فرنسا.. صانعة المجازر والانقلابات
بشارة سليمان نور
لعل الكثير من السودانيين لايعرفون التاريخ الفرنسي الدموي إبان الفترة الاستعمارية التقليدية ولحسن حظ السودانيين أن فرنسا لم تتمكن من استعمار السودان فقد تم التصدي لها في محاولتين لها لاستعمار بلادنا، من الناحية الجنوبية عبر معركة فشودة إبان الاستعمار البريطاني للسودان، ومن الناحية الغربية حيث تصدت سلطنة المساليت بقيادة السلطان تاج الدين، ويبدو أن الصمود السوداني البطولي في تلك المعركة، هو السبب وراء كل هذا الشر الذي تمارسه فرنسا الآن بحق الشعب السوداني بدعمها للجرائم التي تقوم بها المليشا المتمردة من قتل وتهجير وتدمير ونهب، ومن الضروري ولطالما تسابق بعض السياسيين المنبتين عن قواعدهم الشعبية ومبادئهم الوطنية للحج والطواف بباريس، أن نذكر الشعب السوداني بالتاريخ الفرنسي القائم على صناعة الانقلابات وارتكاب المجازر وبهذا يسهل تفسير تحالف فرنسا مع المليشيا المتمردة وأشتات السياسيين الداعمين لها.
تاريخ فرنسا الاستعماري مشبعٌ بالمجازر والمذابح، فقد ارتكبت الكثير من الانتهاكات الحقوقية عبر تاريخها إبان إنشائها المستعمرات في كافة أرجاء العالم، وخصوصاً القارة الأفريقية التي عاشت مشاهد العبودية والمجازر والتمييز العنصري التي لا تسقط بتعاقب الليل والنهار، لإخضاع “السكان الأصليين” ثقافياً وإنسانياً. فلم يكَد يومٌ يمرّ من تاريخ فرنسا الاستعماري بأفريقيا، دون أن يكون شاهداً على جرائم ومجازر فرنسا ضد الأفارقة، ونأخذ بعض أشهر المجازر التي ارتكبتها فرنسا في القارة الأفريقية مجزرة كتشاوة: حين قتلت فرنسا 4 آلاف مصلٍّ جزائري.
تعدُّ الجزائر من أكثر الدول التي ارتكبت في حقّها فرنسا الاستعمارية أكبر عدد من المجازر، فطيلة فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر والممتد لـ132 سنة، قتلت فرنسا أزيد من 6 ملايين جزائري، مليون ونصف قتلتهم فقط في فترة الثورة التحريرية من 1954 إلى غاية 1962 سنة استقلال الجزائر.
فبمجرّد دخولها الجزائر سنة 1830م، افتتحت فرنسا سجلها من المجازر في حق الجزائريين، عبر مجزرة مسجد كتشاوة، حين أراد الحاكم الفرنسي للجزائر آنذاك “الدوق دو روفيغو”، نهاية العام 1832 اقتحام المسجد لتحويله إلى كنيسة، ووسط رفض سكان المدينة الذين اعتصموا داخله، قام بهدمه على من فيه؛ متسبباً في مقتل 4 آلاف مصلٍّ داخل المسجد، كما قام بتحويل المسجد إلى إسطبل للخيول.
مجزرة 8 مايو:
45 ألف جزائري يقتلون في 15 يوماً وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء، خرج الجزائريون في 8 مايو/أيار 1945م، في مظاهرات لمطالبة فرنسا بالوفاء بوعودها لهم بالاستقلال إذا شاركوا في الحرب و ساعدوا فرنسا، رافعين شعار “تحيا الجزائر المستقلة”
خلال تلك المظاهرات ظهر للمرة الأولى العلم الجزائري، لتصدر السلطات الاستعمارية الفرنسية أمرها بإزالة اللافتات والأعلام، لكن الشاب الجزائري بوزيد سعال رفض إنزال العلم الجزائري، فاندلعت الاشتباكات، وأطلق شرطي النار وقتل بوزيد سعال، فسادت حالة من الذعر بين المتظاهرين وكانت بداية أعمال المجزرة الكبرى.
خلال تلك المجزرة، دمر الجيش الفرنسي 44 قرية خلال 15 يوماً، في الوقت الذي كان ينفذ غارات جوية تقتل مئات السكان من النساء والأطفال والشيوخ.
كانت حصيلة المجزرة 45 ألف شهيد جزائري، فيما تذكر بعض الإحصاءات أن العدد وصل إلى 70 ألف شهيد، إضافة إلى اعتقال أكثر من 5 آلاف جزائري، واستمرت الاعتقالات بعد المجزرة بشهور لتصدر المحاكم الآلاف من أحكام الإعدام في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.
التجارب النووية الفرنسية بالجزائر.. الجريمة المستمرة حتى الآن
ولا يمكن أن نغفل عن التجارب النووية الفرنسية التي لا تزال آثارها مستمرة حتى الآن بين سكان مدينة رقان الجزائرية، فقد كان أول تفجير نووي فرنسي في صحراء منطقة رقان الآهلة بالسكان، بتاريخ 13 فبراير/شباط 1960م، عندما أطلقت فرنسا أولى قنابلها النووية هناك والتي كانت تحت اسم “اليربوع الأزرق”، وهي القنبلة التي ضاهت قوتها 4 قنابل من مثل قنبلة هيروشيما. شكَّلت قنبلة اليربوع الأزرق، بداية سلسلة طويلة من التجارب النووية التي وصل عددها إلى 57 تجربة فُجِّر خلالها 17 قنبلة نووية، أربع منها بالجو وكانت ملوثة للغاية، ثم بعد ذلك 13 قنبلة باطنية وسط الجبال. ورغم رحيلها عن الجزائر سنة 1962م، استمرت فرنسا في تجاربها النووية، وكان آخرها بتاريخ 16 فبراير/شباط 1966م، والتي اعتبرتها فرنسا آخر تجربة نووية لها بالجزائر.
ولا تزال حتى الآن الآثار السلبية لهذه التجارب مستمرة بين الأجيال في منطقة رقان الجزائرية.
مجزرة رواند:
حيث تسببت فرنسا في مقتل 800 ألف رواندي في 6 أبريل/نيسان 1994، وقصفت الطائرة التي تقل الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا وقتل جميع من كانوا على متنها، وفي أقل من 24 ساعة من تلك الحادثة، بدأت عمليات قتل واسعة لقبائل التوتسي في العاصمة الرواندية كيجالي، وذلك بعد أن اتهم متشددو الهوتو جماعة الجبهة الوطنية المتمردة بالمسؤولية عن قصف الطائرة، وبدأوا على الفور حملة منظمة لقتل التوتسي والقضاء عليهم كلياً. بينما قالت الجبهة الوطنية الرواندية إن الهوتو هم من أسقطوا الطائرة كذريعة لتنفيذ إبادة جماعية، كانت فرنسا أكبر الداعمين لحكومة الهوتو الحاكمة، من خلال تقديمها أسلحة كثيرة لحكومة الهوتو، كما قدمت البنوك الفرنسية تسهيلات واعتمادات لصفقات أسلحة أبرمتها رواندا مع كل من الصين ومصر وجنوب أفريقيا، رغم علمها بتداعيات قيام المذبحة، ففي أوج الإبادة الجماعية بين 19 أبريل/نيسان و18 يوليو/تموز 1994 تم إيصال 6 شحنات من الأسلحة الفرنسية بقيمة 5 ملايين و454 ألفاً و395 دولاراً إلى حكومة الهوتو.
ويروي جان بول غوتو في كتاب “الليلة الرواندية” أن المساعدات العسكرية الفرنسية أدت لزيادة القوات المسلحة الرواندية من نحو 5 آلاف عنصر إلى قرابة 50 ألفاً، تكفلت باريس بتدريبهم وتسليحهم.
وفي السادس من مايو/أيار عام 1994 كتب الجنرال كريستيان كيسنو- رئيس الأركان الخاص للرئيس فرانسوا ميتران-، مذكرة أكد فيها “أنه في حال عدم وجود استراتيجية مباشرة في المنطقة التي قد تبدو صعبة التنفيذ سياسياً، فإن لدينا وسائل ومفاتيح استراتيجية غير مباشرة يمكن أن تعيد توازناً معيناً”. كما قامت باريس بهذه الأدوار المحورية عبر شخصيات مهمة مقربة من قصر الإليزيه ورئاسة الأركان الفرنسية حينها، ومن أبرزها بوب دينارد العسكري الفرنسي الذي قاد قوات مرتزقة تعمل إلى جانب الجيش ومليشيات الهوتو.
بالإضافة إلى ضابط الشرطة الفرنسية بوب باريل الذي كان يعمل على تجنيد المرتزقة في الإبادة الجماعية في رواندا. ولم يكن الدور الفرنسي في المذبحة مقتصراً على تقديم الدعم العسكري واللوجستي، بل إن باريس عملت على هروب المسؤولين عن المذبحة من رواندا، ففي 23 يونيو/حزيران أطلقت فرنسا “عملية توركواز” أي الممر الإنساني الفرنسي الذي ساهمت من خلاله في تسليح وهرب آلاف المشاركين في المجازر من قبائل الهوتو. وبحسب تقرير أممي صدر سنة 2014، من المقدر أن ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة جرى اغتصابهن، خلال المذبحة وكثيرات من النساء اللائي نجين من المذبحة، هن الآن إمّا مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية أو يمتن من الإيدز، كما يوجد حوالي مليون يتيم في رواندا نتيجة لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994.
وكشفت دراسة هامة أجراها باحثون بجامعة جنوب فلوريدا ومركز أبحاث الصحة العالمية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة على خريطة المادة الوراثية لنساء من عرقية التوتسي اللواتي عايشن فترة الإبادة الجماعية التي عاشتها رواندا في منتصف التسعينات تغييرات في الحمض النووي؛ ما أثر على الوظائف الجينية للمواليد هناك.
مجزرة كبكب بتشاد:
بعد احتلالها الجزائر والسنغال ومالي وتوغلها في أفريقيا الوسطى، بدأت فرنسا توسعها في عمق صحراء القارة الأفريقية مستهدفةً دولة تشاد.
ومع نهاية القرن التاسع عشر، كانت تشاد تحت إمرة رابح الزبير بن فضل الله، ذلك الزعيم السوداني الذي أسس إمبراطورية قوية غرب بحيرة تشاد، متخذاً من الشريعة الإسلامية أساساً للحكم، والقرآن دستوراً واتجه غرباً لنشر الإسلام. مثلت دولة رابح العقبة الأولى أمام مخططات فرنسا التوسعية في تلك الفترة، فقد تصدى لحملاتها وقتل العديد من قادتها على غرار بول كرامبل. بوجود دولة رابح الزبير، أدركت فرنسا أنها لن تستطيع السيطرة على كامل تشاد إلّا بالقضاء عليه، فقررت فرنسا إرسال قوات أخرى قادمة من أفريقيا الوسطى والجزائر نحو بحيرة تشاد بقيادة الضابط لامي الذي قاد الجيوش في معركة “لخته” التي انتهت بمقتله واستشهاد رابح في أبريل/نيسان 1900.أدركت فرنسا أن مقاومة رابح الزبير بن فضل كان وراءها علماء ورجال الدين المسلمون، ولمنع أية مقاومة إسلامية مستقبلية في تشاد، بدأ الاستعمار الفرنسي في مخططه للقضاء على الإسلام، ولن يكون ذلك إلّا باستهداف علماء تشاد المسلمين.
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، قام القادة الفرنسيون بدعوة العلماء الإسلاميين في ربوع تشاد كافة للقائهم، لمناقشة الوصول إلى حل وسط بخصوص إدارة البلاد.
وبالفعل، اجتمع في ساحة مسجد مدينة أَبشة بإقليم واداي ما يقرب من 400 عالم دين والعديد من الزعماء المحليين المسلمين، وكان هدف الاجتماع الاحتفال بتتويج العقيد المسلم دكوم الذي رضيت به فرنسا سلطاناً على المسلمين في تشاد. فجأة ودون سابق إنذار، هاجم اجتماع علماء تشاد مجموعة من المسلحين، بالأسلحة النارية والسواطير، فقتلوا كل مسلم موجود بمن فيهم العقيد دكوم، ثم وضعت الجثث في حفرة كبيرة بمنطقة أم كامل، وهو وادي داخل أبشة والمقبرة موجودة حتى الآن.
على إثر تلك المجزرة، استولى الفرنسيون على تشاد، ولم تعد القوات الفرنسية تلقى مقاومة عسكرية أو ثقافية في تشاد إلا في مناسبات قليلة. بقيت هذه المجزرة البشعة، راسخة في الذاكرة الجماعية في تشاد تحت اسم “مجزرة كبكب”، وباتت ترمز إلى الاستعمار التعسفي في تشاد والدول المحيطة بها.
مجزرة الشاوية في المغرب:
لم يسلم المغاربة من الإرهاب الدموي الفرنسي، فقد قتلت فرنسا في مجزرة الدار البيضاء التي ارتكبتها سنة 1907، خُمس سكان المدينة، وقامت بتدمير المدينة على رؤوس ساكنيها، بعد أن عبّر سكانها من قبائل الشاوية عن امتعاضهم من مخطط فرنسي للسيطرة على ميناء الدار البيضاء، فكانت تلك المجزرة بمثابة البوابة التي احتلت من خلالها فرنسا المغرب سنة 1912. فبعد أن أظهرت قبائل الشاوية امتعاضها من السيطرة الفرنسية على ميناء الدار البيضاء، ورفضها للتدخل الفرنسي في المغرب، من خلال حادثة مقتل تسعة عمال أوروبيين بالميناء في 30 يوليو/تموز 1907، والذي أعقبته انتفاضة قبائل الشاوية الذين سيطروا على الدار البيضاء. قامت السلطات الفرنسية باستغلال هذه الأوضاع كذريعة لشن هجوم على الدار البيضاء واحتلالها وارتكاب أبشع مجزرة في تاريخ المدينة.
في الخامس من أغسطس/آب 1907، بدأت العملية العسكرية الفرنسية ضد مدينة الدار البيضاء، قصفت من خلالها البوارج الحربية الفرنسية شوارع الدار البيضاء بكثافة، فقتلت نحو 6 آلاف مغربي من أصل 30 ألف نسمة، هم عدد سكان المدينة قبل الهجوم، كما دمرت جميع أحياء المدينة، ولم ينجُ سوى الحي الأوروبي الذي كان يضم مقار السفارات والقنصليات الأوروبية بالمدينة.
مجزرة تازركة بتونس:
بعيد اندلاع المقاومة الوطنية التونسية المسلّحة سنة 1952، ارتكب جيش الاحتلال الفرنسي جرائم حرب ومجازر في مناطق مختلفة من التراب التونسي، كانت أبرزها مجزرة تازركة بولاية نابل التونسية.ففي ليلة 29 إلى 30 من يناير/كانون الثاني 1952، قام الجيش الفرنسي بقيادة جون دوهوت كلوك، باستهداف قرية تازركة التونسية، وذلك بالقيام بإخراج الرجال من بيوتهم وتجميعهم في بطحاء تحت الحراسة المشددة.
ثم قام الجنود الفرنسيون بالدخول إلى البيوت والقيام باغتصاب النساء التونسيات، ولم يسلم حتى الرضع من وحشية الجنود الفرنسيين الذين قتلوا عدداً منهم دهساً.
مجزرة ساقية سيدي يوسف:
ولم تكن تازركة المجزرة الوحيدة التي ارتكبها الفرنسيون ضد التونسيين، فبالرغم من حصولها على الاستقلال سنة 1956م، إلّا أن المجازر الفرنسية في حقّها لم تتوقف، ففي فبراير/شباط 1958م ارتكبت فرنسا واحدةً من أبشع مجازرها، حين مزجت بين دماء التونسيين والجزائريين، وذلك بارتكابها مجزرة ساقية سيدي يوسف. فبعد استقلال تونس، كانت الحدود التونسية الجزائرية معقلاً للثوار الجزائريين، ومصدراً لدعم الثورة الجزائرية، التي كانت تؤرق الفرنسيين، ومن أجل خنقها وضرب مصادر تمويلها، عمدت فرنسا إلى استهداف منطقة سيدي يوسف التونسية في 8 فبراير/شباط 1958.
ولم يكن اختيار ذلك التاريخ لشنّ الهجوم اعتباطاً، إذ صادف ذلك يوم السوق الأسبوعية في المدينة، التي يحتشد فيها عدد كبير من المدنيين التونسيين، ويتوافد إليها عدد كبير من الجزائريين لتسلم المساعدات والمعونات الغذائية من المنظمات.
ومع حلول الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، غطت أسراب من الطائرات القاذفة والمطاردة الفرنسية سماء ساقية سيدي يوسف وشنّت غارات وقصفاً متواصلاً استمر أكثر من ساعة. ووفق إحصائيات رسمية، أسفر الهجوم الذي امتزجت فيه دماء الشعبين، عن سقوط نحو 68 قتيلاً بينهم 12 طفلاً و9 نساء، إلى جانب 87 جريحاً من التونسيين والجزائريين.
مذبحة مورامانغا:
عندما قتلت فرنسا مئات السجناء في مدغشقر مع حلول منتصف ليلة 29 من مارس/آذار 1947، اندلعت انتفاضة شعبية في جزيرة مدغشقر، نتيجة الاضطهاد الفرنسي المستمر منذ نهاية القرن التاسع عشر هناك.
كان رد فرنسا على تلك الانتفاضة عنيفاً ودموياً بشكلٍ كبيرٍ، لم يسلم منه أحد صغاراً وكباراً وحتى النساء العزل. فقد أعدم الجنود الفرنسيون المئات، وعذب عشرات الآلاف وأحرق القرى وأطلق النار على المتظاهرين، وركزت القوات الفرنسية على قتل قيادات الانتفاضة بطريقة بشعة، كما ألقى طيارو الدولة الاستعمارية عدداً من السجناء الذين يدعون للاستقلال من الجو لإرهاب القرويين وشن حرب نفسية ضدهم.
ولعلّ أبرز مجزرة ارتكبتها السلطات الفرنسية في سبيل قمعها لانتفاضة سكان مدغشقر الأصول الملغاشية، مذبحة مورا مانغا التي سقط فيها مئات الملغاشية، ففي 5 من مايو/أيار 1947، أطلق الجيش الفرنسي النار على ثلاث عربات ثابتة تنقل 166 سجيناً ملغاشياً في محطة مورامانغا، شرق أنتاناناريفو عاصمة البلاد، خوفاً من أن يحاول السكان الأصليون تحرير السجناء. وفي الصباح فجع المالغشيون بـعثورهم على 112 جثة ملقاة في بركة من الدماء، من بين 166 سجيناً، فيما نجا الباقي لكن نقلوا إلى سجن مورامانغا، حيث مات بعضهم من الجوع وسوء المعاملة في الأيام الثلاثة التالية. كما تم حشر عدد منهم في شاحنات ونقلوا إلى غابة مجاورة، وأخرجهم الجنود مقسمين إلى ثلاث مجموعات، ثم اصطفوا أمام حفر بطول ستة أمتار وعرض ثلاثة أمتار، ليطلقوا عليهم النار مباشرة عليهم. اعترف الرئيس الفرنسي جاك شيراك لاحقاً بالمسؤولية عن هذه المجزرة في أعقاب زيارته لمدغشقر في يوليو/تموز 2005، ونفس الشيء فعله الرئيس فرانسوا هولاند في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
مذبحة ثياروي:
فرنسا تقتل الأفارقة الذين حاربوا من أجلها فبعد نجاح إنزال النورماندي في تحرير فرنسا من قبضة النازيين، تمكنت قوات الحلفاء من السيطرة على العديد من المعتقلات النازية بفرنسا وتحرير عشرات الآلاف من الجنود الفرنسيين المعتقلين في السجون النازية.
كان من ضمن هؤلاء الجنود الفرنسيين المحررين، مئات المجندين الأفارقة الذين استعانت بهم فرنسا في الحرب. وبعد نهاية الحرب، قررت السلطات العسكرية الفرنسية التخلي عن خدمات ما يقرب ألفي فرد من المجندين الأفارقة، وقامت بترحيلهم إلى السنغال، ووعدتهم بالحصول على مستحقاتهم المالية حال وصولهم إلى داكار وقامت بقتلهم جميعا.
صناعة الانقلابات:
تعد فرنسا الصانع الأول لغالب الانقلاب العسكرية في غرب ووسط أفريقيا ولعل الانقلاب ضد القائد والرمز الأفريقي الأبرز المناهض للسيطرة الفرنسية علي الموارد الافريقية توماس ايزيدور نويل (سانكارا) والذي كان رائداً في الجيش البوركيني ومناضلاً وقائدا ثوريا شيوعيا ورئيس جمهورية بوركينا فاسو من عام 1983 إلى عام 1987 ينظر إليه على أنه شخصية ثورية كاريزمية ويلقب بـ(تشي جيفارا أفريقيا) سانكارا استولى على السلطة في انقلاب لقي تأييدا شعبياً عام 1983 كان هدفه يتمثل في القضاء على الفساد وهيمنة القوة الفرنسية المستعمرة، لدى وصولة للسلطة عمل على تحقيق برامج اقتصادية طموحة وركز على التغيير الاجتماعي والاعتماد على الذات، قام بإعادة تسمية البلاد من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو (أرض الرجال النزهاء). سياسته الخارجية كانت تتمحور حول مناهضة الامبريالية مع تجنب المساعدات الخارجية وتجنب سلطة ونفوذ صندوق النقد الدولي أما سياسته الداخلية تركزت على منع المجاعة مع الاكتفاء الذاتي الزراعي وإصلاح الأراضي، وإعطاء الأولوية للتعليم بحملة لمحو الأمية في جميع أنحاء البلاد، وتعزيز الصحة العامة عن طريق تطعيم 2.5 مليون طفل ضد التهاب السحايا، والحمى الصفراء والحصبة، إضافة إلى برنامج غرس 10 ملايين شجرة من أجل إيقاف التصحر والذي يعد الأول من نوعة في تاريخ أفريقيا، فضلاً عن الاكتفاء الذاتي حيث أصبحت بوركينا فاسو أول دولة في تاريخ أفريقيا مكتفية ذاتياً مع وجود فائض في الإنتاج، إضافة إلى تشييد مئات الكيلومترات من الطرق والسكك الحديدية من أجل ربط سكان الريف مع المدن، وإنشاء مئات القرى مع مستوصف ومدرسة لكل قرية إضافة إلى التزامه بحقوق المرأة حيث يُعد الرئيس الأول في تاريخ أفريقيا الذي منع ختان الإناث وزواج القاصرات وتعدد الزوجات [6] وقام بتعيين نساء في المناصب الحكومية العليا، وقد تأثّر سانكارا إلى حد بعيد بتشي جيفارا وبالثورة الكوبية حيث قام بإنشاء محاكم ثورية على غِرار تلك الموجودة في كوبا لمحاكمة الفاسدين ومُبذري المال العام، برامجه الثورية للاعتماد على الذات جعلت منه رمزاً لفقراء أفريقيا، لكن في نفس الوقت كان هناك نفور من سياساته بالنسبة لزعماء القبائل الذي فقدوا امتيازاتهم القديمة والذين كانوا اليد العليا في أفريقيا إضافة إلى وقوف زعماء الدول الأفريقية ضده خوفاً من انتشار أفكاره الثورية التي تهدد مصالحهم إلى بقية الدول الأفريقية، فتحالفوا مع فرنسا التي سئمت من سنكارا بسبب شعاراته المناهضة للامبريالية، وخطّطوا للإطاحة به عن طريق كومباوري صديق سنكارا ورفيقه الذي خانه وتعاون مع المخابرات الفرنسية حيث قام بانقلاب على سانكارا وقتله عام 1987 وقبل وفاته باسبوع قال سنكارا (يمكن قتل الثوار لكن أفكارهم لا تقتل). هي ذاتها فرنسا التي تدعم خطة المليشا المتمردة وتحالف قحت حيث أرادت فرنسا إعادة ذات سيناريو سينكارا، قتله عبر نائبه وهي ذاتها الخطة التي أفصح عنها قائد المليشا في اليوم الثانى على حربه التى أعلنها على البلاد، القائمة بأجندة خارجية تسعى للسيطرة والتحكم في القرارات والموارد الوطنية، حيث أمر رئيس مجلس السيادة وعلى الهواء مباشرة عبر قناة العربية بالاستسلام إلا وسيتم قتله داخل القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، هذه هي فرنسا التي انتفض الغرب والوسط الأفريقي بوجهها شعوبا وأحزابا وجيوش ولم تجد في العالم الثالث من يطوف بكعبة جرائمها غير المليشا وتحالف قحت، على الشعب السوداني وحكومته الإطلاع على التاريخ الفرنسي جيداً والتعامل معها علي أساسه كما يجب النظر بجدية تامة لكل السياسيين الرحل الذين وقعوا في حبائلها على أنهم يشكلون خطراً ماحقاً على الأمن القومي والسلم الاجتماعى والسيادة الوطنية.