فيما أرى : صورة لمقتل فنان (1/3)

فيما أرى

عادل الباز

صورة لمقتل فنان (1/3)

أهدى المؤلف والكاتب الرَّصين، د. حسن الجُزولي، الشهر الماضي للمكتبة السُّودانيَّة كتاب “زمن وليم أندريا”، وثَّق فيه لفترة مهمَّة من تاريخ السُّودان الحديث عبر تتبُّعه لسيرة الفنان ولاعب السلة الشهير بالغزال الأسمر “وليم أندريا”.

مزج حسن الجزولي في سِفره الجديد بين سيرة “وليم” وبين تاريخ الخرطوم وناسها، مُصوِّراً جانباً من مشاهد الصِّراع السياسي العنيف الذي أودى بحياة “وليم أندريا”، بجانب تقديمه صورةً حيَّةً لتاريخ الخرطوم الثقافي والغنائي.

الذين تابعوا كتابات د. حسن الجُزولي سيُدهشهُم تنوُّع اهتمامات هذا الكاتب والجهود الكبيرة التي يبذلها في تقصِّي المعلومات وتقديمها بشكلٍ سردي غاية في الإمتاع. للجُزولي دائماً ما يضيفه لتاريخ الشخصيَّات أو الأحداث التي يُؤرِّخ لها بمحبَّة. فعل ذلك في “عنف البادية – عبدالخالق محجوب”، وفي “نور الشقائق – السيدة فوز”، وهُما الكتابان اللذان عثرتُ عليهما منشورين للكاتب، إضافة للإصدارة الجديدة “زمن وليم أندريا” التي نحن بصددها الآن والتي صدرت عن ‘دار مدارك للنشر’.

يُؤرِّخ الكتاب لما جرى للفنان ولاعب السلة الماهر “وليم أندريا”. اختار الكاتب أن يروي ما جرى لـ“وليم” قبل أن يدلف للتعريف بشخصيَّته، وهو منهجٌ يفتح شهيَّة القارئ لتتبُّع أحداث تلك الأيام.

في منتصف السبعينيات يقول الكاتب: «ما بين الثالثة والرابعة من صبيحة يوم الجمعة، الموافق 2 يوليو عام 1976، صحت الخرطوم على أصوات رُصاصٍ كثيف، تراشُق بالنيران، وقذائف حربيَّة ممَّا أدخل القلق في نفوس أهلها، فهرعوا للشوارع لمعرفة ما يحدث».

روى حسن الجُزُولي مشاهد من تلك الأيام التي شهدت فيها العاصمة أحداث ما يُسمَّى بـ“غزو المرتزقة” والتي استباحت فيها قوَّات “الجبهة الوطنيَّة” العاصمة الخرطوم، تلك القوَّات التي تأسَّست آنذاك من فصائل الاتحاديين والأنصار والإخوان المُسلمين الذين جرى تدريبهم وتسليحهم في ليبيا بواسطة العقيد مُعمَّر القذافي، بهدف إطاحة نظام نميري الذي كان في عداء شديد يومئذٍ معه. في اليوم الرابع من يوليو 76، تمَّ دحر محاولة إطاحة السُّلطة التي قادها العميد محمَّد نور سعد، واستعادت القوَّات المسلحة السيطرة على الأوضاع عسكرياً وسياسياً، وأنهت مغامرة المعارضة التي بدأت قبل ثلاثة أيام.

لم يستغرق الكاتب طويلاً في أحداث يوليو 1976، باعتبار أنه لا يُؤرِّخ لتلك الأحداث تفصيلاً، واكتفى بما له علاقة بتوثيق جوانب في حياة “وليم أندريا”.

عرض الكاتب خلال سرده الشائق جانباً مهماً من تاريخ وجغرافيَّة “منطقة الخرطوم غرب”، حيث مسرح الأحداث، ومضى راسماً صورة البيئة الاجتماعيَّة، واصافاً شُخُوصها وتاريخها، مُضيئاً جوانب من ضجيجها وحيويتها.

في تلك المنطقة، تساكن خليطٌ غريب من البشر: أرمن، سودانيون، إثيوبيون، إغريق، وجاليات أخرى كثيرة، الشيء الذي وهبها حيوية عالية ووضعها تحت أعيُن السُّلطات والمُخابرات. في خضم أحداث يوليو 1976 بتلك المنطقة جرى قتل “وليم أندريا”.. فمن هو “وليم أندريا”؟! ولماذا قُتل بدمٍ باردٍ؟!

نواصل…

Exit mobile version