تقارير

فورين بوليسي: آبي أحمد.. صاحب الوجوه المتعددة

الأحداث – وكالات

كان آبي أحمد شخصية مألوفة للغاية في معبد التاريخ الإثيوبي، وفي نفس الوقت شخصا حديثا تماما، فهو قومي مسيحي على غرار الإمبراطور تيودروس الثاني في القرن الـ19، ورئيس تنفيذي لشركة يستخدم التفكير الإيجابي ومصطلحات المساعدة الذاتية لتعزيز إنتاجية موظفيه.

وبهذه اللقطة السريعة، عبرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن تعايش شخصيات داخل رئيس الوزراء الإثيوبي، وأكدت ذلك من خلال كونه زعيما مسيحيا ومكيافيليا في الوقت نفسه.
وعادت المجلة -في تقرير مطول بقلم توم غاردنر- إلى بدايات دخول هذا الشاب عالم الدولة والسياسة، منطلقة من لقائه الأول بالجنرال تيكلي برهان وولديريغاي، رئيس قسم المعلومات التكنولوجية بالاستخبارات العسكرية آنذاك، وقد دعاه للانضمام إلى فريقه الذي يعمل في مشروع استخباراتي مشترك مع وكالة الأمن القومي الأميركية.

سأموت من أجل أميركا:

وعندما عادت العلاقات بين الولايات المتحدة وإثيوبيا إلى القوة مع رئيس الوزراء ملس زيناوي، أصبح نفوذ إثيوبيا في واشنطن كبيرا، وتم إنشاء وكالة الأمن القومي الإثيوبية التي كانت نسخة خاصة من نظيرتها الأميركية، وأصبحت إثيوبيا دولة محورية للنظام الإقليمي ولضمان المصالح الغربية بمنطقة القرن الأفريقي وطريق التجارة الحيوي جيوإستراتيجيا في البحر الأحمر.
وكانت نسخة إثيوبيا الخاصة من وكالة الأمن القومي مكلفة بالحفاظ على البنية التحتية الرقمية المتنامية في إثيوبيا من التهديدات الأجنبية، ولعبت في وقت لاحق دورا في مراقبة الإنترنت وفرض الرقابة عليه، إلا أنها لم تكن في البداية تهدف إلى أن تكون وكالة تجسس محلية.
وكان آبي أحمد قد أُرسل مع 5 زملاء لدراسة التشفير في جنوب أفريقيا لمدة 6 أشهر، ليرأس قسم ضمان أمن المعلومات، وكان من بين مجموعة صغيرة من الأورومو في إدارة لا يزال يهيمن عليها التيغراويون وحزبهم جبهة تحرير شعب تيغراي برئاسة زيناوي.

سريع التواصل:

وقال أحد رؤساء أبي أحمد من التيغراي إنه “كان سريع التواصل وشابا ومن الأورومو، ولهذا السبب تم اختياره. وكانت موهبته الرئيسية هي التواصل مع الناس” كما جعله العمل على اتصال أوثق بالمسؤولين الأميركيين، مما سمح له بقضاء بعض الوقت في برامج التدريب الأميركية وزراعة بعض الروابط الأجنبية القيمة في السنوات التي سبقت توليه منصب رئيس الوزراء.
وتفاخر آبي أحمد يوما لمجلة “ذا نيويوركر” قائلا “كنت الشخص الذي يرسل معلومات استخباراتية من هذا الجزء من العالم إلى وكالة الأمن القومية الأميركية، حول السودان واليمن والصومال. وكالة الأمن القومي تعرفني. سأقاتل وأموت من أجل أميركا”.

إمبراطور وحداثي:

وتذكر الصحيفة أن آبي أحمد كان متعدد الشخصيات، فهو إمبراطور طموح يتوق إلى ماضٍ مجيد، كان يبني لنفسه قصرا فخما في التلال التي تعلو العاصمة قيل إنه كلف مبلغا باهظا، ولكنه أيضا كان قارئ مستقبل يتطلع إلى ما هو قادم.
وشيد آبي أحمد أول متحف علمي على الإطلاق في إثيوبيا، على أساس رؤية حديثة للغاية للتقدم الوطني، مبني على الاكتشاف العلمي والذكاء الاصطناعي، وسعى لبناء إثيوبيا الجديدة دولة للمدن الذكية، ورجال الشرطة الآليين وبطاقات الهوية البيومترية ومحاكاة الواقع الافتراضي والمراقبة المتطورة، حتى شبهه البعض برجل التكنولوجيا في وادي السيليكون.
ولكنه كان مربكا ومتناقضا، فقد يبدو واعظا وجاسوسا في نفس الوقت، وهو مسيحي متحمس ولكنه في نفس الوقت براغماتي، يقول أحد زملائه “كل شيء عنده مؤامرة”. ويقول آخر “لا أعتقد أن في إثيوبيا لاعب شطرنج جيدا مثله” لكنه أيضا مقامر، يعتبر الفوضى فرصة يمكن تحويلها إلى نعمة.
وصل آبي أحمد إلى السلطة في وقت من الاضطرابات الدولية، ومن خلال عالم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، فطبق تقنيات القرن الـ21 للدعاية عبر الإنترنت والتضليل تماما كما أحيا سياسة البلاط الإمبراطورية لإثيوبيا.

صديق للجميع غير مخلص لأحد:

ومع تفكك النظام العالمي وتفكك التحالفات التقليدية، يريد آبي أحمد أن يكون صديقا للجميع ولكن دون أن يكون مخلصا لأحد -كما يقول الكاتب. ولفهم نهجه في السياسة، من الضروري تذكر وقته داخل أجهزة الاستخبارات، حيث بنى الشبكات الاجتماعية التي سهلت مسيرته السياسية واكتسب الأصدقاء الذين أصبحوا حلفاءه الأكثر ثقة.
وبنى آبي أحمد شبكة مثيرة للإعجاب تضم كبار الجنرالات والسياسيين ورجال الأعمال، وكان على علاقة جيدة برئيس الوزراء زيناوي نفسه على الرغم من أنه لا يزال في أوائل الثلاثينيات من عمره، وبدون أي مؤهل أكاديمي يتجاوز شهادته من جنوب أفريقيا.
ويتذكر مسؤول أميركي كبير كان مقربا من زيناوي في ذلك الوقت أن “آبي أحمد كان واحدا من الشباب الأذكياء للغاية بين الأورومو وكان موضع ثقة” ولكن آخرين زعموا أنه استخدم منصبه في وكالة الأمن القومي لبناء قاعدة سياسية.

العالم أخطأ في فهمه:

أخبر آبي أحمد الجميع أنه سيكون رئيسا للوزراء، وفي عام 2010، طرده تيكلي برهان من المعهد الوطني للإدارة والتخطيط الذي خلفه على رئاسته أثناء سفره، لسوء إدارة المشاريع والفساد المزعوم.
وبعد 8 سنوات فقط، عاد آبي أحمد وتولى رئاسة الوزراء على خلفية الاحتجاجات الجماهيرية في منطقته الأصلية أوروميا، وصور نفسه على أنه محارب شعبوي ضد الاستبداد والفساد والإحباط الاقتصادي. وشرع رئيس الوزراء الجديد، وسط هتافات العديد من الإثيوبيين في الداخل والخارج، في العمل على تقليص وجود التيغراي في الدولة الإثيوبية.
ولكن العالم أخطأ في فهم آبي أحمد عندما تولى السلطة عام 2018، وتم تكريمه في الغرب باعتباره مصلحا ليبراليا، وشخصا من شأنه أن يقود إثيوبيا، التي أفسدتها السياسة الفصائلية والهويات المتنافسة، إلى مستقبل ديمقراطي و”ما بعد عرقي”.
وباعتباره أول زعيم وطني في تاريخ إثيوبيا الحديث يحدد هويته بأنه من الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، كان يُعتقد أن آبي أحمد هو موحد أثيوبيا بعد سنوات من الانقسام، وقام بعد عام واحد بإبرام اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا، وحصل على جائزة نوبل للسلام، وقالت رئيسة لجنة نوبل إن الجائزة اعترفت “بجهود آبي أحمد لتحقيق السلام والتعاون الدولي، وخاصة مبادرته الحاسمة لحل الصراع الحدودي مع إريتريا المجاورة”.
وفي حفل أقيم في أوسلو، أعلن آبي أحمد أن الحرب “تجسيد للجحيم لكل المتورطين، وأنا أعلم ذلك لأنني كنت هناك” ولكنه بعد أكثر من عام بقليل، أشعل واحدة من أسوأ الحروب في القرن الـ21 في المنطقة الشمالية من إثيوبيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى