السفير محجوب محمد عثمان
(ربما جاء يوم نجلس فيه معا، لا لكي نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر ، ونعلم أولادنا وأحفادنا ، جيلا بعد جيل ، قصة الكفاح ومشاقه، مرارة الهزيمة وألامها ، حلاوة النصر وأماله . نعم سوف يجىء يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه ، وكيف حمل كل منا أمانته ، وأدى دوره ، وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب ، وهذه الأمة ، فى فترة حالكة ، ساد فيها الظلام ، ليحملوا مشاعل النور ، ويضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبرالجسر ما بين اليأس والرجاء . )
كانت تلك كلمات بدأ بها خطاب (نصر أكتوبر) الذى قدمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمام مجلس الشعب المصرى فى 14 أكتوبر 1973 . لقد عبرت القوات المصرية عند الساعة الثانية ظهر السبت ، السادس من أكتوبر 1973 ، العاشر من رمضان ، حاجز خط بارليف الترابى والمجرى المائى لقناة السويس ، إلى الضفة الشرقيه ، فى ست ساعات ، عبر خلالها ثمانية الف جندى بمعداتهم ومركباتهم ومجنزراتهم على جسور حديدية مركبة ، وتوالت دفعات القوات العابرةحتى بلغت الستين ألف جندى عند منتصف الليل ، مكبدة العدو الغاصب وتحصيناته ، خسائر هائلة فى الأرواح والمعدات والأسرى ، وهزيمة ما زالت تتجرع إسرائيل وحلفائها مرارتها . انه إنتصار عبرت به مصر والأمة العربية جمعاء حاجز الهزيمة والانكسار ، إلى نواصى ومنصات الانتصار والعزة والتفوق .
واليوم وبعد نصف قرن ويزيد من عمر الزمان ، ونصر أكتوبر 73 الغالى ، نرفع التبريكات مقرونة بأحلى الأمنيات لأشقائنا فى شمال الوادى رئيسا وقيادة وشعبا ، احتفاء بهذه الذكرى الخالدة . لقد ظلت مصر وستبقى ، اختا لبلادى وشقيقة ، رياضا عذبة النبع وريقة.
ولا يفوتنا فى هذا المناسبة التاريخية العظيمه ، أن نذكر بالفخر مشاركةالقوات المسلحة السودانية بعدد اربعه لواءات مشاة فى حرب أكتوبر ، كما ظلت كتيبة الوحدات الخاصة موجودة على ضفة قناة السويس منذ يونيو 1967 وحتى أكتوبر 1973 ، بل وكانت هى القوات العربية الوحيدة المرابطة مع الجيش المصرى عل الضفة الشرقيه بمنطقة بورفؤاد وتحت قيادة ضابط سودانى ، وشكلت مع رصيفاتها فى القوات المسلحة المصرية ، سدا منيعا ضد كل محاولات العدو العبور إلى الضفة الغربية من قناة السويس فيما عرف بحرب الاستنزاف ، والتى استمرت حوالى ثلاث سنوات أو حرب الألف يوم كما كان يسميها العدو الإسرائيلى . حينها ظلت القوات الاسرائلية تضرب بطائراتها مدن القناة يوميا ، وكان أبشعها ضرب مدرسة بحرالبقر الابتدائية بمحافظة الشرقيه فى صباح الثامن من أبريل 1970 واستشهد فيها ثلاثون طفلا وبعض المعلمين فى تحدى صارخ لكل القوانين الدولية والاعراف الإنسانية . وتعرضت مدن وقرى غرب القناة وعمق الدلتا للدمار والضرب العشوائي . ولم تنتهى تلك الفترة العصيبة الصعبة ألا بتركيب الجيش المصرى الصامد منصات الصواريخ بعد حصوله على سام 7 من الاتحاد السوفيتي . نسأل الله أن يزيد مصر المحروسة قوة ومنعة وتظل ذكرى أكتوبر رمزا للصمود والتصدى والانتصار ، ونسأله عز وجل ونحن نستلهم ذكرى هذا الانتصار الكبير ، أن ينصر قواتنا السودانية المسلحة الباسلة وشعبنا الصابر ، نصرا مؤزرا ، على المليشيات المتمردة ومناصريها من قوى الشر والبغى والعدوان .