عندما يتكامل اللوم واللوم المضاد!

إبراهيم عثمان
يخدم خطاب تقدم/صمود الميليشيا بطريقتين متناقضتين ظاهرياً ومتكاملتين وظيفياً:
١. عند الحديث عن جرائم الميليشيا*: تختفي كلمات كارثة ومأساة وإرهاب، وتغيب محاسبة الميليشيا ككيان، لتحل محلها لغة التهوين والتبرير، ولوم الضحايا بدعاوى ترويجهم لخطاب الكراهية والغبائن، أو مقاومتهم للعدوان، أو جهلهم بتاريخ الانتهاكات ومبالغتهم في الشكوى من الانتهاكات الحالية.
٢.عند الحديث عن شرعنة الميليشيا وتلبية مطالبها*: تُستَدعى فجأة لغة الكارثة الإنسانية غير المسبوقة المنسوبة للحرب لا للميليشيا، ويُلام الضحايا مجدداً، لكن هذه المرة على ضعف تفاعلهم قياساً إلى الحجم الكبير للكارثة.
عادةً لا تُجمع الخدمتان في حديث واحد لتفادي افتضاح التناقض والغرض منه، لكن خالد عمر يوسف ــ الذي كلما عدت إلى أحاديثه تجد فيها جوانب لم تعطها حقها في أول نظر ــ جمعهما في ندوة واحدة بلندن:
التهوين واللوم*: كرر ثلاث مرات فكرة أن الانتهاكات “مسبوقة”، ولام الناس لعدم تصرفهم وفق هذه “الحقيقة”: (الناس بتكلموا عن انتهاكات حرب ١٥ أبريل “كأنما هي الأولى” في السودان، والله العظيم شفشفوا بيوتنا. الجيش في الجنوب ما كان بشيل التلاجات والتلفزيونات، بحرقها بالناس الموجودين جواها. الانتهاكات والبشاعات “لم تبدأ” بحرب ١٥ أبريل، “ما بدت” بحرب ١٥ أبريل).
التضخيم واللوم المضاد*: في ذات الندوة، اتهم نفس الضحايا بضعف الإحساس بحجم الكارثة: (البكا بحرروه أهلو، طبعاً بكانا في السودان دا مبردنو أهلو، أقل ناس شايفين حجم الكارثة هم السودانيين أنفسهم. الاتحاد الأوروبي قال إنها الكارثة الإنسانية الأكبر في القرن الـ ٢١. حجم المأساة غير مسبوق بالفعل).
كما رأينا أصبحت الكارثة، في سياق جرائم الميليشيا، “مسبوقة”، وفي سياق شرعنتها، “غير مسبوقة”. ويُلام الضحايا مرة على تفاعل زائد، ومرة على تفاعل ناقص، لا لشيء إلا لأن المعيار الحقيقي هو: هل يخدم التفاعل الميليشيا أم لا؟
هذا اللوم المزدوج يربك من يحاولون الاستجابة له، إذ يُطلب منهم التهوين والتضخيم في آن واحد. أما المنحازون للميليشيا فسيستوعبون الرسالة، وسيهونون الكارثة عند مساءلة الميليشيا، ويضخمونها عند شرعنتها!
الكارثة غير المسبوقة يُفترض أن تُقابَل برد فعل غير مسبوق ضد المتسببين فيها. لكن مع الميليشيا، رد فعل “صمود” هو العكس تماماً. والتوصيف المزدوج ــ مسبوقة/غير مسبوقة ــ ليس زلة لسان نتيجة استرسال في الحديث كيفما اتفق، بل وسيلة إلزامية يفرضها التناقض بين مصالح الميليشيا وداعميها، ومصالح المواطنين، ويفرضها خطاب الدفاع عن قضية غير عادلة!



