رأي

عداء الإمارات للجمهوريات العربية.. السياق الجيوسياسي لحرب السُّودان.. !!

قاسم الظافر

ما تقوم به الإمارات من تخريب ممنهج واستهداف مباشر ومعلن تجاه الأنظمة السياسية في السُّودان واليمن وليبيا وسوريا وغيرها من بلدان المنطقة العربية، يعود إلى جذور تاريخية قديمة تتعلق بطبيعة التركيبة السياسية لدولة الإمارات وطبيعة نظام الحكم الملكي الذي تأسس بناءً علي ما عرف بالمعاهدات البريطانية مع شيوخ مشيخات الساحل وقتها.

إلا أن هنالك أسباب داخلية وخارجية أخرى معاصرة وأكثر مباشرة تتعلق بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت علي المنطقة العربية في الأونة الآخيرة، والتي تعاملت معاها الامارات باعتبارها مهددات قد تؤدي إلى تقويض استقرار النظام السياسي وتهدد مستقبل استمراره في الامارات.

(1) الربيع العربي:
تنامت حالة الذعر والإضطراب في الامارات مع تصاعد موجات التغيير التي بدأت تنشط في تونس في 2011م ومن ثم إمتدت إلى سائر الجمهوريات العربية في اليمن وليبيا وسوريا ومصر، مطالبةً بتغيير أنظمة الحكم السياسية وعدد من الإجراءات الإصلاحية الأخرى. تنظر الإمارات إلى ثورات الربيع العربي كخطر يهدد استقرار نظام الحكم في الامارات والخليج ويقلل من فرص بقاءها مستقبلاً كأنظمة ملكية وذلك من ثلاثة أوجه؛

#الأول: المطالبة بالديمقراطية كقيمة ظلت مفقودة حتي في الجمهوريات العربية التي رزحت تحت حكم الدكتاتوريات لعقود، مما دفع وحرك إرادة الشعوب العربية الثائرة نحو ترسيخ مبادئ الديمقراطية في الحكم. ويعتبر نجاح ثورات الربيع العربي الخطوة الأولى نحو الترسيخ مبادئ الديمقراطية، والحكم المدني، وتداول السلطة، والأهم من ذلك هو ترسيخ مبدأ أن الحكم والإرادة حق مكفول للشعب. وهو ما يتعارض بصورة كلية مع المبادئ التي تسّعى إلى ترسيخها الإمارات.

#الثاني: الخوف من صعود أحزاب الإسلام السياسي لسدّة الحكم من كونها الأقرب للشارع العربي والأكثر تنظيماً مقارنةً بالتنظيمات السياسية الأخرى، والأرسخ في مقارعة الاستبداد الذي كانت تمارسة الأنظمة الدكتاتورية في تونس وليبيا واليمن ومصر وسوريا

وتنظر الإمارات إلى أحزاب الإسلام السياسي كمهدد حقيقي لمستقبل الملكيات في منطقة الخليج لما تحمله من شروع سياسي مناوئ، ولما لها من قوة تأثير داخل المجتمعات الخليجية نفسها.

#الثالث: توسّع حالة التغيير الثوري واحتمالية وصولها إلى منطقة الخليج عبر اليمن أو محكاة التضحيات الشعوب العربية الأخرى من أجل تحقيق إراداتها، وهذا بالفعل ما حدث في البحرين في 2011م بتصاعد الاحتجاجات الشعبية في ميدان اللؤلؤة، وشملت دعوات لانهاء النظام الملكي في البحرين، مما اضّطر التدخل المباشر لقوات درع الجزيرة في مارس-2011م لقمع المتظاهرين وتثبيت نظام الحكم الملكي في البحرين، وشاركت الامارات العربية المتحدة بنحو 800 جندي لمقع تظاهرت البحرين لما ترى فيه من تهديد مباشر لأمنها وأمن الخليج العربي.

(2) مذكرة الإصلاح:
على المستوى الداخلي في مارس 2012م تقدّم عدد من أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة (أكاديميين، مهنيين، ومحامين) علي رأسهم الشيخ سلطان بن كايد القاسمي (ابن عم حاكم إمارة رأس الخيمة – سعود بن صقر القاسمي) مذكرة لرئيس البلاد وقتها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان تدعو إلى إقرار حق المشاركة الوطنية في القرار السياسي من خلال المجلس الوطني الاتحادي كما هو منصوصٌ عليه في دستور الاتحاد، كما تدعوا إلى تفعيل دور الاختيار الديمقراطي في اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي بدلاً عن التعيين المباشر.

اعتبرت السلطات الإماراتية هذه الخطوة بمثابة محاولة لتقويض نظام الحكم ومؤامرة من قبل تنظيم جماعة الأخوان المسلمين، وعدتها تهديداً مباشراً للامن القومي الاماراتي وما ترتب عليها من أجراءات جنائية وملاحقات قانونية عرفت بقضية (الإمارات 94) وفي فترة لاحقة بقضية (الإمارات 84).

نظراً لجملة المتغيرات الخارجية (ثورات الربيع العربي) والداخلية (مذكرة الإصلاح) باتت تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة لمستقبلها الوجودي بشئ من القلق، وبناء علي ذلك طّورت مشروعها لاجهاض ثورات الربيع العربي، وإفشال الجمهوريات العربية، واستهداف إرادتها بواسائل تدميرية مختلفة.

حرب السُّودان ودعم مليشيات التمرد تقع ضمن هذه الوسائل التي تعمل علي كسر غرادة الشعوب وضرب إستقرارها، بما يمنح دولة الإمارات فرصة أفضل لتشكيل المستقبل دون مهددت مستقبلية من داخل الجمهوريات العربية.

وهذا المشروع في كلياته يلقي صدى وقبول واسع لدى بعض الأنظمة الغربية ومنظمات المجتمع الدولي التي تسعى إلى تحقيق بعضاً من أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى