خالد محمد فرح
عنت لي هذه الخاطرة بمناسبة الانتخابات الأمريكية التي انفضّ سامرها سريعاً، وأسفرت نتيجتها عن عودة دونالد ترمب مجدداً سيداً للبيت الأبيض، ورئيساً للولايات المتحدة الأمريكية للأربعة أعوام القادمة على الاقل.
وبعد تأمل، عادت بي الذاكرة إلى تجاربنا مع الانتخابات في السودان، خصوصاً فيما يلي المدة او الفترة الزمنية التي تحدد لاجراء عمليات التصويت والاقتراع خلالها. فتبين لي اذ ذاك ان السودان ، ربما يستحق جائزة غنيس للأرقام القياسية لاطول انتخابات في العالم.
ذلك بان الانتخابات عموما، وخصوصا عملية الاقتراع والتصويت لا تتجاوز اليوم الواحد او اليومين على الأكثر في جميع دول العالم، بما في ذلك الفقيرة وذات الامكانيات المتواضعة منها، حتى بالمقارنة مع السودان، ولا عبرة بالقول بأن السودان بلد شاسع المساحة ومترامي الأطراف، ووسائل النقل والمواصلات فيه ليست بتلك الكثرة والكفاءة الخ ، فان ذلك جميعه ينطبق على دول اخرى كثيرة من دول العالم الثالث، ولكنها لا تتمحرك كما نقول في كلامنا العامي، وتجري انتخاباتها في سرعة وسهولة ويسر، ومن دون ما اي نعنعة او جرجرة كما هو الحال في السودان.
أما النعنعة، فهي كلمة سودانية دارجة، تعني التدليل والإغراء او ” التحنيس ” لجمهور الناخبين انفسهم، الذين يبدو في معظم الاحيان ، وكان الأمر كله برمته لا يعنيهم لقصور في ثقافتهم السياسية، وعدم ادراك لحقوقهم وواجباتهم الدستورية. وقصارى ما عندهم انهم يرحلون ترحيلا وينقلون نقلا بالمركبات المختلفة إلى حيث مراكز الاقتراع، لكي يصوتوا لهذا المرشح او ذاك، بعد ان يوعز لهم وكلاؤه وممثلوه بذلك، ويذكروهم جيدا بحفظ الرمز الانتخابي الذي يعود إلى ذاك المرشح. وهنا تبرز تلك الطرفة او المقولة التقليدية التي ارتبطت عادة باجواء الانتخابات في السودان: أكلوا توركم وأدوا زولكم ! . وهي لعمري مقولة تعبر عن الانتهازية بصورة واضحة ، اذ ان معناها: ايها الناخبون الكرام ، إذا ذبح لكم احد المرشحين ثورا على سبيل الإكرام والهدية والترويج لنفسه كائنا من كان، فكلوا لحم ذاك الثور اكلا لمّا، ثم عندما يحين وقت التصويت، صوتوا للمرشح الذي كنتم قد عقدتم العزم على تأييده سلفا.
وأما الجرجرة وهي من المصطلحات التي وجدت ذيوعا ورواجا خصوصاً بعد الثورة التي غنى فتيانها قائلين ” ونحن ناس بنحب الجرجرة ” ، اي التاني والبطء ، فكانها من جرجرة الأرجل عند الحركة، كناية عن عدم الرغبة في الاسراع لإنجاز المهام وحسمها ، وهي على كل حال صفة ذميمة ربما ساعدت بالفعل على ترسيخ وتكريس الصورة النمطية الماثلة سلفا في اذهان البعض، والتي تصف السودانيين عموما بالكسل.
مهما يكن من امر ، فان على مسؤولينا المعنيين بتنظيم الانتخابات ، اذا صارت هنالك انتخابات، ان ينظروا على الاقل في تجارب الدول ذات الامكانيات والمساحة والظروف والأوضاع الشبيهة باوضاع بلادنا ، وكيف انهم يديرون العملية الانتخابية بسرعة وكفاءة ونظام بصورة ملحوظة، لكي نتعلم منهم.