رأي

عُشة أمريكا.. قصر الناهضين

عبد العزيز عبد الوهاب

رسالتي للمقهورين حول العالم : إنها سانحتكم لتطعنوا الفيل نفسه لا ظله ، لأنه ليس ثمة ظل حينها ؛ بل ربما بقية من حطام الفيل ! .

فأنتم أمام أمريكا أكثر شيخوخة أكثر عبئا وأقل عبثا وتأثيرا في الحاضر . ليس ذلك تمنيًا أو تخرصًا ، التاريخ يقول ذلك ودورة التغيير تؤكده.

فثمة إمبراطورية عظمى تتآكل بينما قوى عظمى جديدة متعددة تتأهب للقيادة ، ليس الآن ولكن خلال سنوات قريبة قادمة .

أمريكا أمة مدينة بإمتياز ، والمدين هو رجل مفتقر للمبادرة ، خفيض الرأس ، عاجز عن السير في المقدمة ، ويقال في حقه دائما : من لا يملك قوته فهو لا يملك قراره .

وهي تعيش اليوم على الشحدة من توابعها وخدمها ( المجبورين على الصلاة خلفها) المقهورين بسابق سمعتها وتستفيد من وضعها المادي بوصفها مالكة الدولار الذي يمثل ملاءة الغطاء لعملات العالم .

وأمريكا التي( لم يخلق مثلها في البلاد) تبدو أكثر استهلاكا وأقل إنتاجا ، بينما تردم الفجوة بينهما بالدين الذي إرتفع من 680 مليار دولار سنة 1974 إلى 14 تريليون دولار بحلول 2008 م ، لتكسر حاجز ال 34 ترليون مع بداية العام الحالي ، أي أن دينها يرتفع بواقع ترليون دولار كل 100 يوم .

بينما تبلغ نسبة الدين العام 121% من إجمالي الناتج المحلي وهاهي عشتها توشك أن تقع (بردلب) بينما يمضي قصر الناهضين في السمو والسموق؟.

في كتابه(عالم ما بعد أمريكا) يبشر الأمريكي من أصل هندي الدكتور فريد زكريا القوى الصاعدة أو ما يسميها ( البقية الناهضة) بقرب تسيٌد العالم بعد أن تتكسر أحادية أمريكا التي لا يزال البعض يراها تمتد من اللحظة التي تشرق فيها الشمس شرقا إلى غروبها غربا .

وذلك من خلال القفزات الهائلة التي حققتها الدول التي بدأت تنافسها في تدفق الثروة والإبتكارات بل والتغلب عليها بثقة ونفوذ وربما بروح عدوانية كما هو الحال مع الصين وروسيا .

فقدت أمريكا ؛ صاحبة النفوذ العسكري ؛ لكن المتضائلة إقتصاديا ريادتها في إمتلاك العلامة الأولى لمختلف الصناعات ،فمن بين 10 مجموعات تجارية عملاقة عالميا يوجد واحد فقط في أمريكا ، بينما الأغلبية تمتلكها الصين بوصفها أكبر دائن لأمريكا و المصنفة كعملاق إقتصادي من دون التقليل من سطوتها العسكرية الجامحة .

يتكامل هذا الدور مع النهوض القوي للهند وروسيا والبرازيل وتركيا الذين سماهم الكاتب (البقية الناهضة) والتي تتجه مجتمعة لإزالة دورة( الدولرة) من على الواجهة لصالح عملة البريكس الجديدة التي تجري طباختها بهدوء يعرف طريقه للفوران في الوقت المناسب .

يشكل تراجع النفوذ السياسي لأمريكا أبرز ملامح التدهور في مفهوم (السطوة الدولية) التي إحتكرتها واشنطن طويلا ، لكن الدكتور زكريا يعود للتأكيد على أن أمريكا لن تغادر المسرح كليا بل سيبقى حضورها فاعلا في تحديد خيارات المستقبل . لكنها أيضا ستستمر في إرتكاب الأخطاء الكبرى وهذا ما سيتيح للآخرين التدخل وأخذ زمام المبادرة بإنضباط وحزم .

وعليها إذا أرادت أن تتشارك الصدارة ، لا الإنفراد بها ، أن ترعوي قليلا وتعالج ( عوجة رقبتا)، فالصين اليوم هي التي تحل وتربط ، تفعل ذلك من دون غطرسة ولا تشنج.

لم تثمر حكومة بايدن أكبر رئيس أمريكي عمرا و الذي يمشي اليوم كبطة عرجاء ، سوى مزيد من العجز داخليا وخارجيا ، حتى تعالت الدعوى بين مناصريه عوض مناوئيه لإسقاطه بل ولطلب (رأسه) بعد فشله في تحقيق التطلعات بتحسين حياة الأمريكيين وزيادة نفوذ واشنطن عالميا .

أما إذا عاد ترامب أو (العبيط) بحسب وصف كبار موظفيه له ، مجددا للبيت الأبيض فإنه سيعيد سيرته الأولى : بالعمل في أجواء لا علاقة لها بالله ولا بالإنسانية ، وهو هنا لايزيد على كونه مجرد ( نمر من ورق) بحسب فريد زكريا ، فترامب مبذول فقط لإطلاق التهديد لا فعل ما وراء ذلك (حدٌاس ما سوٌاي)، جرب ذلك مع كوريا الشمالية وإيران والصين وروسيا وتركيا .

وبالنظر إلى رؤساء أمريكا خلال العقود الأخيرة ستجد أن أغلبهم مصنفون بمنخفضي الذكاء و متساوون في إضمحلال قواهم الجسدية والفكرية ، فقد وصف كاتبٌ الرئيس ترامب البالغ من العمر 78عاما بإنه مفتقر لأبسط مقومات رجل الدولة ، وأنه مجرد مهرج في مسرح عابث ، وأن الكرامة غادرت البيت الأبيض يوم غادره سلفه أوباما .

( الموت بأيد صينية) عنوان لفيلم أمريكي ، يحكي عن الغزو الممنهج للبربرية الصينية للسوق الأمريكي ،ما أدى لتوقف 50 ألف مصنع ووجود 25 مليون مواطن تعجز واشنطن عن توظيفهم بشكل أمثل كما جاء في دراسة للباحث يونان سعد عنوانها ( إنهيار أمريكا القريب) ، بينما يتزايد إنحسار الطبقة الوسطى في البلاد .

وكان الأمريكي أريانا هافنجتون قد أصدر كتابا عنوانه( أمريكا كدولة من العالم الثالث) يشرح فيه انحدار بلاده إلى هذه الفئة التي تكاد تختفي فيها الطبقة الوسطى منذ عهد ريغان ، ووصولها إلى أدنى مستوى لها في عهد بايدن .

يحدث هذا بينما تتوسع الطبقة الوسطى في كل من الصين والهند حتى أنهما تحوزان اليوم على أكثر 2 مليار يمثلون العدد المصنف وسطًا على مستوى العالم وهو 4 مليار نسمة يمثلون نصف سكان العالم البالغ عددهم أكثر من 7،5مليار.

بكلمة ؛ نعم ربما لا تنزاح أمريكا من على المسرح كليا فهي ما تزال تملك من الأوراق أو الأرواح ما يعينها على بعض التنطع والتغطرس .. لكن هل بمقدور المفلس أو المديون واللا أخلاقي واللا إلهي أن يبقى سيدًا مدًى أطول ؟ ..
أشك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى