فترة انتقالية مضطربة.. تحولات التحالف الهجين في السودان

حسن حاج علي

حل التحالف الهجين وتشكيل التحالف الفعلي

وصل التوتر بين العسكريين والمدنيين إلى ذروته مع قرارات أكتوبر 2021 التي فرضت حالة الطوارئ، وحلت مجلسي السيادة والوزراء، وعلقت بعض مواد الوثيقة الدستورية، وأبقت على اتفاق جوبا للسلام، وأنهت تعيين الولاة ووكلاء الوزارات، وجمدت عمل لجنة إزالة التمكين وقررت مراجعة أعمالها وتكوينها. ركز العسكريون على إدارة جهاز الدولة، بينما ركزت حركات السلام بجوبا، كجزء من الحاضنة البديلة، على تنفيذ اتفاق السلام، مما شكل حكومة فعلية جديدة. هذا التحالف الجديد كان يُعتبر أيضًا هجينًا.

لم يدم هذا التحالف طويلًا في سياق السياسة التنافسية المتواصلة القائمة على الديناميات المتغيرة وتجديد المفاوضات مع كل تطور جديد، حيث تتغير الهويات السياسية. ونتيجة لذلك، توصل البرهان وحمدوك إلى اتفاق سياسي في نوفمبر 2021، من بين بنوده الالتزام بالوثيقة الدستورية مع التعديلات المتفق عليها، وتشكيل حكومة مدنية من التكنوقراط، والعمل على بناء جيش وطني موحد، وضمان تسليم السلطة لحكومة منتخبة في الوقت المحدد، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء قرار إعفاء حمدوك، وبدء حوار مع جميع القوى السياسية لعقد مؤتمر دستوري. مثل هذا التحالف محاولة لإحياء تحالف قديم، لكنه لم ينجح بسبب معارضة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وقوى سياسية أخرى. ونتيجة لذلك، استقال حمدوك في 2 يناير 2022 في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال، مشيرًا إلى فشله في تحقيق التوافق السياسي الوطني الضروري لتنفيذ وعود الأمن والسلام والعدالة ومنع إراقة الدماء.

الاستنتاج

خلصت الورقة إلى أن الاضطرابات السياسية التي صاحبت انقلاب أكتوبر لم تكن تحمل قضايا سياسية جوهرية، وكان المنطق السائد هو منع الخصوم السياسيين من الوصول إلى مواقع السلطة والحد من قدرتهم على ممارسة العمل السياسي، بما يتماشى مع تفاعل “المحصلة الصفرية” الذي مارسه المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.

رابعًا: التنافس على هجين جديد

بعد استقالة حمدوك وإعلان البرهان في يوليو 2022 وانسحاب العسكريين من الحوار الثلاثي الذي قادته الآلية الثلاثية، ظهر تنافس بين المكونات المدنية على تشكيل تحالفات هجينة مع أحد المكونات العسكرية والحركات المسلحة، وظهرت على النحو التالي:

1. تحالف هجين مع مكون مدني بديل

تم ذلك من خلال المنشقين عن قوى الحرية والتغيير الذين شكلوا تحالفًا أطلق عليه “الحرية والتغيير – ميثاق وطني”، وأعلنوا وثيقة بعنوان “ميثاق التوافق الوطني لوحدة قوى الحرية والتغيير”. وكان الهدف الرئيسي من التحالف الجديد هو استبدال المكون المدني لتحالف الحرية والتغيير – المجلس المركزي. ضم التحالف الجديد أحزابًا لم تكن جزءًا من المجلس المركزي، وبرروا تحالفهم بالإشارة إلى الإهمال السياسي الذي تعرضت له مجموعاتهم، في إشارة إلى تفاعل المحصلة الصفرية الذي مارسته قوى الحرية والتغيير. لجأ التحالف الجديد إلى توسيع قاعدته من خلال تناول القضايا العامة ونجح في توسيع التحالف. وفي نوفمبر 2022، اعتمد التحالف اسمًا جديدًا هو “الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية”، وأعلن مشروعًا لتعديل الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية في 2022.

2. تحالفات هجينة ضمنية

لجأت بعض القوى السياسية إلى الهجين الضمني مع أحد المكونات العسكرية أو الحركات المسلحة.
ظهرت ثلاثة تحالفات هجينة ضمنية كما يلي:

التحالف الأول

كان يعرف باسم “التغيير الجذري ووحدة القوى الثورية”، وكان التحالف الأكثر تجانسًا من الناحية السياسية والأيديولوجية، حيث ضم أكثر من عشر جهات مهنية وقطاعية. أُعلن عن هذا التحالف في يوليو 2022، وكان يضم الحزب الشيوعي والمنظمات التي يسيطر عليها، وركز خطابه على العلمانية والدولة المدنية. كان هذا التحالف هجينًا ضمنيًا، حيث وقع الحزب الشيوعي، الذي كان القوة الدافعة وراء التحالف، اتفاقًا سياسيًا مع فصيلين مسلحين بقيادة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد النور. وكان التحالف متجانسًا أيديولوجيًا، مما جعله أكثر استقرارًا.

التحالف الثاني

تمثَّل في “تجمع نداء السودان”، وكان أكثر تقلبًا وأقل فاعلية بعد فترة قصيرة من النشاط. تشكل التحالف من أحزاب مهمشة في آلية الثلاثية، مؤيدي المؤسسة العسكرية، بعض من شاركوا في النظام السابق، الإسلاميين، الزعماء القبليين، والطرق الصوفية. كان الهدف من تحالف نداء السودان توسيع المشاركة، تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، مكافحة خطاب الكراهية، وتعزيز سلطات مؤسسات الدولة. أقام هذا التحالف تحالفًا ضمنيًا مع المؤسسة العسكرية، ورحب به البرهان.

التحالف الثالث

ضم أحزابًا مدنية وحركات مسلحة. شكل هذا التحالف هجينة ضمنية من خلال الدعم الضمني للقوات المسلحة والهجين العلني مع الحركات المسلحة، حيث استمر بعض قادة هذه الحركات في مناصبهم الحكومية العليا. كانت الحكومة المصرية وراء تشكيل هذا التحالف الجديد كوسيلة لرفض تهميشها في آلية الرباعية، رغم أنها كانت الحليف الأقرب ولها مصالح كبيرة في السودان. نظمت مصر اجتماعًا في القاهرة، دعت فيه مختلف القوى السياسية. لم تشارك قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، لكن شاركت قوى سياسية أخرى، وأسفر الاجتماع عن إصدار وثيقة التوافق السياسي والوثيقة الوطنية للحكم للفترة الانتقالية. انتقد بيان التحالف الجديد تفاعل “المحصلة الصفرية” الذي مارسته قوى الحرية والتغيير.

الهجين الجديد: جمع بين الهجين الصفري والاتحاد المناهض للمنافسة

تعرف الورقة “تفاعل المحصلة الصفرية” على أنه وضع لا يمكن فيه تحقيق مكاسب أحد الأطراف إلا على حساب خسائر الطرف الآخر. يفرض الاتحاد المناهض للمنافسة قيودًا على المنافسة، ويقسم المكاسب السياسية بين أعضاء الاتحاد. وكما يجادل آدم برزيفورسكي، في مثل هذا الوضع، تتحول الديمقراطية إلى احتكار قلة. بدأ هذا التحالف الجديد بورشة عمل لجنة تسيير نقابة المحامين بعنوان “الحوار حول الإطار الدستوري” التي عقدت في أغسطس 2022 لمناقشة دستور انتقالي جديد. ضم التحالف الجديد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، ثلاث أحزاب، حركات مسلحة، وقوات الدعم السريع.

سعى التحالف الجديد إلى تقديم صياغة جديدة للهجين الصفري، تمحورت حول الدفاع عن الانتقال الديمقراطي وضمان عودة العسكريين إلى ثكناتهم. مثال على السياسة التنافسية، كانت التحولات من تحالف إلى آخر مصحوبة بتحولات مشابهة في الخطاب السياسي، مثل التحول من اعتبار قوات الدعم السريع ميليشيا مارقة تتكون من مجرمين ومرتزقة، وفقًا لتصريحات ياسر عرمان، إلى اعتبارها قوة لبناء الجيش الوطني من خلال وسائل وترتيبات أمنية محددة. التحول الثاني في الهوية والخطاب السياسي مثله حميدتي، الذي بدأ بمهاجمة قيادة قوى الحرية والتغيير خلال المراحل الأولى من الفترة الانتقالية، ثم تحول إلى مهاجمة أنصار النظام السابق.

خامسًا: الطريق إلى الحرب

كان إصرار القوات المسلحة على دمج قوات الدعم السريع في الجيش ورفضها بقاءها كقوة مستقلة العائق الرئيسي أمام استكمال تحالف صفري جديد خلال ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي عقدت في مارس 2023. اعترضت القوات المسلحة على البند الموجود في ورقة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقضي بألا يتجاوز الدمج عشر سنوات، وأصرت على أن فترة الدمج يجب ألا تتجاوز سنتين. أما الخلاف الثاني، فكان حول كيفية تشكيل هيكل القيادة حتى يتم الانتهاء من عملية الدمج.

انقسام المكون العسكري

على الرغم من أن المكون العسكري ظل موحدًا لفترة أطول عبر تحالف حميدتي والبرهان، الذي مكّن قوات الدعم السريع من تحييد أي تحركات عسكرية ضدها، إلا أن ديناميات السياسة التنافسية ونتائجها، بما في ذلك التحولات في الهويات السياسية وإعادة تكوين التحالفات، أثرت في النهاية. بدأ التحول في مواقف قوات الدعم السريع بدعمها لمسودة الدستور التي قدمتها نقابة المحامين، وصرح حميدتي لاحقًا أن قرارات أكتوبر 2021 كانت خطأً، معتبراً الاتفاق الإطاري الأساس الوحيد لحل سياسي عادل ومنصف.

الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع

شهدت مواقف الدول الغربية تحولًا نحو قوات الدعم السريع، حيث اعتبرتها المكون العسكري الذي يمكن الاعتماد عليه في التحالف الصفري الهجين الجديد بعد انسحاب القوات المسلحة. كان هذا واضحًا من الاجتماعات التي عقدت بين حميدتي والعديد من المبعوثين الغربيين، بما في ذلك فريدريك كلافييه، المبعوث الفرنسي الخاص للقرن الأفريقي؛ أنيت ويبر، المبعوثة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي؛ وعبر الهاتف مع بيتر لورد، نائب المبعوث الأمريكي الخاص للسودان وجنوب السودان؛ روبرت فيروذر، المبعوث الخاص للمملكة المتحدة للسودان وجنوب السودان؛ وجون أنتون، المبعوث الخاص للنرويج للسودان وجنوب السودان.

تشكيل الهجين الصفري

صدرت عدة تصريحات من قادة التحالف الصفري الجديد تؤكد طبيعة التحالف كهجين صفري، وهو اتحاد مناهض للمنافسة مغلق لا يسمح بتوسيع عضويته أو زيادة عدد أعضائه. على سبيل المثال، صرح محمد حسن المهدي، رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي، أن الاتفاق الإطاري مغلق وأن الأطراف المعنية هي التي وافقت، ولا ترغب مجموعة التوقيع في تخفيف الاتفاق بفتح الباب أمام مجموعات إضافية.
كان التأثير الخارجي في دعم التحالف الصفري واضحًا من خلال دعم وتهديدات آلية الرباعية، التي حذرت من أي محاولة لعرقلة العملية السياسية الجارية في السودان واعتبرت الاتفاق أساسًا لاستئناف المساعدات الدولية والاستثمارات وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين.
تصاعد الصراع بين جناحي المكون العسكري إلى اشتباكات مسلحة، وأكدت عدة مؤشرات أن قوات الدعم السريع نشرت قواتها وحشدت تحركاتها قبل أسابيع استعدادًا للاستيلاء على السلطة في 15 أبريل 2023. لكن خطتهم لم تنجح، ودخلت البلاد في دائرة من العنف المسلح الذي سيعيد تشكيل المشهد السياسي في السودان.

Exit mobile version