عزاء الموسيقار محمد الأمين بالقاهرة

في ليلة حملت بين جنباتها مزيجًا من الأسى والوفاء، اجتمع عشاق الموسيقى السودانية وأبناء الجالية السودانية في مصر، مساء أمس، داخل مسجد الطريقة الشاذلية بحي المهندسين في القاهرة، لتقديم واجب العزاء في الموسيقار الكبير محمد الأمين، الذي وافته المنية مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد مسيرة فنية استثنائية امتدت لعقود، صنع خلالها وجدان أمة وترك إرثًا خالدًا.
كان المسجد يغص بالحضور من مختلف الأجيال، وجوه مألوفة في عالم الفن والثقافة والإعلام، وأخرى جاءت مدفوعة بذكريات ارتبطت بألحان الراحل وصوته الدافئ. من بين الحضور المخرج المعروف شكر الله خلف الله، والدكتور الموسيقار كمال يوسف، والبروفيسور الفاتح حسين، والموسيقار شافعي شيخ إدريس، إضافة إلى لفيف من الموسيقيين والكتاب والشعراء والإعلاميين، الذين توافدوا ليؤكدوا أن أثر محمد الأمين لم يكن حكرًا على عشاق الفن فحسب، بل تجاوز ذلك ليصبح جزءًا من الهوية السودانية.
شهادات مؤثرة
كان الفنان كمال ترباس من أوائل الحاضرين رغم ظروفه الصحية، في مشهد يعكس عمق الصداقة والاحترام بينه وبين الراحل، حيث قال بصوت مثقل بالحزن: “رحم الله الأستاذ، رجل قامة ومدرسة قائمة بذاتها، فقده بالنسبة لنا لن يتكرر. نعزي أبناءه وأسرته، ونعزي الموسيقيين جميعًا”.
أما الشاعر التجاني حاج موسى فقد عبّر بكلمات امتزج فيها الصبر بالإيمان: “نعزي أنفسنا ولا نقول إلا ما يرضي الله، لكل أجل كتاب، وأقول أيضًا وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. والحزن بعثرني، محمد الأمين فقد جلل، هو أحد العباقرة، ولا نقول إلا ما يرضي الله. وهذه مناسبة أقول فيها شكرا شمال الوادي”.
الموسيقار سعد الدين الطيب، رفيق درب الإبداع الطويل، تحدث بعاطفة جياشة قائلاً: “علاقتي مع الأستاذ لم تكن علاقة فنية فقط، أنا أعتبر أن أسرته أسرتي، تربيت في بيته، وزوجته سعاد أختي الكبرى. احتضنوني في بيتهم، وأنا مدين لهم، فقد درست الجامعة من بيت محمد الأمين”.
ومن جيل الشباب، تحدث الفنان محمد حسن من داخل سرادق العزاء قائلًا: “بقلوب حزينة نودع فنانًا كبيرًا ومدرسة مميزة في تاريخ السودان الفني. عاصرناه ووجدنا منه كل الدعم. فنان مثل محمد الأمين لا يموت، بل ترك بصمة تبقى خالدة في ذاكرة الأمة”.
لمسة إنسانية عابرة للحدود
الملفت أن العزاء لم يقتصر على السودانيين، فقد حضرت سيدة مصرية من أسوان، وبدت متأثرة وهي تقول لصحيفة “الأحداث”: “محمد الأمين فنانى المفضل، وأنا أحبه جدًا وأحفظ كل أغنياته، رغم أني لم أزر السودان من قبل، لكني أحب الفنانين السودانيين جدًا”.
إرث خالد
على مدار ساعات العزاء، تناوب الحاضرون على استعادة ذكرياتهم مع أعمال الراحل، متحدثين عن بصمته في تحديث الأغنية السودانية وإدخال قوالب موسيقية جديدة، وعن التزامه برسائل وطنية وإنسانية شكلت وجدان الشعب. لم يكن محمد الأمين، في نظر محبيه، مجرد موسيقار، بل كان مدرسة قائمة بذاتها، وركيزة من ركائز الإبداع السوداني الحديث.
وبين دموع الفقد وكلمات العرفان، بدا واضحًا أن رحيل محمد الأمين لا يعني غيابه، فقد بقي صوته وألحانه حاضرين في الذاكرة الجمعية، شاهدة على مسيرة فنان آمن أن الفن رسالة، وأداه بكل صدق حتى اللحظة الأخيرة



