فيما أرى : زمن وليم أندريا.. صورة لمقتل فنان (2/3)
عادل الباز
في الحلقة الأولى من استعراضنا لكتاب “زمن وليم أندريا”، للكاتب حسن الجُزُولي، قلتُ إنَّ الكاتب سَرَدَ جانباً مُهِمَّاً من تاريخ وجغرافيَّة “منطقة الخرطوم غرب” حيث مسرح الأحداث، ومضى راسماً صورة البيئة الاجتماعيَّة، واصفاً شُخُوصها وتاريخها، مُضيئاً جوانب من ضجيجها وحيويتها.
فماذا جرى في تلك المنطقة التي تعتبر من أعرق أحياء الخرطوم؟! يقول الكاتب: «يقع المنزل الذي شهد جريمة مقتل “وليم أندريا” شمال محطة السكة الحديد وشرق داخليات كليَّة الطب بالخرطوم غرب، وتحديداً شرق شارع الحريَّة جنوب مدرسة “فيلا جيلدا” للبنات التابعة للكنيسة الكاثوليكيَّة بشارع 21 أكتوبر، المُتقاطع مع شارع الطيَّار جميل».
بعد وصف الكاتب لجغرافية تلك المنطقة والمنزل مسرح الجريمة بدقةٍ، روى ما حدث قائلاً: «في تلك الأيام – 2 يوليو 76 وما بعده – كان منزل أسرة أندريا نصَّار (والد وليم) المعلم السابق بالاستوائيَّة بجنوب السُّودان قد تعرَّض للتفتيش أكثر من مرَّة من قِبَل دوريات عسكريَّة، لخُطورة تلك المنطقة التي تكتظ فيها جاليات كثيرة».
في ذلك اليوم يروي الكاتب ما جرى للفنان “وليم أندريا” على لسان صديقه وزميله كابتن خميس لاعب كرة السلة الشهير: «خرج وليم في ذلك اليوم – 2 يوليو – صباحاً لتوصيل صديقه وزميله السموأل، عازف الترومبيت في فرقته التي كانت تعزف في كازينو حمَّاد على شاطئ النيل الأزرق، كازينو عائم، فأحداث تلك الليلة (الخميس) لم تمكِّن سموأل من الذهاب لأهله وبيته في الشجرة، نظراً لحظر التجوال الذي فُرض على العاصمة».
ثم انتقل الكاتب لراوٍ آخر – أحمد رستو صاحب أغنية “بدور أرتاح” – ليروي بقية القصة: «عندما عاد “وليم أندريا” لمنزله وجد دوريَّة عسكريَّة أمام باب منزله فطلب قائدها منه فتح الباب لتفتيش المنزل للمرَّة الثالثة، وهي المرَّة التي كان فيها الضابط قائد المجموعة لطيفاً مع وليم، حيث اعتذر لوليم»، حسب إفادة رستم صديق القتيل للكاتب.
«في المرَّة الرابعة سمع الجميع داخل البيت طرقاً على الباب، فنهض ابن الأسرة المتوسط “وليم أندريا” وترك فنجان قهوته الصباحية التي اعتاد تناولها في ذات الوقت يومياً ليفتح الباب، ليفاجأ بدوريَّة عسكريَّة جديدة قد جاءت للمرَّة الرابعة على التوالي لتفتيش المنزل، هُنا استشاط الفتى غضباً، فصفق باب المنزل على وجوههم بشدةٍ تعبيراً عن ضيقه من هذا التعدِّي غير المحتمل. في تلك اللحظة حدث ما لم يكُن في الحُسبان، إذ فتح جُنود الدوريَّة الواقفون بالخارج نيران رشاشاتهم على الفتى “وليم” عبر الباب الموصد ليردوه قتيلاً في الحال، دون تقديرات أو تروٍ، فانتفض جسد الفتى الغض كالذبيحة لحظة النحر، سابحاً في دمائه جثةً هامدةً»..
نواصل…