غياب مشروع الدولة؟

د. إبراهيم الأمين
يتمتع الاستاذ محمد حسنين هيكل بعلاقات خاصة ومميزة مع الرئيس جمال عبدالناصر، بدأت في مرحلة مبكرة قبل ثورة يوليو وإمتدت وتعمقت إلى أن فرق بينهما الرحيل المفاجئ للرئيس جمال عبدالناصر.
لخص الاستاذ هيكل أسباب الهجوم على مصر وبالأخص الهجمة التي تم التركيز فيها على الضربة الجوية الكبرى وما أحدثته من آثار مادية ومعنوية هزت مصر والعالم العربي، وصفها في كلمات أقل من أصابع اليد الواحده، وأرجع الكارثة إلى….. (غياب مشروع الدولة) .
وفي يوم الضربة الجوية التي خطط لها بعناية، كان الناس يتحدثون عن حرب قادمة.. وهي بكل المقاييس حرب فاصلة… وعن إنتصارات متوقعه…. كانت الأحداث بالنسبة لمصر ولكل العرب محيرة وصادمة وغير متسقة مع ماكان يتم تداولة بين الناس، فالضربة الجوية قصد بها إخراج السلاح الجوي المصري من المعركة، غطت كل المطارات المصرية تقريبا…. وقد تزامنت مع زيارة المشير عبدالحكيم عامر إلى سيناء، مما أدخل القيادة المصرية (العسكرية والمدنية)  في ربكة وفقدان للتوازن المطلوب والقدرة على إمتصاص الصدمة وإتخاذ القرارات الصحيحة، وبعد أن رجع المشير عبدالحكيم عامر إلى مطار القاهرة… دون أن يجد من يستقبله… وفي تلك اللحظات الحساسة والحرجة كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة لرجل في قامة المشير عربة تاكسي… إستقلها للوصول إلى مقر القيادة العامة، وإتخذ المشير قرارا لسحب القوات المصرية من سيناء في ظرف 24 ساعة….. وهو القرار الذي ساهم في تعقيد الأزمة.
العدوان الثلاثي الظالم على مصر وماترتب عليه من رفض ومقاومة تجاوزت مصر والعالم العربي إلى الدول  الصاعدة في العالم والرافضة للإستعمار بكل ألوانه، أحدثت هزة كبيرة لإسرائيل وللدول المشاركة في عملية الإعتداء على مصر، بريطانيا وفرنسا وكانت آثار المعركة على بريطانيا العظمى كارثيه، وقد فقدت بريطانيا مكانها المميز في قيادة المعسكر الغربي لصالح أمريكا.
وخرجت مصر بعد العدوان أقوى من ما كانت عليه، عربيا وفي محيط دول العالم الثالث. ربما لهذا السبب خطط لعدوان جديد على مصر، للقضاء على حكم عبدالناصر وإرجاع الدولة المصرية بعد هزيمتها إلى بيت الطاعة!!
الإستعداد لضربة جوية خطط لها بعناية ومع ماأحدثته من دمار تم إستغلاله للنيل من قدرة مصر وقيادتها على رد العدوان، استخدمت مصر أعظم أقوى سلاح عرفته البشرية في تاريخها وهو (وحدة الشعب المصري)  ورفضه للهزيمه واستعداده لازالة آثار العدوان، وزاد من قوة الموقف المصري اصطفاف العرب ودعم القوة الرافضة للاستعمار له. والغريب في الامر أن الإعتداءات اللاحقة على عدد من الدول العربية بهدف إضعافها وتفكيكها غاب عنها سلاح الوحده الوطنية. ليبيا كمثال طبق عليها المشروع الذي اطلق عليه مشروع مادلين اولبرايت أول وزيرة خارجية لأمريكا في تحالف عريض من عدد من الدول وهجوم مكثف على ليبيا يصعب معه قيام دولة ليبيه موحدة لذلك تم تقسيمها الى دولتين متناقضتين تحت إشراف (الكفيل)  وتكرر المشهد بصورة أو أاخرى في عدد من الدول العربية.. العراق، اليمن، لبنان، سوريا، فلسطين…… الخ . أما السودان فقد خطط له كما ورد في بعض الصحف أن يطبق عليه الخيار الليبي.
وأضافت الحرب اللعينة على السودان بعدا جديدا ضاعف من أزماته المتلاحقه، فحالة السودان اليوم ينطبق عليها وصف الاستاذ هيكل (ضياع مشروع الدولة)  وفي ظل التدهور المستمر سوف يتحول ضياع المشروع إلى ضياع الدولة.
السودان دولة غنية بمواردها وسبقتها في التنمية دول لا تتوفر لها موارد طبيعية تدر عليها الاموال، ولكنها تمتلك نخبا متعقله مكنتها من رفع مستوى رفاهية مجتمعاتها.
وهناك دول أخرى عجزت نخبها السياسية عن إدارة الدولة بعقلانية الى مزيد من الأزمات التي أعاقت عمل وتطور مؤسسات الدولة، وأدت إلى إضعافها وفقدانها لروح المبادرة والإنجاز.  إن التراجع المستمر في أداء مؤسسات الدولة، وتفكك الروابط المؤسسية وغلبت الصراعات البينية في بلادنا المنكوبة أدى إلى فقدان هذه المؤسسات لدورها وتحصين كيان الدولة، وهو أمر خطير حين يشعر المواطنون بالفراغ المؤسسي الذي قد يتطور إلى سلوك عدواني يدفع ثمنه الوطن والمواطن. ومن هنا جاء الحديث عن ما يصيب الدولة من علل وإن إختلفت التسمية حيث يكون الإختلاف في الدرجه فقط، والنتيجه النهائيه واحده وهي إنهيار الدولة، وربما إمتدت الإنهيارات إلى المجتمع مالم تنتبه العناصر الحية والفاعلة في المجتمع لخطورة الموقف والعمل على إيجاد حلول مناسبة لضمان الحفاظ على كيان الدولة وفاعلية مؤسساتها، الخلل قد يبدأ بالدولة الحائرة وهي الدولة التي لا تعرف ماتريد…. دولة تائه تحكم بلا رؤية، ومن مضاعفاتها الدولة الرخوة، والدولة العاجزة، والدولة الفاشلة، والدولة العميقة، والدولة المنهارة والأخيرة تتميز بغياب السلطة حيث تصبح الدولة مجرد تعبير جغرافي تغيب عنه دولة المؤسسات. الخروج من هذا المأزق يتطلب وحدة كل السودانيين ووحدة هدف وليس وحدة صف…. وحدة مسار…. يتطلب هذا تجاوز كل الخلافات بشتى أشكالها وألوانه والإصطفاف في وحدة شاملة بهدف مخاطبة الأزمات بإسلوب علمي وعقلاني وبوحدة لا مجال فيها للإختلاف، فالسودان اليوم يكون أو لا يكون ومصيره معلق في اعناقنا جميعا.
ملحوظة:
حديث الاستاذ هيكل منقول من برنامج تجربة حياة في قناة الجزيرة، العلاقة بين مصر والسودان عبر عنها بصدق موقف القوات المسلحه السودانية من الاعتداء الغاشم على الشعب المصري بمشاركته في الدفاع عن مصر.
Exit mobile version