عادل الباز يكتب: يسألونك عن أبي إدريس
فيما أرى
1
لقد كبر أبو إدريس.. فازداد الشنب بياضاً وازدادت الصلعة امتداداً.. إيه يابخت الرضا.. هل إنت فاكر؟. كان هذا انطباعي وأنا أرى أمس أبا إدريس معتمراً عمامته في أعقاب انتخابه عن استحقاق وجدارة لمنصب نقيب الصحفيين، أدلى أبو إدريس بحديث في غاية الرصانة حول النقابة أو البيت الذي سيسع الجميع، وقال إنها لن تُجند لحزب، وهي لصالح الجميع دون تحيزات.
عجبتني وأطربتني مقالته تلك.. كبر أبو إدريس لكنه هو ذاته ذلك الرجل، بِسِماته واستقلاليته و(نَفَسه الحار). رجل سمح النفس على استقامة شخصية ودين ومهنية عالية.
2
جاء أبو إدريس إلى الصحافة من الفضاء الثقافي، كادراً ثقافياً من طراز رفيع، ترافقنا في (بيت الثقافة) حين كان للمنتديات ألق وحضور، وكان أول ظهوره الصحفي بجريدة (سنابل) الثقافية، وهي الجريدة التي أسستها تلك الثلة الماجدة، يطراها الله بالخير (عبد المنعم، وأمير صديق والشيخ يوسف، ود.اليسع حسن، وإلهام مصطفى، وأخيراً الناقد المبدع محمد ربيع). كانت منتديات (بيت الثقافة) عامرة بالليالي الثقافية يقودها الصحفي الفذ فوزي بشرى. كان يومها – ولايزال – عبد المنعم ممتلئاً حيوية وحماساً، يقرأ كل ما يقع بين يديه، ويتابع بدقة كل ما يجري في الساحة الثقافية التي ظل مساهماً أصيلاً في حركتها بعطاء ممتد لأكثر من خمس سنوات.
3
عبرنا بعد (بيت الثقافة) سوياً لآفاق (الصحافي الدولي)، تلك التي لم تنجب الصحافة مثلها عبر تاريخها، وعلى يدي د. خالد التجاني، ود. محمد محجوب هارون تتلمذ وتدرب على مهنية الصحافة واستقامتها وخبر العمل في كافة اقسامها وصفحاتها الثقافية والسياسية، كان الصحافى الأكثر إشراقاً وعطاءً.
4
حين صعدنا بتجربتنا الصحفية أربعتنا بالصحافي الدولي (صالح محمد علي، محمد محجوب، خالد التجاني، وشخصي) إلى عوالم (الشراكة الذكية) وما أدراك ما هي، كان (منعم) واحداً من (مداميك) وأعمدة جريدة (الصحافة) في عهدها الجديد.
في تلك التجربة طور أبو إدريس مقدراته الصحفية بشكل مذهل، وصعد بتجربته السياسية حتى أصبح من أهم الصحفيين. وبعد أن أسستُ كرئيس تحرير مجموعات صحفية متخصصة، تخصص منعم في شرق السودان والقرن الأفريقي. وها هو اليوم أحد الخبراء الذين يُشار إليهم وتستضيفهم القنوات العالمية، وأصدر أبو إدريس كتابه الأول (مدخل إلى القرن الأفريقي القبيلة والسياسة في الصومال إثيوبيا إرتريا وجيبوتي 2019، عن دار العربي للنشر القاهرة). وقبل أيام استمتعت بقراءة كتابه الثاني، تحت الطبع (نظرة على إثيوبيا بعد نوفمبر 2020).
وأذكر أنني انتدبت الأستاذ الصحفي الذكي عارف الصاوي، ورفيقه علاء الدين بشير ليتخصصا في قضايا الجنوب وكينيا ويوغندا، والآن أطالع بفخر تقاريرهما في المواقع العالمية الرصينة (إقرأ تقرير عارف الصاوي الأسبوع الماضي في آفريكا انتلجنس عن القمح في السودان).
أبو إدريس يصعد دائماً إلى مستقبله الأخضر بجهد واستقامة صحفية نادرة. حين غادرت جريدة الصحافة مطاردا احلامى و إلى حيث مغامرتي الأخطر في عالم (الأحداث)، ترك الصحافة خلفه، وهى صحيفة لا يتركها صحافي بـ(الهين)، إذ كانت تتربع على عرش الصحافة السودانية، وجاء إلى (الأحداث) مهرولاً لخوض غمار تلك التجربة، والتي ابتدرت عهدها بفكرة مجنونه في مجانيتها.
تسلم أبو إدريس زمام التحقيقات بـ(الأحداث) وطار بها، ودرّب بعضاً من أفضل الكوادر التي تعمل في مجالات الصحافة الاستقصائية اليوم. أما ما قدمه من تحقيقات وحوارات مبدعة وعميقة في (الأحداث) تصلح أن تدرس كورسات تدريبية لناشئة الصحفيين.
5
ظل عطاء أبو إدريس طوال تجربته الصحفية شاملاً، يقدم لصالح صالة التحرير حصائل خبراته، فيرفد القسم الثقافي بكتاباته، والسياسي بتقاريره العميقة وحواراته.
6
حين أنهت (الأحداث) مغامرتها الأولى، توزع (الأحداثيون) نجومها يثرون صفحات الصحف الأخرى، ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى قادوا صالات التحرير – عمار عوض (المواكب)، محمد عبد الماجد (الحراك السياسى) ، طلال مدثر (قوون والشروق) مزدلفة محمد عثمان (سودان تربيون) أما إدريس عوض والشيخ يوسف ورحاب عبد الله فمازالوا صامدين فى الأحداث الإلكترونية. بينما ذهب عمار شيلا إلى (النيل الأزرق ) ياسر أبو شمال ( هلا ٩٦) خليفه حسن بلة ( سودانية ٢٤) . عثمان فضل الله ( البيان الاماراتية ) محمد محمد عثمان (مراسل البى بى سى ) بهرام عبد المنعم (وكالة الاناضول) .
درة قمبو (إلبى بى سى وتلفزيون العربى الجديد) وهى نقيبتنا التى تآمر عليها أبو إدريس وجماعته بليل وسنصحح المسار بعد إنهاء الانقلاب.
يدعى الأستاذ محمد لطيف ( الله لاكسبو ) أنني منتج كل الكوارث فى الوسط الصحفى، الحقيقة أننى لم أنتج سوى كارثتين يعرفهما هو تماماً.
وأخيراً والحمد لله استولى الأحداثيون على وزراة الإعلام في عهد الثورة ( الأستاذ حمزة بلول) ولولا أن الإنقلاب قطع الطريق لكان لهم ولنا شأن آخر .
اختار أبو إدريس خوض غمار تجربة على المستوى الدولي، إذ أصبح أهم مراسل لوكالة (فرانس برس) الإخبارية الدولية في السودان.
7
منذ أول أمس سيخوض أبو إدريس تجربة جديدة في العمل النقابي، قلبي معه إذ أن هذه التجربة تختلف كلياً عمّا عرف من تجارب صحفية حقق فيها نجاحات متصلة، تجربة النقابة تتقاطع فيها السياسة بالصحافة بالعلاقات الإنسانية بإدارة البشر. لا يعرف أبو إدريس مكائد الأحزاب، إذ لم ينتم يوماً لحزب، وظل حراً مستقلاً طيلة حياته، معتزاً باستقلاليته ومهنيته. والمهم الآن أن يظل هو نفسه.
8
تلك هي سيرة أبو إدريس، وما أنجز. عرفت فيه – خلال ربع قرن – الوفاء لعشرة الأيام والاحترام والمحبة وكل خلق جميل. بالتوفيق أيها الرائع الحبيب.