أمية يوسف حسن أبوفداية
باحث ومتخصص استراتيجي في شؤون القرن الإفريقي
14 أغسطس 2025
في مثل هذا اليوم من كل عام، تقف الأمة السودانية إجلالًا واحترامًا لرجال حملوا على أكتافهم عبء الوطن، وارتدوا البزة العسكرية لا طلبًا للترف أو السلطة، بل دفاعًا عن الأرض والعِرض والهوية. إنه العيد الـ71 للجيش السوداني، الذي تأسس رسميًا في 14 أغسطس 1954، قبل استقلال السودان بنحو عام ونصف، وإنْ كانت جذوره أقدم من ذلك بكثير.
تعود البداية الحقيقية فى رأيى الخاص للقوات المسلحة السودانية إلى الفترة ما بين 1863 و1867، حين لبّى السودانيون نداء القتال خارج حدودهم، في صفوف الجيش الفرنسي أثناء معاركه في المكسيك. إلا أن أول تعبير وطني منظم للروح العسكرية السودانية جاء مع ثورة اللواء الأبيض عام 1924، بقيادة الشهيدان علي عبد اللطيف، والبطل عبد الفضيل الماظ، وعدد من الضباط والجنود والمدنيين، الذين واجهوا المحتل البريطاني ببطولة استثنائية، وكتبوا سطور في سجل النضال العسكري السوداني الحديث.
بعد استقلال السودان في يناير 1956، لم تكن المؤسسة العسكرية مجرد كيان دفاعي، بل كانت ركيزة في مشروع بناء الدولة الحديثة. فمنذ تمرد الجنوب في 1955، وحتى أحداث أبريل 2023، ظلت القوات المسلحة تقاتل على أكثر من جبهة:
العدو الخارجي
الفتن الداخلية
التسييس ومحاولات الإضعاف والتفكيك
لم تكن مشاركة الجيش السوداني في المكسيك سوى بداية لمسيرته الدولية. فقد شارك في:
الحرب العالمية الأولى والثانية، ونال السودان استقلاله جزئيًا مكافأة على دعم الحلفاء.
الحروب العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي في أعوام 1948، 1967، و1973.
مهمة فصل القوات بين العراق والكويت في ستينيات القرن الماضي.
قوات حفظ السلام في دول عديدة منها: لبنان، ناميبيا، والكونغو وغيرها .
الجيش السوداني والانقلابات.. مأساة التسييس
من الظلم التاريخي تحميل الجيش وحده مسؤولية الانقلابات العسكرية التي عصفت بالبلاد.
انقلاب 1958، تم بترتيب من عبد الله خليل، سكرتير حزب الأمة القومى، وبموافقة السيدان عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني.
انقلاب 1969، جاء بدعم من عناصر شيوعية وقومية عربية.
انقلاب 1971 بقيادة هاشم العطا، برعاية مباشرة من الحزب الشيوعي.
انقلاب 1989، نفّذه الإسلاميون بقيادة الجبهة القومية الإسلامية، ودخلت البلاد معه مرحلة جديدة من العزلة والصراعات.
ورغم ذلك، ظل الجيش يتحمّل الاتهامات المتكررة من بعض القوى المدنية بأنه يسعى لاحتكار السلطة، متجاهلين أن المؤسسة العسكرية كانت تعاني من تسييس ممنهج ومحاولات مستمرة لتحجيم دورها الوطني.
القوة العسكرية.. تطور رغم الحصار
رغم الحصار، ضعف التمويل، والتجاذبات السياسية، استطاعت القوات المسلحة السودانية تطوير قدراتها العسكرية، معتمدة على الإرادة الوطنية والعلاقات المتوازنة مع عدد من الدول.
بحلول عام 2023، بلغ تعداد الجيش أكثر من 110,000 جندي نظامي موزعين بين :
القوات البرية
القوات الجوية
قوات الدفاع الجوي
القوات البحرية (أعيد تفعيلها لحماية السواحل السودانية على البحر الأحمر)
الترسانة العسكرية
أكثر من 200 دبابة قتالية من طرازات T-55، T-62، وT-72
عشرات المدرعات وناقلات الجنود
وحدات مدفعية متوسطة المدى
منظومات دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى مثل: SA-6 وSA-7
طائرات ميج-29 وسوخوي-24
مروحيات قتالية من طراز Mi-24 وMi-17
البرنامج الصاروخي والطائرات المسيّرة
منذ التسعينيات، بدأ السودان تطوير برنامج صاروخي بدعم جزئي من دول آسيوية، وتم إنتاج :
صواريخ أرض-أرض قصيرة المدى بمدى يصل إلى 70–100 كم
إدخال الطائرات المسيّرة (الدرونز) التي لعبت دورًا بارزًا في معارك 2023
حرب أبريل 2023.. مواجهة تفكيك الدولة
في أبريل 2023، اندلعت أخطر معارك السودان في تاريخه الحديث، عبر حرب وكالة شرسة انطلقت من الخرطوم، وامتدت إلى مدن مثل:
الفاشر، نيالا، الضعين، زالنجى، الجنينة، كوستي،مدنى ،سنجة ،الأبيض،كادقلى وغيرها من مدن وقرى السودان.
وقف الجيش السوداني في قلب المعركة مع فارق كبير لصالح التمرد، ليس فقط كقوة نظامية، بل كمؤسسة وطنية تقود معركة الدفاع عن وحدة البلاد وهويتها.
رغم قسوة الحرب والتدخلات الخارجية، برز تفوق الجيش في:
استخدام الطائرات المسيّرة
تنفيذ هجمات صاروخية دقيقة
والاهم من كل ذلك : قيادة عمليات عسكرية حديثة بتكتيكات متقدمة رغم ضعف الإمكانيات ووبراعة مذهلة .
الجيش والمستقبل.. نحو الاحتراف الوطني
بينما يمر السودان بمرحلة انتقالية دقيقة، تبرز الحاجة إلى:
إعادة بناء جيش مهني وطني، لا حزبي ولا قبلي
إصلاح المؤسسة العسكرية بعيدًا عن الاستقطاب
ضمان حماية الانتقال الديمقراطي، ووحدة الدولة
*أمة تحترم جيشها، هي أمة تحترم سيادتها.*
تحية وفاء وتقدير
*في عيده الـ71، نبعث بتحية إجلال لأرواح الشهداء من ضباط وجنود القوات المسلحة، ونحيّي القادة والجنود الذين قدّموا المصلحة الوطنية على الطموحات الشخصية، وثبّتوا أقدامهم في كل الميادين – من الصحراء إلى السواحل، ومن الجبال إلى الحدود.*
سيبقى الجيش السوداني، رغم كل المحن، هو الضامن لوحدة البلاد، وسياجها الحامي، ودرعها الصامد.
كل عام وجيشنا بخير.. وعيد وطني مجيد.
