اقتصاد

عبدالعظيم علي يكتب.. إقالة المحافظ ولجم الدولار

وهل إقالة المحافظ أو إقالة كل قياديي بنك السودان ستلجم ارتفاع الدولار في ظل واقع دولة هي في ظروف حرب فرضت عليها، وامتدّت لعام ومازالت مستمرة؟ وظل بنك السودان ودون كلل يتحمل عبئها المادي لوحده؟ إذ يكفي أن نذكر أنه ظل يتحمل شهرياً مرتبات كل القوات النظامية (جيش وشرطة وأمن واستخبارات) وبما يفوق المائة مليار ج أي (مائة ترليون ج بالقديم) وهو عبء اساساً ليس منوط بأن يقوم به بنك  السودان باعتبار أنه إلتزام يفترض أنه مهمة وزارة المالية، وهي معلوم أنها لا قبل لها به لتوقف  جل الأنشطة الاقتصادية علي نطاق البلاد جراء ألحرب وبالتالي  انحسرت تبعاً لذلك إيرادات الضرائب والجمارك وغيرها من الإيرادات؟، والمعلوم أنه بنك السودان في الظروف الطبيعية ما كان سيقبل تحمل ذلك العبء لأنه معلوم أنه بالقانون إنه ليس مهمته. وثانياً لأن التأثيرات السالبة لمثل ذلك الضخ السيولي المهوول علي معدل التضخم وسعر العملة معلوم وحتمي، ولكن، واستشعاراً من بنك السودان بأن السودان يخوض معركة كرامة ووجود فكان لا يمكن أن يخذل الدولة والقوات النظامية وكل الفصائل المحاربة في مقابلة مرتباتها مهما كانت التبعات، وأيضاً في تحمل كل احتياجات الحرب التي لم يشعر الجيش  فيها وطوال فترة العام بحوجة أو بإنقطاع ذخيرة أو إمداد أو أي احتياجات، وبالإضافة لذلك ظل أيضاً البنك يتحمل كل الاكلاف المادية بالنقد الأجنبي  للحراك الدبلوماسي عموماً وعلى كل المستويات.

وأيضاً لماذا لا يرتفع الدولار ومع كل ذلك العبء المهوول للمرتبات وهي وكما ذكرنا ليست مهمته _ وبنك السودان أيضاً كان يواجه بإلتزام تخصيص الموارد بالنقد الأجنبي لكل الاحتياجات الأساسية والاستراتيجية للدولة من رصيد احتياطياته التي كانت قد بنيت بالسياسات الرشيدة في الظروف الطبيعية قبل الحرب، والتي كان قد أسهم فيها المحافظ الحالي ونائبه  وكل قيادي بنك السودان قبل الحرب، وذلك عندما  نزل البنك بسعر الدولار مما كان قد قارب الألف جنيه إلى حوالي ٥٥٠ جنيه وأصبح الناس يتدافعون لبيع الدولار للبنوك والصرافات وللدرجة التي كان قد فتح فيها بنك السودان ذاته نوافذ إضافية لشراء الدولار في بعض فروعه. كما كان بنك السودان يعلن يومياً بأنه على استعداد لمقابلة أي طلبات للدولار للاستيراد  وغيره، وحينها انزوى كل تجار العملة والمضاربين، كما كان بنك السودان قد  نزل بمعدل التضخم من  الرقم الذي كان قد قارب لنسبة ال٤٠٠ في المائة إلى ٨٣ في المائة خلال عامين فقط، ولولا قيام الحرب لكان البنك قد حقق الرقم المستهدف  في النزول وهو ٢٥ في المائة، ولمن لا يعلم فإن  البنك كان قد حقق كل ذلك من دون أي مساعدات مالية خارجية من صندوق نقد دولي أو بنك دولي أو من صناديق إقليمية أو من دول صديقة أو غيره، ولدرجة أنه منسوبي تلك المؤسسات كانوا مستغربين في كيف تم ذلك النجاح في السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف ومن دون توفر احتياطي كافي بالعملة الأجنبية ومن غير مساعدات مادية خارجية، ونذكر أنه حتى محافظ البنك المركزي المصري كان مستغرباً من ذلك الذي حدث وكان في استفسر المحافظ السابق عن ذلك، والآن أيضاً نقول مجدداً، ما الذي يجعل الدولار لا ينفلت  وليس هنالك نشاط إنتاج أو صادر مقدر علي نطاق البلاد بسبب الحرب وعوائقها العديدة، كما أنه  ليست هنالك ولا دولة واحدة أسعفت أو آزرت السودان بدعم مادي؟ إذن ما الذي يجعل الدولار لا يتأبي على الاحتواء؟ أليس الأمر هو نتائج تفاعلات العرض والطلب في أبسط مفهومه الاقتصادي والبلدي؟ أي نحن حالياً نعيش واقع طلب مهوول ومتواصل للدولار جراء الحرب وتبعاتها ومحدودية وانحسار في العرض؟ فكيف يحتوي  الدولار إذن في ظل هكذا واقع – وإزالته بالطبع ليست بيد بنك السودان؟ وبالطبع هنا أيضاً لا يسقط دور المضاربة جراء الأموال المنهوبة  جراء الفوضي وواقع الحرب الذي طال البلاد، وبالطبع أيضاً لا يسأل عنه وليس سببه بنك السودان، وإنما بنك السودان الآن هو أكثر الجهات المتضررة .

هذه الإفادات فقط رأينا أن نجليها للاستدلال على أن أمر إختلال وارتفاع سعر الدولار لم يكن نتاج قصور رؤية أو خطل  سياسات أو، عدم كفاءة في إدارةً الشأن، بقدر ما أنه السودان وبنك السودان وطوال عام كامل ظل يعمل في واقع اقتصاد حرب وليس واقع طبيعي وليس هنالك وكما ذكرنا أي مؤسسة أو دولة، شقيقة أو صديقة مزعومة قد مدت له يد العون بإسناد مالي، بل بالعكس فيهم من يحاربه  بخنق اقتصاده والتضييق عليه؟

المحصلة النهائية مما ذكر: أن تغيير المحافظ أو حتى تغيير كل قيادي بنكً السودان لن يكون هو عصا موسي التي من شأنها أن تحقق الأشواق بإحتواء الدولار والنزول بسعره في ظل ذلك الواقع الاستثنائي للحرب الذي كلف بنك السودان ما تنوء من حمله الجبال، وبالطبع ذلك لا يعني أن نقول (لا للحرب) التي فرضت علينا وإنما نقول  مرحباً بها والسودان وبنك السودان لها. ولن يتواني في الصبر على تحمل أعباءها مهما عظمت حتى تتطهر البلاد وللأبد من دنس ورجس أولئك المعتدين الظلمة وبعدها فليكن الحساب (ولد) في تقييم أداء وعطاء وكفاءة قيادي بنك السودان عندما يؤدون في ظروف طبيعية.

حفظ الله البلاد والعباد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى