الأحداث – ماجدة حسن
منذ بواكير الحرب، سقطت وردة كان يفوح عطرها من رمال كردفان وحتى أم درمان.. دانة غادرة أنهت حياة الفنانة شادن محمد حسين الحكامة المستنيرة، مشروع فني لم يكتمل دفنته الحرب بلا رحمة، شادن قصة جمال بدوي وطموح فني ومشروع ثقافي افتقدتها الساحة وهي في بداياتها الحياتية والفنية.
سيرة عطرة
في ذكرى الشهيدة، نقف على أطلالها، ونستزيد من سيرتها العطرة، سيرتها كما تعرفها هي دائماً “إتولدت وإتربيت في مدينة الأبيض، درست الأساس في مدرسة الشيماء النموذجية والثانوي بمدرسة السيد علي الميرغني النموذجية، بعدها درست اقتصاد وعلوم إدارية تخصص بنوك وتأمين بالجامعة الأهلية.. والدها جنرال متقاعد في الجيش السوداني قسم إشارة.. تقول طبيعة شغل الوالد علمتنا التجوال داخل وخارج البلاد.. أمي العزيزة علمتنا حب الديار والانتماء للجذور والعُقُّب.. مرتبطين بأهلنا وفرقانا وحلالنا.. يعني ببساطة أنا اكتر واحدة في الأسرة أعشق الإجازة مع حبوباتي وخالاتي وعماتي في الفرقان.. أحب البادية بطريقة ما معقولة.
بصمة جديدة
من حبها للبادية البسيطة قررت شادن أن تسهم في إصلاح تلك المجتمعات بطريقة بسيطة: من أكثر الأشياء المقلقه طريقة تفكير الناس في حلول مشاكلهم وطبعاً الحكامة واحدة من المحمسين للحروب رغم وجود أدوار إيجابية إلا أن إدارتها للحروب من أبشع واجباتها. وبسبب هذه الحكامة القبائل تفقد عدد كبير من أبنائها ورجالها حتى اليافعين فكان هدفي أن أغير هذا النهج المميت وأكون تلك الحكامة المتعلمة المسالمة الواعية الطيبة حتى يعيش من حولي بسلام.
حتى هذا الدور يحتاج إلى موهبة، وكشفت شادن أنها ورثت من أهلها الكتابة وتنميق المفردات إلا أنها وضعت بصمتها بقولها “أضفت لنفسي علم وصقلته بالتجارب والتثقيف وحرصت على تنمية لغة السلام مهمتي هي إعادة أفضل العادات والتقاليد القديمه بثوب حديث حتى نتماشى بحديث التفكير حتى لا نختلف عن الآخرين ونبدأ حيث انتهوا”.
إحساس بالأمان
سخّرت شادن مشروعها لخدمة السلام المجتمعي بفكرة أن إنسان المنطقة البسيطة في كردفان ودارفور يحتاج للاستقرار والأمان فقط، وأردفت “هم يعشقون باديتهم ويعشقون الزراعة والرعي والتجوال مع سعيتهم لا يريدون سوى الإحساس بالأمان هل هذا أصبح من المستحيلات إذا لم يكن هناك استقرار إذا يتضاعف الموت ويقل الأكل والشرب وتشح الأرض وينعدم التعليم والصحة هذا بالضبط ماحصل لأهلي”.
دافع قوي
أهلها هم دافعها لمشروعها الذي كرست له وقتها بقولها “هو الذي دفعني دفع للدفاع عن قيمة الحكامة وهي تأتي بالمحبة والسلام هي تفتخر بأصلها وجذورها هي تهجو الأخطاء بلسان عفيف ومفردة شفيفة هي تزرع فينا حب الوطن التراب هي تشد من أبطالنا وفراسنا هي الحكم العادل هي القيم المقدرة هي التي تحافظ على إسم وعظمة الأجداد ليست حماسة الحروب ولا سفك الدماء.
هدف وواجب
الحكامة الحكيمة شادن كانت لديها قناعة تامة أن المشاكل التي تصنعها السياسة التي لا تحل إلا بالسلام والوعي والتركيز لذلك كانت دعوتها : “كونوا يد واحد تحاببو تواددو حتى تكونو جسد واحد من ثم يد واحدة فتقوى شوكتكم وتعيشوا بسلام بعيداً عن الفتن والغُّبن ونستمتع معاً بجمال مناطقنا وبساطة وطيبة أهلنا في البادية ونعمر أرضنا ونتعلم ونُعلم نتعالج ونُعالج ونكتفي ذاتياً… فقط هو الاستقرار والسلام والمحبة (هدفي وواجبي تجاه أهلي).
كلمات باقية
كانت هذه كلمات ورسائل شادن الباقية ومشروعها المعلن عن العودة إلى الذات ريفياً وخدمة المجتمعات البسيطة برسائل توعية من تلك المجتمعات، الحرب الغادرة أخذت شادن لأن مشروعها كان ضدها، غابت بجسدها وتركت أثرها الطيب وكلماتها الخالدة وصوتها الجميل.