الأحداث – هيثم السيد
تشعر بقدر من المودة والارتياح والنقاء ،عندما تلتقيه ،ويضيف إليك بالهشاشة والبشاشة ما يدهش من بساطة وتواضع لم يعرف عند النجوم الكبار .. يستقبلك بحرارة مشحونة بدفء المشاعر ،ولا يسبقك الوداع إن لم تودعه ..
عنيت بالمقدمة الفنان الانسان المعلم الدكتور (عبدالقادر سالم ) ،فهو فنان بحق متعدد المواهب ،برع في الغناء والتعاملات الأنسانية في جوانب الحياة المختلفة ،أحبه الناس مطربا بديعا عطر السوح والنفوس بجميل الغناء .
قدريشنه حلاته قدريشنه ..
في دلاله فينا تتمني ..مالو بخاف الريدة .. وريدة والله كاتلنا ..وحلوات حلاتن رفيقاتها ..
جيناكي ..
التوب ..
إسمك حبيب ..
مكتول هواك يا كردفان ..
مالو وأحتجب ..
..كلم قمارينا ..
طبيق الريحة ..
ليمون بارا ..
بسامة ..
..عبدالقادر سالم كبير الفنانين ورئيسهم الدائم ،في خدمة الفن والأتحاد لايتقيد بالمناصب ،فهو يمشي لأجل الناس أكثر من مشيه لنفسه ، يخرج من منزله في الصباح الباكر ليجوب المكاتب والبيوت والمشافى لأعانة رفقاء المهنة ،يقاتل لأجل حقوقهم ،لا يتقيد بنصائح الأطباء عندما يمرض ،وكثيرا ما يقطع الفترات المقررة للراحة والنقاهة ليسعى في حاجات معارفه ،هميم وملحاح في حقوق الفنانين ،خاصة أبناء جيله ،وصدق الأستاذ الفنان كمال ترباس عندما خاطب الجمعية العمومية قبل الأخيرة داعما ترشيح عبدالقادر سالم لرئاسة إتحاد الفنانين قائلا :
يا أخوانا مافي زول أنسب من عبدالقادر ده لرئاسة الاتحاد ،زول نشيط وهميم وبمشي في حاجات الناس لو مرضته بتلقى واقف في راسك في المستشفي ومابفوتك ،يا وداك البيت ،يا وداك المقابر .
وفعلا دكتور عبدالقادر سالم هميم وزول واجب ،ظل مساندا لكل الفنانين في مناسباتهم وظروفهم المختلفة ،ربما نالت إنسانيته مساحات واسعة من أزمان كان يجب أن تكون لفنه ،لكن الأثنين يسعدان النفوس ،فمشيه لأجل الناس يداوي القلوب ويطيبها ،وهو سمحا إذا غني وإذا تحدث وإذا سعي لأعانة الآخرين .
كنت سعيدا وقد جمعتني به مودة ومحبة خالصة وإجتمعنا في كثير من لجان العمل ،كانت أبرزها داخل البيت الكبير (إتحاد الفنانين )،لمست فيه أشياء جميلة وتعلمت منه الكثير ،فهو نعم المعلم ،تشاركنا هم الأتحاد والسعي لتغيير بعض التقاليد التي كانت تتطلب التغيير لأجل المواكبة والتطور ،فكان داعما لنا في كثير من المشروعات والمقترحات خاصة في اللجنة الثقافية ، منها تغيير شكل العرض في (ركن العود) ،وهو عبارة عن جلسة فنية ثقافية صغيرة تقام بين الفينة والأخري للأستماع لأبداعات الفنانون ،وطورنا الجلسة الي منتدي راتب وخصصنا لها مسرح وديكور بمشاركة مطرب كبير وآخر شاب ومطربة واعدة ،الى جانب شاعر يدير حوارا قصيرا بين المطربين تعقبه أغنية ،وكان الهدف من ذلك تحقيق التواصل بين الأجيال المختلفة ،وعندما أوكلت الى مهمة مسئول الأعلام باتحاد الفنانين ،أعددت مجلة شهرية خاصة بنشاط الاتحاد الثقافي والاداري والأجتماعي كنا نقدم منها نسخ محدودة لاطلاع الأعضاء ،وكانت نواة لمجلة رسمية بالمكتبات ولكن للظروف العامة لم ترى الفكرة النور .
أذكر ذات مساء كنت أجلس مع الشاعر الأستاذ إسحق الحلنقي داخل إتحاد الفنانين ،ودخل علينا الدكتور صديق تاور ،عضو مجلس السيادة وقتها ،وتاور صديق حميم للفنانين والاتحاد ،وتساءل د. تاور عن أسباب ركود النشاط بالاتحاد ،فأجبته بأن استمرار النشاط أصبح مكلفا في ظل ضعف موارد الأتحاد ،وأشرت الى أن الاتحاد فقد جهاز الساوند الخاص به قبل سنوات ،ولو كان يملك جهاز صوت لما توقف النشاط لأن الساوند من المعينات الأساسية للأنشطة الثقافية .
انتهت الجلسة بعد حوار قيم حول أهمية ريادة الاتحاد كمؤسسة معنية بالثقافة ،وبعد أيام تلقيت اتصالا من د. عبدالقادر سالم طالبني بالحرص على الحضور في السابعة من مساء نفس اليوم لدار الأتحاد لأن مكتب البروفيسور صديق أبلغهم بزيارته للاتحاد، وفي المساء حضر د.تاور يرافقه الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الثقافة والأعلام ،وقدما جهاز ساوند (جديد ) هدية للاتحاد ،وكانت مفاجأة مفرحة للأخوة في الاتحاد ،وبالفعل نشطت الثقافة بالدار بفضل الهدية القيمة ،وانصال د.سالم جاء حرصا منه على وجودي باعتباري أشرت لأمر الساوند .
.. كثير من أعضاء اتحاد الفنانين كانوا يحرصون على وجود عبدالقادر سالم على كرسي الرئاسة ،لكنهم في ذات الوقت كانوا يشفقون عليه بسبب همته الزائدة التي أثرت على صحته .
والهمة الزائدة صفة مطلوبة فى العمل العام ،لكنها عند سالم مختلفة ،فهو لا يكلف الآخرين بالمهام ،رفقة بهم وهمة منه ،(وده الجنن عبدالقادر) كما يقول المشفقون عليه من أخوته ومحبيه مداعبين .
.. حتى خلال الحرب اللعينة الحالية بقي د.عبدالقادر سالم بأمدرمان ،يتفقد هذا ويزور ذاك ،وقد أنهكه المرض خلال الأشهر الماضية لكنه ظل حريصا على إنسانيته ومودته وإبداعه الذي ظهر للناس خلال الحرب من خلال العمل الوطني العظيم (جنون الحرب) القصيدة التي كتبها ادريس جماع ،وهي أغنية قدمها قبل أكثر من ١٥ عاما وشاركه بالأداء فيها العملاقين محمد وردي ومحمد الأمين ..
(ليس الخراب بطولة.. إن البطولة في البناء)، وهذا عمل سبق زمانه وهو يعكس واقع اليوم الأليم .
رفض عبدالقادر سالم كل دعوات وعروض السفر إلى الخارج ،ليبقى في امدرمان .
عبدالقادر سالم صاحب جمائل كثيرة على الجميع ، بما فيهم الشعب السوداني الذي أشجاه بأغنياته الجميلة، وكنت أود أن أكتب عنه لأوفيه حقه من عطاء ثر في مجالات عديدة ،لكن الكتابة عن أمثاله صعبة ، نسأل الله أن يديم عليه نعمة الصحة والعافية وأن يحفظه ذخرا لأسرته ولزملاءه ومعارفه ومحبي فنه الجميل ،ونقول له :
إسمك حبيب وانت الأحب ..وانت الجمال في كل معني تمثلو.