عادل الباز
1
نفى الجيش بالأمس أن يكون قد أصدر بياناً يعلن فيه موافقته على الدعوة الأمريكية لمفاوضات جنيف، وفي انتظار معرفة الموقف في الأيام القادمة، طافت بذهني عدة أسئلة وخاصة بعد قراءتي بيان الخارجية الأمريكية وسأحاول عبر مقالات قادمة طرح تلك الأسئلة وأجري محاولاتي للإجابة عليها.
2
أول هذه الأسئلة التي طافت بخاطري عن الجيش والمفاوضات، لماذا يفاوض الجيش منفرداً إذا حدثت مفاوضات؟ إذا كنا نقاتل مع الجيش فلماذا لا نتفاوض معه؟ لماذا يكتب علينا القتال مع الجيش وحين المفاوضات يفاوض وحده؟ ليس لهذا السؤال أدنى علاقة بثقتنا بالجيش، ولكن لأنه من حقنا إذا كنا نقاتل معه أن نفاوض معه؟ أليس ذلك عدلاً؟.
3
ضع نفسك في مكان الحركات المسلحة التي تقاتل الآن مع الجيش أليس من حقها أن يُسمع صوتها في المفاوضات المصيرية في أي مكان؟ أليس من حق المجاهدين والمستنفرين الذين يستشهدون بالمئات يومياً أليس من حقهم أن يكون لهم صوت؟. أليس عيباً أن يتقدموا هم للشهادة بينما يقرر مصيرهم في جنيف آخرون؟. من حق الشعب الذي قتل واغتصبت نساءه ونهبت ممتلكاته أن يكون له رأي في المفاوضات.. أليسوا هم من أصحاب المصلحة؟ كيف يمكن أن يقبلوا خانعين نتائج مفاوضات ليسوا طرفاً فيها وهم الذين يقع عليهم عبء الحرب والمأساة كلها.. أين صوت الشعب… هنا مربط الفرس.
4
الجيش لايجب أن يذهب إلى مفاوضات منفرداً ذلك يضر بموقفه، لابد أن يحشد الجيش الشعب السوداني كله خلفه وذلك سيتيح له هامش واسع للمناورة ويقلل الضغوط التي ستفرض عليه.. كيف؟.
مفروض أن ينخرط الجيش منذ الآن في مشاورات واسعة ولقاءات مع كافة قطاعات الشعب ليعرض موقفه التفاوضي ويستمع لرأي الشعب بمشاورات واسعة مع الجماهير في الولايات بواسطة الولاة وقادة القوات المسلحة والمتحركات ثم يخرج بموقف موحد مستند لقاعدة جماهيرية واسعة ليصبح ذلك الموقف هو الموقف التفاوضي الذي لايقبل مفاوضو الجيش بأدنى من تحقيقه للشعب، فالجيش هنا لايفاوض كجيش بل يفاوض كدولة وجيش وشعب، وقتها سيدرك الذين يهيئون أنفسهم لاتخاذ كافة الأساليب ووسائل الضغط على المفاوضين، سيدركون أن المفاوضين يتحدثون بما طالب به الشعب وبذا سيكون موقفهم التفاوضي أقوي إذ أنهم يفاضون بإسم الشعب وعينهم على مطالبه، يحرسونها ويحققونها ولا يكترثون للضغوط ولايذعنون للاغراءات لأنهم ليسوا موفدين من أحد إنما هم موفدين من الشعب وليس الجيش وحده.
5
عجبت لأمر الجيش الذي وافق على أنه يمثل نفسه وليس الشعب.!!، اسوأ مافي دعوة الأمريكان أنها ساوت بين القوات المسلحة و(القوات المتمردة)، وساوت بين مليشيا ودولة، كان يجب أن تتم الدعوة للحكومة السودانية ممثلة الدولة وليس الجيش ـ إذا كانت الأمم المتحدة وكل العالم يعترف بشرعية الحكومة ويعترف بدولة السودان فالأولى بمن يجيء وسيطاً أن يعترف بالدولة التي يرغب أن توافق على وساطته….!! عجيبة والله.
6
الوفد الذي سيفاوض متى ما جاءت المفاوضات يجب ألا يمثل الجيش وحده ولا الحكومة وحدها بل طيف واسع من خبراء ومقاتلين يقفون مع الدولة يخوضون معها الآن المعارك… فالجيش بلا شعب سيهزم، وكما صمد الجيش وأفسد مؤامرة الانقلاب بفضل الشعب فلن يفرض عليه أي شئ إذا استصحب معه ممثلين حقيقيين لذات الشعب الذي دعمه وقاتل معه.
7
إذا حاول الجيش أن يتصدى للمفاوضات وحده سيضعف موقفه فيها كما سيضعف موقفه في الميدان، ويحط من الروح المعنوية للجيش نفسه والذين يقاتلون معه… فلا أحد يقبل أن يقاتل ويموت ولايُسمع صوته، لابد من تفاوض مدعوم من الشعب، بغير ذلك سيذهب وفد معزول عن الشعب ورغباته فيتعرض لضغوط هائلة ليوقع على أوراق مهترئة لا تساوي قيمة تذاكر رحلة جنيف وسيعود باتفاق سيرفضه الشعب الذي لا صلة له به، وقتها سيدفن في مقابر أحمد شرفي كما تم دفن 44 اتفاقاً قبله وُقعت على مدار تاريخ السودان وكلها لم تنتج سوى مزيداً من الحروب.. اللهم هل بلغت.