجحت في كندا والولايات المتحدة.
نظرية الجهل: تفترض هذه النظرية أن النخب الحاكمة تفتقر إلى الخبرة الاقتصادية الجيدة التي تمكنها من إخراج بلادها من الفقر. يثبت المؤلفان أن هذه النظرية مضللة، لأن الحكام غالبًا ما يتبنون سياسات كارثية عن قصد وليس عن جهل، بهدف شراء الدعم السياسي والحفاظ على أنظمتهم الديكتاتورية. على سبيل المثال، يذكر المؤلفان أن الزعيم الغاني نكروما كان يستخدم سياسات غير عقلانية، مثل إنشاء مصنع لتعليب المانجو في منطقة لا تزرع فيها المانجو، لشراء الدعم السياسي.
دور المؤسسات الشاملة في الازدهار
يرى المؤلفان أن هذه النظريات الثلاث خاطئة. وبدلاً من ذلك، يقدمان رؤيتهما التي تؤكد أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية هي الأساس للنجاح أو الفشل. يرى الكتاب أن الدول تنجو من الفقر عندما تمتلك مؤسسات اقتصادية فعالة، ونظامًا سياسيًا تعدديًا، مع رغبة المجتمع في تطوير مؤسساته، وسيادة روح القانون.



