تقارير

قراءة في “فاينانشيال تايمز“.. تصاعد الأزمات في السودان: الحصار، الذهب، والصراع الإقليمي

تكافح جهود الولايات المتحدة لإدخال مساعدات إنسانية إلى مدينة الفاشر، التي تحاصرها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وذلك في ظل تصاعد القصف ورفض الطرفين التصريحات الرسمية.
وقالت مصادر من واشنطن إن مستشار الرئيس الأميركي ادّعى أن اتفاقًا تمّ مع الدعم السريع، لكن الوقائع الميدانية — من ضرب مستشفى داخل الفاشر إلى استهداف مخيمات النازحين — تشير إلى فشل هذا الاتفاق.
الفاشر اليوم تمثل واحدة من أبرز بؤر المعاناة: نحو 260 ألف مدني محاصرون، في أوضاع غذائية وصحية مهددة بالانهيار الكامل.
النفط وقطاع الشحن تحت الإيقاف

في خطوة صادمة لاقتصاد البلاد، عمت أزمة في صادرات النفط إثر قرار من الإمارات بوقف شحنات النفط إلى السودان، ما أثار أزمة لوجستية حادة لشركات عالمية مثل فيتول.
بادرت فيتول إلى تحويل بعض وارداتها إلى ماليزيا كبديل مؤقت، وهو يقظة على هشاشة شبكة التصدير السودانية المعتمدة على ميناء بورتسودان.
الذهب: مورد حرب أو اقتصاد معلق؟

تشير تحليلات فاينانشيال تايمز إلى أن ارتفاع أسعار الذهب عالميًّا قد غذّى تهريبًا مكثفًا من السودان، مما منح الأطراف المتحاربة موارد مالية جديدة لتمويل العمليات العسكرية.
الاتهامات تطاول الإمارات وروسيا، إذ توجه إليهما الإغراءات باعتبارهما من الوجهات الرئيسية لهذه الذهب المهرب، فيما تشكو السلطات من ضعف التنسيق في تطبيق العقوبات الدولية على هذه الشبكات.
بعدسة الأقمار الصناعية: الفاشر مرصودة من الفضاء

في تقرير استقصائي، استخدمت فاينانشيال تايمز بيانات الأقمار الصناعية لرصد التغيرات العمرانية والمناطق التي تأثرت بالقصف حول الفاشر، في مؤشر على أن النزاع لا يدور تحت الرادار، بل ضمن رصد دقيق ومتصاعد من الجهات الدولية.
هذا الرصد يُضيف قدرًا من الشفافية إلى ما يُعرف عن الصراع ويكشف عن تواتر الحركات الاستراتيجية في المدينة المحاصرة.
أدوات الحرب الحديثة: الدرونز والأسلحة المستوردة

كشف تقرير عسكري في نشرته فاينانشيال تايمز عن أن الصراع في السودان دخل مرحلة جديدة من التسلح المتقدم، لا سيما عبر أسلحة دون طيار ومعدات قادمة من دول مثل الصين، تركيا، والإمارات.
هذه الأسلحة غيّرت قواعد الاشتباك، وزادت من خطر التصعيد على المدنيين والبنى التحتية.
لماذا يتعثر أي انفراج؟
تباين الأجندات الدولية والإقليمية

الصراع في السودان لا يقتصر على نزاع داخلي، بل محوره يمتد إلى دول وجماعات لها مصالح استراتيجية – من الإمارات إلى روسيا إلى القوى الإقليمية. هذا التداخل يربك أي جهود للتسوية.
تكتيكات الحصار وسلاح الغذاء

الحصار المفروض على المدن مثل الفاشر يُستخدم كأداة حرب بطيئة: يُجبر السكان على الخنوع أو الخروج تحت الظروف التي تفرضها القوات المهيمنة.
تمويل النزاع من داخل الأرض

الذهب المهرب يُعطي تمويلًا مستدامًا للطرفين، ما يقلل من اعتمادهما على الدعم الخارجي، ويصعب فرض ضغوط اقتصادية عليهما.
فجوة بين الإعلان والواقع الميداني

كثير من الاتفاقيات أو التصريحات التي تُبث إعلاميًا لا تجد ترجمة على الأرض، كما حصل في موضوع الفاشر حيث الإعلان لم يُقابله تنفيذ فعلي.
السياق العام والتحولات الميدانية

الأزمة السودانية دخلت مرحلة أكثر ضراوة وتعدّدية في أبعادها، مع اتساع مناطق النزاع، وتزايد استخدام الأسلحة المتطورة، وتحوّل مصادر التمويل إلى قطاعات مثل الذهب. تقرير فاينانشيال تايمز يركّز على نقطتين محوريتين مؤخرًا: فشل محاولات كسر الحصار على مدينة الفاشر، وتصاعد تهريب الذهب كمورد أساسي للتمويل الحربي.
لكن لفهم عمق الأزمة، لا بد من الوقوف على سلسلة من التحولات الميدانية والدولية المتقاطعة:
استخدام الأقمار الصناعية في رصد الحصار والأضرار العمرانية حول الفاشر، ما أتاح دلائل ميدانية على التحولات في أنماط القصف والتمدّد الميداني.
تزايد الاعتماد على الذهب المهرب كمورد تمويل مباشر للحروب الأهلية، مما يقلل من فاعلية الضغوط الدولية على الأطراف المتنازعة.
تحركات دبلوماسية مكثفة من الولايات المتحدة، التي أعلنت عن إمكانية التوصل إلى اتفاق لتمكين دخول المساعدات إلى الفاشر، لكن هذا الإعلان اصطدم بمقاومة على الأرض من طرف قوات الدعم السريع.
موجة من التحذيرات الدولية من تفكّك الدولة السودانية أو تحولها إلى “دولة فاشلة” أو التقسيم البطيء.
مفاصل الصراع والتحول في أدواته
الحصار كأداة حرب

مدينة الفاشر أصبحت نموذجًا “مختبَرًا” لكيفية استخدام الحصار كتكتيك حربي: يُحوّل المدنيون إلى رهائن للحرب، يُجبرون على التردّد بين القتل أو الخروج تحت شروط القوات المسيطرة. الفاشر محاصرة حاليًا من كل الجهات، وقصف مستشفى ومخيمات النازحين جاء باعتراف مباشر من تقرير FT ضمن محاولة نزع الشرعية عن محاولات دخول المساعدات.
القصف المتزايد والممنهج، وفق تقارير الأقمار الصناعية، يشير إلى أن المواجهة ليست فقط عسكرية مباشرة، بل حرب استنزاف عبر البنية التحتية والمدنية.
الذهب مهربًا وتمويلًا للحرب

أسعار الذهب العالمية القياسية تعمل كعنصر “مفتاح” في تمويل النزاع: عمليات التعدين غير الرسمية والتهريب عبر الشبكات الدولية تتيح للطرفين — القوات المسلحة وقوات الدعم السريع — أن تُسير حربها بمعزل عن الاعتماد الكامل على الأموال الخارجية أو المساعدات.
هذا التمويل “الذاتي” يُعطّل فعالية العقوبات والمؤسسات الدولية التي تحاول الضغط مالياً وسياسيًا لإيقاف النزاع. كما أنه يشجع على توسّع مناطق التعدين غير الخاضعة لرقابة الدولة، وبالتالي تثبيت سلطة الأمر الواقع في تلك المناطق.
تداخل النفوذ الإقليمي والدولي

الأزمة ليست “سودانية بحتة” — الأطراف الإقليمية والدولية باتت تلعب أدوارًا فاعلة:
الإمارات مُتهمة بعرقلة صادرات النفط السوداني، مما أثار توتراً لوجستيًا كبيرًا لشركات مثل فيتول، التي اضطرت إلى إعادة توجيه شحناتها إلى ماليزيا.
الإمارات أيضًا وُجهت إليها اتهامات بدعم عسكري مباشر لقوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه سياسياً.
الولايات المتحدة تحاول إدخال نفسها كوسيط إنساني ــ سياسي، معلنة أنها تفاوض على فتح ممرات للمساعدات، لكن التنفيذ على الأرض لم يثبت حتى الآن.
عبر هذا التداخل، يُصبح السودان ميدانًا لصراع أوسع يشمل النفوذ في القرن الأفريقي، والتحكم في الموارد، وربما حتى الرؤى الإقليمية لتوازن القوى.
السيناريوهات المحتملة والتحديات الكبرى
تطور الأزمة الإنسانية بشكل متصاعد

إذا استمر الحصار على المدن الرئيسية، فإن السودان سيتجه نحو مجاعة أوسع، مع نزوح جماعي داخلي وخارجي، وضغط هائل على الدول المجاورة. تقرير فاينانشيال تايمز سبق أن رصد أن نحو 25 مليون سوداني معرضون لمستويات شديدة من الجوع.
إلى جانب ذلك، انسحاب الحكومة من مؤسسات مراقبة الغذاء (مثل انسحابها من نظام التصنيف الغذائ IPC) يُعدّ مؤشرًا خطيرًا على تعطُّل الشفافية والقدرة الدولية على التدخّل.
تفتّت الدولة وتقسيم فعلي أو تسوية إقليمية

التصريحات المتعلقة بخطر تفكّك السودان أو تقسيمه لم تعد محض تشاؤم؛ هي تصوّر ممكن في ظل ضعف السلطة المركزية وسيطرة جماعات مسلحة في عدد من الولايات.
خيار تقسيم الأمر الواقع قد ينشأ تدريجيًا إذا حافظت مناطق مثل دارفور أو دارفور الغربي على حكم ذاتي فعلي، يُدعم من قوى إقليمية، مع تخلٍّ عن السلطة من المركز في الخرطوم.
تطوّر استخدام الأسلحة المتقدمة

الصراع أخذ منحى أكثر تكنولوجيا: تقارير عن استخدام الطائرات دون طيار، أنظمة صواريخ مضادة للطائرات، وتقنيات عسكرية معقّدة.
هذا التصعيد يُنذر بأن الحرب لم تعد مقتصرة على المواجهات البرية، بل امتدت إلى الفضاء الجوي والمراقبة، مما يزيد من المخاطر المدنية والتدمير الشامل.
فشل الجهود الدبلوماسية أو
تحولها إلى تدخل عسكري

حتى مع ضغوط ووساطات دولية، يبدو أن الفرق بين التصريحات والتنفيذ واسع. اتفاقات إنسانية معلنة (مثل التي زُعم أن الولايات المتحدة تفاوضت عليها) تواجه رفضًا أو تعطلاً ميدانيًا.
إذا لم تتحقق خروقات فعالة للمساعدات، فقد تلجأ بعض الدول إلى فرض إجراءات أشد – من العقوبات إلى اللجوء التدخل العسكري تحت ذريعة حماية المدنيين أو فرض منطقة حظر جوي.
نقلا عن مواطنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى