في الكمبو أو الحلة الجنبو
كرار التهامي
*الدولة الآن في مخاض قاس فبعد الحرب أما أن تنجب مجتمعا آمنا ومتماسكاً أو مجتمعا مسكوناً بالجريمة والفوضى،إما أن تنجب مجتمعاً منسجماً أو آخر مسموم وعليل الجسد بالإثنية المسمومة ،ولكي لا نقع في مطب الخيار الثاني على الدولة ومن خلفها المجتمع المتماسك الصامد أن تكون قوية وشرسة وغير هيابة في مواجهة الجريمة ،فدماء الشهداء التي سالت أنهاراً هي منحة إلهية لغسل شوارعنا في المدن والقرى من العصابات التي غرزت أظافرها عميقة في جسد الوطن ليس بعد الحرب ولكن لسنوات طويلةُ قبل الحرب منذ ولادة ظاهرة (النيقرز) وتسعة طويلة وكل أشكال الجريمة المستجدة.
*السودان كان أكثر بلاد العالم أماناً هذا ما ظل يقوله السفراء الأجانب والغرباء في مجالسهم الخاصة وكانت الخرطوم من العواصم النادرة التي يمكن أن يجلس السفير في الشارع ليتناول إفطار رمضان مع أهل قرية أو يمارس رياضة الركض في الشارع العام وهو آمن.
*في أحد المؤتمرات الأفريقية التي انعقدت في السودان ذهبت الوفود تتنزه في أسواق أمدرمان وكان الاحساس بالأمان مثار حيرتهم واستغربوا كيف ان أسواق الذهب لاتحرسها الدبابات والشرطة المدججة وشركات الحراسة الخاصة.
*الفريق الدكتور العاجب عادل كان على رأس هرم الشرطة عندما زاره وفد من شرطة نيويورك الذين اعترفوا له حسب روايته أن الخرطوم أكثر اماناً من نيويورك ناهيك عن عواصم افريقيا التي ترزح في الجريمة.
*كان ذلك أيام زمان, الآن والحرب ترحل ستخلف وراءها أحوالاً وأهوالا ومادة خامة تحتاج لإرادة سياسية لإعادة تشكيلها واستعادة فريضة الأمن الغائبة وذلك بالآتي:
*أولا : أن تحتكر الدولة العنف بقوتها وجبروتها لاتترك حيزا لأي قبيلة أو شخص متنفذ أو مجموعة مسلحة في كل أرض السودان أن تحمل البندقية وتلوح بها في وجه الدولة لكي تحقق مطالبها وطموحات قيادتها الشخصية.
*ثانيا : على السلطات ورجال القانون أن لا يتحسسوا أو يترددوا في الهجوم على أي مجرم حتى لو احاطت به مائة ألف سيف وألف قبيلة و في أي حي أو أي منطقة, فالذي فاقم الجريمة هو الحساسيات السياسية واستغلال الخطاب العرقي أو القبلي لحماية المجرمين وتعقيد العدالة باضفاء شعارات زائفة تتعاطف مع الظالم والقاتل بميزة العرق والقبيلة, فالمجرم هو المجرم ولو نزل من عنان السماء.
*ثالثا : للجيش قوة ضاربة لا تتوفر لمؤسسات أمنية أخرى فلابد من مشاركة الجيش والقوات الخاصة ولو بأمر طوارئً كتفا بكتف مع الشرطة في تثبيت قواعد الأمن, بالذات في أوكار العصابات والأحياء التي تخنق العاصمة كالأفعى وتتضخم كل يوم وخاصة أن الكثير من سكانها المتبطلين كان لهم النصيب الأوفر في السرقات والاغتصاب والنهب في معية المتمردين والمرتزقة, وهولاء سيعودون بعد الحرب إلى أوكارهم مدججين بالسلاح ويدعون البراءة ويمارسون التجارة غير المرخصة في الأسواق وكأنك يا زيد ماغزيت.
*رابعا : يتم تفتيش كل بيت وكل راكوبة وكل كنيف وكل قاطوع وكل زقاق في هذه الأحياء المشبوهة دون هوادة والبحث عن المسروقات وتفعيل وسائل ضبط وتحقيق غير تقليدية لأن معظم هذه المسروقات يختبيء الآن في أحياء العاصمة التي اشتهرت بالجريمة والرزيلة وأوكار العصابات التي شارك عدد غير قليل منها في الحرب دعما للتمرد ونهبا للمدن وترويعا للسكان.
*خامسا : لابد أن يكون هنالك تقويم اجتماعي وتخطيط لهذه الأعيان العشوائية من جهات الدولة المختلفة والقيام بتفكيكها وتوزيعها إلى مناطق الإنتاج في الولايات المختلفة فوجود معظمهم في العاصمة وجود عاطل وحاضن للجريمة وذلك ينطبق على كل اماكن السكن العشوائي.
*سادسا : على كل حي وكمبو وقرية ومدينة أن يخرج خبثه ويقدم المتعاونين والمجرمين الذين شاركوا في القتل والنهب للسلطات ليبرئ نفسه من جنحتهم فليس للجريمة غطاء من أهل أو عرق فمثل ما أن الجرم ليس عاما فالبراءة ليست عامة وأن لايسمح لبعض الخراصين باستغلال ذلك سياسيا كانما الدولة تستهدف سكان الكنابي أو غيرهم, فالمجرم لا حماية له من عرق ولا عاصم له من القانون والدولة التي صمدت في هذه الحرب الكونية قادرة إذا توفرت الإرادة أن تستأصل شأفة الجريمة بغض النظر عن مظانها أو عرقها.
*سابعا :
ترقية حاسة المجتمع المدني والمنظمات الطوعية بالجريمة ومكافحتها وتدريب شباب الأحياء على هذه الشعيرة الموجود في أرقى مدن العالم حيث تقوم الأحياء والمدن بحماية نفسها بنفسها وكما ورد في القران الكريم على لسان ذي القرنين لأهل تركيا (ما مكني فيه ربي خير أعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردم), فالدولة مهما كانت قدراتها تحتاج عون المجتمع.
*ثامنا : إحياء فكرة العدالة الناجزة ومحاكمة من يرتكب جريمة سرقة أو نهب على ضوء أصول الاحكام في الفقه العام أو محاكم الطوارئ العاجلة وتفادي تباطوء المحاكم والحيل القانونية المتبعة في ذلك
*تاسعا : تزويد منفذي القانون مثل الجيش والشرطة الشعبية بكل أداوت القوة والعنف وتقنيات الرصد والمتابعة لمكافحة الجريمة واقتحام حواضنها إذا كانت في سكن عشوائي أو سكن فاخر في الكمبو أو المدينة الجنبو.