رأي
عبدالقادر سالم .. مقتول هوى كردفان !!

ابراهيم احمد الحسن
أسير غزال فوق القويز ، ويا له من غزال ويا له من قويز ، ويا له من (سير) ويا له من أسر وإِسَار . ولن يحس بعمق معنى ذياك (الغُنى) إلا من رأى الغزال فوق القويز وآسره (بالألف الممدودة ) . لن يدرك مدى ذياك الغناء ويسبر غوره إلا إنسان مترف الشعور ، مرهف وحساس أو إنسان تعمق في هذه المعاني عِلِمْ وصل معاليه شهادة دكتوراة يشار اليها بالبنان . أو إنسان ودكتور اسمه عبدالقادر سالم . طبقت شهرته وأغانيه الآفاق حتى رددت الفنانة العالمية رحيلا أغنيته ( طالبين سلامة / ما تبقى ظلامة / يا أخيَّ دي الدنيا معدودة اياما ) ، البعد الحقيقي للفن السوداني هو الذي منحه عبدالقادر سالم للاغنية فاصبحت تعزفه فرق عالمية ، مثلما فعلت ( فرقة موسيقى الشرق الأوسط في جامعة تكساس الأمريكية ) عندما عاشوا اللحن والإيقاع والموسيقى وطفقوا يرددون ( حليوة يا بسامة طالبين سلامة )
(2)
ثم أنه كان علينا الاختيار ونحن لم نزل بعد في ريعان العمر ينقشع عنا ينع الطفولة ونشرئب نحو بض الشباب ، في ذياك الزمان والعُمر كنا نمشي في رمل الدروب في عروس الرمال لنختار !!
نختار بين حفل نهاري يشدو فيه عبدالقادر سالم ( اللوري حل بي دلاني انا في الوديً ) ، وبين حفل ود بارا عبدالرحمن عبدالله وهو يتغنى (الأُبيض غرد حبابها والنهود الآسر شبابها) ، هل نمارس ذلك الاختيار أم ننتظر المساء يرخى سدوله ونصفق للشمس وهي تغرب ثم نيمم وجهنا شطر دار فرقة فنون كردفان .ونردد مع ابراهيم موسى أبا (يا الفُقَرا رُدوا لي رويحتي الهناك شاردة) ، ونغني معه رفقة عبدالله الكاظم (قلبي كان شفتي حراية القايلة ) . نفعل ذلك أم يا ترى نميل حيث مال صديق عباس (عبر الاثير ) أم نشدو معه( الله يصبرك يا قلبي من حالتك الفوقك / وكل ما ما يمر صباح زايد علي شوقك ) ، او نلوذ بغناء عبدالفتاح عباس وهو يترنم بقصيدة قاسم عثمان بريمة (يا الغالي قلوبنا قَلِية). أحبتي أجدني اليوم وكل القلوب تصطلي ( حراية القايلة).
واليوم ..وكل يوم ( في رمل الدروب ) ، نستشعر ( حراية القايلة) عندما يرحل عبدالقادر وعندما يبكي الراحل عبدالله الكاظم حين يتوقف به وبنا الزمن عند(ست بنات بارا) .. عندما يغرد ود بارا عند (حباب الأُبيض) ثم ينظر ( النهود الآسر شبابها ) .
(3)
ولعله في العشر الأوائل من الفينات هذا القرن عندما إزدحمت دار اتحاد المهن الموسيقية ذات ليلة رمضانية وإزدانت بحضور انيق في حضرة مجموعة من النجوم وكنا هناك !! جلس الي يميني عبدالقادر سالم وتراص من ناحية اليسار ، محمد طه القدال ، محمد الحسن سالم حميد ،هاشم صديق ودكتور عبدالقادر الكتيابي ، والتجاني سعيد يرسل تحاياه وقصائده لمن غاب ولمن حضر، عبدالقادر سالم إستضاف هذه الكوكبة في داره اتحاد المهن الموسيقية وكان هو الرئيس وكانت ليلة ما منظور مثيلها .
(4)
قبل عقد ونصف من الزمان ولعله الاستاذ محمد عبدالكريم النجم الإذاعي والتلفزيوني الكبير هو الذي هاتفني و انا اتهيأ للمثول امام (السودان اليوم ) علي أثير هنا أمدرمان رداً علي مكالمة فائتة مني بالامس اليه ،، لعله هو من اوحى اليهم في ( كنترول ) البرنامج ان ( يأتوا بها ) تلك الحسناء باذخة المعنى والمبنى ولعلها ( محاسن الصُدف ) ،، لا يهم ان تكون هذي او تلك و لكن الأهم ان ( النشيد ) الوطني ل كردفان كان هو من سلب مني ( لُبي ، مُهجتي و جناني ) . وجعلني احث الخُطى نحو أمدرمان وأثيرها لنغني مع فريق برنامج ( السودان اليوم ) مكتول هواك يا كردفان مكتول هواك أنا من زمان .
(5)
و( مكتول هواك يا كردفان ) النظم الذي مجده بالألحان والأداء الراحل عبد القادر سالم كتب كلماته الشاعر الاستاذ ( عبدالجبار عبدالرحمن محمد الشيخ ) الذي قَدُم في ستينات القرن الماضي من قريته النية جنوب الجيلي الي كردفان معلماً في مقام رفعه أحمد شوقي عليا ( قم للمعلم ووفه التبجيل ) صاغ عبدالجبار كلمات النشيد الوطني الكردفاني عندما تملك العشق طوع زمامه وتملكه الشوق فطفق يبكي ويصيح ويغني ( مكتول هواك يااااا كردفان ،،،، مكتول هواااك انا من زماااااااان ) وأضحت الكلمات نشيد وطني يعزفه العاشقون نوبة و طار ، ترمبيتة و مزمار ، عندما أضفى عليه الدكتور عبد القادر سالم لمسة من ساحر ألحانه غدا : (شوفى القليب نابع حنان/
مكتول هواك /رغم اللي كان
رغم الضنى / وهجر الحبيب /
فى كردفان). ومكتول هواك يا كردفان ..مكتول هواك أنا من زمان.
(6)
ثم حدث انني التقيته هاشاً باشاً في بيت من بيوت السودان المضيافة ، منزل الدكتور الباقر أحمد عبدالله حيث كان يحتفي وقتها بزيارة الأديب العالمي الطيب صالح للسودان ، إكتظت دار الدكتور بالسودان من اقصاه الي اقصاه ، ادباء ، كتاب ،شعراء ، فنانين ، صحفيين ، اهل المسرح والدراما ، نجوم رياضة ، نجوم مجتمع ، إدارة أهلية وزعماء قبائل ، سفراء عرب ، بضع ساسة و(ناس مجهولة ما معروفة جات من وين ووصلت كيف ) ثم وردي وعبدالقادر سالم . حرصت ان اتنقل بين الحضور ، من مجلس الطيب صالح الي مجلس عبدالقادر سالم ، مجلس وردي ، ومجلس الصديق الدكتور سليمان الديبيلو ، وغيره من المجالس . وعند مجلس الدكتور عبدالقادر سالم يحلو الحديث والدندنة بحبنا المشترك ( مكتول هواك يا كردفان ..مكتول هواك أنا من زمااان ) .
(7)
تعتبر الاغنية (مكتول هواك يا .. كردفان.. ) نشيدنا الوطني الثاني ثم انها تمثل كل سوداني ولعلك واجدها عندما غناها محمد الامين رفقة عبدالقادر سالم أو في موضوع سطره المخرج النحرير معتصم الجعيلي على صفحته في الفيسبوك ( أنا سوداني من الأُبيض ) ، ولعل الأغنية تُمثل كل استاذ ومدرس وكل رسول نشر العلم في ربوع الوطن و ترك بصمات لا يزحزحها فعل الزمن ولا جائر الأحداث ولا طُلم ذوي القُربى ، وهى تصبح عِلم و نشيد عَلَم يُتلى و يقف له الناس تبجيلاً و احتراما و أقف انا حافي حاسر ، ( يدي علي قلبي ) و( قلبي علي وطني ) و أردد ( نحن جند الله جند الوطن ) ، وعقب ذلك وفي خشوع يعزف قلبي نشيد( مكتول هواك يا .. كردفان،،، مكتول هواك .. انا من زمان )
(
ثم انه حدث غداة رحيل الموسيقار محمد الأمين أن كتبت تحت عنوان (غرار العبوس .. دار الكمال ونقاص حليل وداللمين!! ) كتبت ( دموع الفراق علي وداللمين ( نزيف من حد البلد شرقي لي حد البلد غربي ) الا انها سالت (بحر في كردفان ) فقد سار في قويزها غزال في رمل الدروب وخلد مع عبدالقادر سالم مكتول هواك يا كردفان رغم الضنى وجور الحبيب.اخذت (الأسر ) سيراً علي الأقدام فوق (قويز كردفان ) حُب عبدالقادر سالم ثم جعلت الدموع تسيل بحراً علي ( ود اللمين ) في كردفان .فقد سار محمد الامين خُطاً كتبت عليه في كردفان ذات مهرجان وغنى رفقة عبدالقادر سالم بصوته ( الآسر ) مكتول هواك يا كردفان .. مكتول هواك أنا من زمان .
(9)
كان القاسم المشترك الأعظم هنا وعند الاستاذ الدكتور عبدالقادر سالم هو ( مكتول هواك يا كردفان / مكتول هواك !! أنا من زمان ) . ويا له من قاسم مشترك أعظم لا يقبل القسمة علي اي معامل لانه يغني لكردفان ويقول ( مكتول هواك يا كردفان ) .
رحل الشفيف عبدالقادر سالم وهجر الدنيا كلها وهجر كردفان (زي وزين هجر الرهيد يوم جفَ)
(10)
اذكر انني كتبت له ذات تجلي علي صفحتي في الفيسبوك ( استاذي عبدالقادر سالم لو لم تغن في عمرك المديد سوى حليوة يا بسامة لكفتك ، ولجعلتنا بها فقط نصطف ونقول لك ، لا غيره قولاً واحداً وبالكلام الجهير : ( ريدتك في قلوبنا الله علّْاَمَها ) .. والله العظيم !!
فلنقف جميعاً اليوم شيباً وشباباً وأطفالاً، نساء ورجال ، شجر وحجر ، كئنات حية وجمادات ، ايدينا علي القلوب ننشد ( هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علماً بين الأمم ) ، نصفق ونصفق ثم نعاود النشيد ( مكتول هواك يا كردفان / مكتول هواك أنا من زمان ).
ثم نقف ( إلى ما شئت يا الله ) نترحم علي الراحل المقيم الدكتور عبدالقادر سالم تتنزل عليه شآبيب الرحمة والمغفرة وعلى قبره الف رحمة ونور .
و (يا أخيَّ دي الدنيا معدودة اياما ) !!



